الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

1- تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

قلنا في الأبحاث الماضية إنّ المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه ذكر في بحث تحقيق حقيقة الواجبات الارتباطيّة أنّ حقيقتها تكمن في أنّ التوحّد الحاصل لأجزاء الواجب الارتباطيّ يكون في مرتبة متأخّرة عن مرتبة عروض الوجوب عليها وكذلك التكثّر في الواجبات الاستقلاليّة.

وهذا يعني أنّهما غير متناسخين في مرتبة واحدة من حيث التوحّد والتكثّر، فالوجوب في رتبة عروض الوجوب واحد ومعروضه (وهو الأجزاء المتوحّدة في الواجب الارتباطيّ والمتكثّرة في الواجب الاستقلاليّ) تتّصف بالتوحّد والتكثّر في رتبة متأخّرة عن عروض الوجوب عليه.

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بعد شرح هذا المبنى وتوضيحه يبدأ بالإيراد عليه وهو:

أنّ هذا الكلام ينافي قاعدة عامّة يؤمن بها أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ويستدلّ عليها بدليلين، وهذه القاعدة تجري في كلّ عارض ومعروض لا في الوجوب ومتعلّقه فقط، كالعلم مثلاً، فيقول إنّ روح الوجوب التي هي عبارة عن الحبّ والإرادة من هذا القبيل أيضاً، فـ[القاعدة هي أنّه] في موارد وجود عارض ومعروض لا بدّ من وجود التسانخ بينهما من حيث التوحّد والتكثّر في رتبة عروض ذلك العارض على ذلك المعروض، فهما متّحدان ومتناسخان في الوحدة والتكثّر في رتبة واحدة، وكلام المحقّق العراقيّ ينافي هذا القاعدة؛ لأنّه يقول إنّ التوحّد والتكثّر في رتبة متأخّرة عن رتبة عروض الوجوب، فإذا كان المعروض في رتبة العروض متكثّرة يصير الوجوب أيضاً متكثّراً وبالتالي يتحوّل الواجب الارتباطيّ إلى الاستقلاليّ في بحثنا.

ثمّ إنّه يذكر دليلين على صحّة هذه القاعدة.

1.1- الدليل الأوّل لإثبات قاعدة التسانخ بين العارض والمعروض في التوحّد والتكثّر

الدليل الأوّل منوط بقضايا مستوردة من الفلسفة أحلّله إلى مقدّمتين ونتيجة:

المقدّمة الأولى: إنّ روح الوجوب، التي هي عبارة عن الحبّ والإرادة، من الصفات الحقيقيّة النفسيّة ذات الإضافة. وحال ذلك كحال العلم. والمقصود بتلك الصفات الحقيقيّة النفسيّة ذات الإضافة وإضافتها الذاتيّة أنّ هذه الصفة يكون لها محلّ وإضافة، وإذا سلخناها عن إضافتها فإنّها تذوب.

فالعلم هكذا: عندما تعلم بقدوم فلان من السفر، فهذا العلم محلّه نفسك وقلبك وإدراكك، ويحتاج إلى إضافة «علمت بقدوم فلان من السفر». فهذا العلم من الصفات الحقيقيّة، حيث ينعقد حقيقة في ذهن العالم. فمحلّه ذهن العالم وإضافته إلى ذلك الشيء الذي علم به.

ولكنّ المراد ليس هو المعلوم بالعرض الذي هو في العالم الخارجيّ. بدليل أنّه لو كان المعروض في العالم الخارجيّ وخارجاً عن الذهن، قد ينفصل عنّا. وذاك الذي لا ينفصل عنه وهو في عالَم ذهن العالِم هو ما يسمّى بـ«المعلوم بالذات»، لا «المعلوم بالعرض». والشيء الخارجيّ يسمّى بـ«المعلوم بالعرض».

وكلّ الأعراض هكذا. وحقيقة الوجوب (وهي الحبّ والإرادة) تنطبق في ما نحن فيه على هذه الفكرة. فالعلم قد لا يطابق العالم الخارجيّ، كما إذا أخطأ، رغم أنّه علم منعقد في ذهن العالم. ولذا نسمّي العالم الخارجيّ «المعلوم بالعرض»، لا «المعلوم بالذات».

المقدّمة الثانية: كلّ صفة من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة تتوحّد في الوجود مع إضافتها.

1.1.1- النتيجة:

نستنتج من هاتين المقدّمتين عدم إمكان اختلاف الوجوب والواجب في الرتبة، سواء في الأجزاء الارتباطيّة أو الاستقلاليّة. فلا يمكن أن يكون متعلّق الوجوب، وهو الواجب، في إحدى الرتبتين متكثّراً، ويتوحّد في رتبة متأخّرة، كما يقوله المحقّق العراقيّ بأنّ أجزاء الواجب متكثّرة في رتبة عروض الوجوب وتتوحّد تلك الأجزاء لمتعلّق الوجوب بعد تلك الرتبة.

فالتحقيق الصادر من المحقّق العراقيّ غير صحيح.