46/05/07
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ
ذكرنا التصوير الأوّل في حقيقة الواجب الارتباطيّ وهو أنّ هذه الأجزاء مقيّدة بعضها ببعض، وذكرنا دليلين عليه وناقشنا كليهما. وانتهينا إلى التصوير الثاني وهو ما ذكره المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه ولعلّه من امتيازاته فيقول إنّ الوحدة والتعدّد في الوجوب تابعان للملاك وليسا تابعين للوحدة الموجودة في متعلّق هذا الوجوب.
الوجوب واحد في الواجبات الارتباطيّة تبعاً لوحدة الملاك، وهو متعدّد في الواجبات الاستقلاليّة تبعاً لتعدّد الملاك. فوحدة وتعدّد الوجوب تابعان لوحدة الملاك أو تعدّده. ففي الواجبات الاستقلاليّة في كلّ مفردة من تلك المفردات ملاك، فعندما يكون عليّ عدّة أيّام من قضاء الصوم فكلّ يوم له ملاك، فالوجوب أصبح متعدّداً لتعدّد الملاك وهكذا الوجوب في الارتباطيّة مثل أجزاء صلاة واحدة بما أنّ الملاك واحد ومتقوّم لمجموع تلك الأجزاء فالوجوب أصبح واحداً.
وأمّا هذا التوحّد أو التكثّر في الملاك هل هما في طول الوحدة والتكثّر في الوجوب يعني متأخّر رتبة أو متقدّم كذلك؟
يقول اتّصاف الواجب بأنّه متكثّر – في الواجب الاستقلاليّ – أو واحد – في الواجب الارتباطيّ – فهذه الصفة التي يحملها متعلّق الوجوب تارةً صفة الواحدانيّة وتارة صفة التعدّد والتكثّر فهاتان الصفتان متأخّران رتبة عن الوجوب رغم أنّ الوجوب تابع للملاك فبمقتضى التبعيّة قد يتخيّل أنّ الملاك أسبق منه رتبة.
ولكن يقول إنّ التوحّد الموجود للمتعلّق متأخّر رتبة وليس متقدّماً رتبة وإن كان ذات الملاك سابقاً رتبة؛ لأنّ الوجوب تابع للملاك. فهذا الاتّصاف متأخّر رتبة عن الوجوب؛ إذ هناك صفات عرضيّة قد تطرأ على الشيء.
إنّ هذا الواجب عرض عليه صفات، صفة ناشئة من وحدة لحاظ المولى، وصفة ناشئة من نفس الوجوب وصفة ناشئة من الملاك، فهناك ثلاث صفات ناشئة من هذه الأمور الثلاثة فهناك وحدة ناشئة من وحدة الوجوب ووحدة ناشئة من وحدة اللحاظ ووحدة ناشئة من الملاك، فهذه عوارض وذات الملاك ليس بعارض بل هو شيء خارجيّ حقيقيّ يلحظه ويوجبه المولى.
فيقول إنّ هذه الصفات العارضيّة متأخّرة رتبة عن الوجوب فليس الأمر هو أنّ الشارع تبارك وتعالى يرى واجباً واحداً ويرى صفة التوحّد الناشئة من (تلك المنشئات) ثمّ ينشئ الوجوب، فليس كذلك ولو رتبيّاً ولا زماناً وإنّما في الرتبة المتأخّرة من إصدار الوجوب بعد أن ينشئ الوجوب – والبعديّة رتبيّة – تحصل هذه الصفات الثلاثة في الرتبة المتأخّرة. فما هو الدليل على أنّ هذه الصفات الثلاثة العرضيّة عروضها متأخّر رتبة عن الوجوب؟
أمّا الوجوب فعروضه لا يمكن أن يكون أسبق من الوجوب فعندما ينشئ الوجوب فيحصل الاتّصاف بهذا الأمر العرضيّ وليس متّصفا به قبل إنشاء الوجوب، فالاتّصاف متأخّر رتبة عن إنشاء الوجوب.
وأمّا الملاك فيقول بما أنّ الوجوب تابع للملاك كما ذكرنا فاتّصافه بالملاك لا يمكن أن يكون متقدّما على الوجوب؛ لأنّ الملاك ذاته يمكن أن يكون سابقا رتبة؛ لأنّ الوجوب تابع لذات الملاك أمّا الاتّصاف بصفة عارضيّة بكونه يحمل الملاك فيحصل بعد الوجوب – والبعديّة رتبيّة –.
وهكذا صفة اللحاظ، فيطرأ صفة اللحاظ عليه في طول إنشاء الوجوب فمتأخّر عنه.
وعليه يقول المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه إنّ صفة التوحّد أو التكثّر من هذه الصفات العارضيّة وهذه الصفات متأخّرة عن الوجوب وفي مقام عروض صفة التوحّد أو التكثّر يختلف الواجب الارتباطيّ عن الاستقلاليّ فيقول هذا هو الفرق الجوهريّ بين حقيقتها.
هذا خلاصة كلام المحقّق العراقيّ ويورد عليه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه.