46/05/06
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ
قلنا يوجد دليلان قد يتمسّك بكلّ منهما لإثبات كون الأجزاء في الواجب الارتباطيّ مقيّدة بعضها ببعض.
والدليل الأوّل أكملناه والدليل الثاني قرأناه في الدرس الماضي مع الردّ عليه ولكن يحتاج إلى توضيح أكثر، خصوصاً المقطع الأخير وهو الردّ عليه. فلا بدّ من إعادة بيان الدليل والردّ عليه.
فنقول إنّ حاصل الدليل الثاني على تقيّد الواجب الارتباطيّ بعضها ببعض هو أنّ من المسلّم المفروغ عنه أنّ الواجب الارتباطيّ إذا اكتفى المكلّف فيه ببعض الأجزاء ولم يأت بالأجزاء الأخرى فسوف لا يقع هذا الجزء الذي عمل به على وجه المطلوبيّة والوجوب ما لم تلحقه الأجزاء الأخرى. فيستدلّ بأنّ كلّ جزء من الأجزاء إن كان مقيّداً فهو المطلوب ونحن نبطل كونه مطلقاً تجاه باقي الأجزاء فيثبت أنّه مقيّد.
وإبطاله (أي إبطال كونه مطلقاً) بأنّ كلّ جزء من الأجزاء لو كان مطلقاً تجاه باقي الأجزاء لوقع كلّ جزء بدون أن يلحقه الباقي على وجه المطلوبيّة والوجوب، وهذا ينافي ما جعلناه مفروغاً عنه من عدم وقوعه على وجه المطلوبيّة إذا فعل بعض الأجزاء دون بعض، بينما إذا كان مطلقاً يكون صحيحاً ويقع على وجه المطلوبيّة.
أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ينبّه على أنّ هذا الدليل بهذا البيان إنّما يناسب مبنى السيد الخوئيّ الذي يفسّر الإطلاق بـ«لحاظ عدم القيد» لا «عدم لحاظ القيد»، فيجعل الإطلاق أمراً وجوديّاً بينما نحن على خلافه ونفسّره بعدم لحاظ القيد فهو أمر عدميّ عندنا.
توضيح تماميّة هذا الدليل على مبنى السيد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه هو أنّ السيّد الخوئيّ بما يجعل الإطلاق بمنزلة التصريح بالشموليّة ويفسّره بلحاظ عدم القيد، فالمكلّف لو فعل في ما نحن فيه بعض الأجزاء ولم يفعل البعض الأخرى فهذا ينافي الذي جعلناه مفروغاً عنه، فالإطلاق إذا التزمنا به وفسّرناه بلحاظ عدم القيد فسيكون الإتيان ببعض دون بعض على خلاف الشيء المفروغ عنه فلا يصحّ الالتزام بالإطلاق بل لا بدّ وأن نبني على أنّ الأجزاء بعضها مقيّد بالأخرى، فهذا الدليل يتمّ على مبنى السيّد الخوئي.
وأمّا توضيح عدم تماميّته على مبنانا أنّه بالإمكان أن نلتزم بالإطلاق (بمعنى أنّ وجوب كلّ جزء مطلق تجاه وجوب باقي الأجزاء) ولكن مع ذلك لا ننتهي إلى مخالفة الشيء الذي جعناه مفروغاً عنه، وذلك لأنّه قد يتمّ الموضوع في قضيّة من القضايا – بصورة عامّة – مطلقاً ولكن مع ذلك لا نستفيد الإطلاق لا لعدم إطلاق الموضوع بل لعدم إطلاق المحمول.
أمثّل بمثال: ما إذا قلنا إنّ الصلاة لا تترك بحال كما هو مضمون بعض الروايات، حتّى الغريق له صلاة خاصّة، فـ«الصلاة» موضوع و«لا تترك بحال» هل يشمل الحائض؟ فهي لا يكون عليها الصلاة أصلاً حتّى تترك أو لا. فهنا من الممكن أن نقول إنّ المحمول لا إطلاق فيه لا الموضوع؛ لأنّ المرأة لا صلاة عليها أصلاً. فالصلاة الواقعة في الموضوع مطلقة ولكنّ المحمول مقيّد.
ويقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه في ما نحن فيه لأجل توضيح أنّه بناء على رأينا في تفسير الإطلاق من كونه بمعنى عدم لحاظ القيد لا يصحّ هذا الدليل فيقول: بالإمكان أن نلتزم بإطلاق الموضوع ومع ذلك لا ينافي القضية المسلّمة المفروغ عنها ونقول كلّ جزء مطلق تجاه باقي الأجزاء والركوع صحيح حتّى وإن لم يؤدّ السجود ومع ذلك نقول إنّ هذا لا ينافي تلك القضيّة المسلّمة.
وذلك لاستفادة القيد من المحمول في الواجبات الارتباطيّة فعندما نقول مثلاً إنّ كلّ جزء مطلق، سواء انضمّ إليه باقي الأجزاء أو لا، فهذا لو لا استفادة القيد من المحمول لكان حاله كحال مبنى السيد الخوئي من منافاته للقضيّة المسلّمة. ولكن نقول في القضايا أو الأحكام الارتباطيّة لا يوجد صلاحيّة المحلّ في المحمول فـ«واجبة» هي المحمول في «كلّ جزء واجبة» فإطلاق الموضوع يقتضي أن يقال إنّها واجبة سواء أتى بالباقي أو لا فيصير حاله حال مبنى السيّد الخوئي، ولكن نقول إنّ إطلاق الموضوع فلْيكن ونلتزم به إلّا أنّ المحمول وهو «واجبة سواء أتى بالباقي أو لا» لا قابليّة لها في الواجبات الارتباطيّة ولا محلّ لها.
فننفي الإطلاق لا لإنكاره في الموضوع كما أنكره صاحب هذا الدليل ولكن ننكره في المحمول وهذا يكفي لإبطال هذا الدليل، لأنّه يتمسّك بالإطلاق وكان يقول إذا نفينا الإطلاق ثبت التقييد ونحن نقول إنّه بالإمكان أن نقبل الإطلاق ومع ذلك لا يبتلى بمخالفة القضيّة المسلّمة المفروغ عنها، فلا يتمّ هذا الدليل على مبنانا.