الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

1- تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ

بدأنا ببحث تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ، وقلنا توجد ثلاث تصويرات له ولا زلنا في التصوير الأوّل وكان حاصله أنّ كلّ جزء من الأجزاء في الواجب الارتباطيّ مقيّد بباقي الأجزاء وهذا التقيّد يجعله ارتباطيّاً.

وما ورد عليه من أنّ هذا يؤّدي إلى الدور أجبنا عنه بأنّ التقيّد له معنيين يستلزم أحده المقدّميّة ولا يستلزمها المعنى الآخر، ولا بأس بهذا المعنى أن يكون من الطرفين ولا يستلزم الدور.

1.1- الدليل على تعلّق الوجوب بالأجزاء بالنحو المقيّد بباقي الأجزاء

ثمّ بدأ أستاذنا الشهيد ببيان الدليل على كون كلّ واحد من الأجزاء مقيّداً بالباقي (بالنحو الذي لا يوجب الدور) بعد كونه معقولاً وبحث عن الدليل عليه في الواجبات الارتباطيّة.

قلنا قد يمكن إقامة الدليل عليه بأحد أمرين، الأمر الأوّل مضى ذكره مع الإيراد عليه.

1.1.1- الأمر الثاني

والآن نأتي إلى الأمر الثاني فيقول لا شكّ في الواجبات الارتباطيّة في أنّه لو أدّى المكلّف بعض الأجزاء دون بعض فهذا الذي أدّاه لا يكون على نحو المطلوبيّة والاتّصاف بالوجوب. إذاً نطرح السؤال بأنّه هل أنّ كلّ جزء مقيّد بباقي الأجزاء أو مطلق تجاهه؟ فإن كان مقيّداً به ثبت المطلوب، وإن كان مطلقاً فالإطلاق يوجب الشموليّة وإذا أوجب الشموليّة فهذا يعني أنّه يشمل ما إذا أدّى باقي الأجزاء أو لم يؤدِّ، وهذا ينافي ما قلنا من أنّه إذا أدّى بعض الأجزاء ولم يؤدّ باقيها فلا يقع على نحو المطلوبيّة، فالإطلاق بالنحو الذي يوجب الشموليّة باطل فلا بدّ من الالتزام بالتقييد وهو المطلوب.

هذا هو الأمر الثاني لتصوير الاستدلال على تحقّق حصول التقيّد لكلّ جزء بإتيان باقي الأجزاء.

وفي استمرار هذا الأمر الثاني يقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إنّ هذا الدليل بهذا النحو يناسب رأي السيد الخوئي رحمه الله القائل بأنّ الإطلاق يوجب الشموليّة؛ لأنّه يرى أنّ الإطلاق لحاظ عدم القيد لا عدم لحاظ القيد، وإذا لاحظ عدم القيد فهو يكون بمعنى السراية إلى حالة «ما إذا أدّى باقي الأجزاء أو لا» فيتمّ الدليل على لابدّيّة كون الأجزاء مقيّدة.

أمّا بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الإطلاق أمر عدميّ (وهو عدم لحاظ القيد) فالإطلاق لا يؤدّي [بالضرورة] إلى السراية، وعليه فهذا الدليل مناسب لرأي السيّد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه.

والموضوع هنا وهو كلّ جزء محموله أنّه مقيّد بباقي الأجزاء وبهذا النحو يتمّ على ذوق السيّد الخوئيّ وينبّه هنا أستاذنا الشهيد على أنّه يتمّ ذلك على مبنى السيد الخوئيّ سواء تمسّكنا بإطلاق الموضوع أو بعدم قابليّة المحمول للإطلاق والشموليّة.

فالمحمول أنّه لو تمّت السراية لجرى في كلّ الأطراف وهذا يتمسّك بإطلاق الموضوع – كما في مبنى السيّد الخوئيّ – وتارة بعدم قابليّة المحمول للإطلاق فنقول هنا هذا الإطلاق لا يناسب هذا الموضوع.

يعنيّ أنّه بدل ما نقول إنّ هذا الجزء سواء أدّى باقي الأجزاء أو لا نقول إنّ هذا الجزء إذا أدّاه فالمحمول لا يصلح للإطلاق وهذا هدف السيّد الخوئيّ من أنّ الإطلاق إذاً حصل فهو باطل؛ لأنّه خلف ما ذكرنا من أنّ الواجب الارتباطيّ سواء لو أدّى البعض ولم يؤدّ البعض لا يتّصف بالوجوب والمطلوبيّة، وهذا الهدف [يتحقّق بدلاً] عن إبطال الإطلاق في الموضوع بأن نبطل المحمول وهو قابليّة المحمول للسراية إلى جميع الأجزاء. وهذا بيان آخر.

وهذا الدليل على كلا التقديرين غير صحيح ويناسب مبنى السيد الخوئيّ الذي يرى كون الإطلاق مورثاً للسراية بينما نحن قائلون بأنّ الإطلاق أمر عدميّ وهو لا يسري وإنّما يسري الأمر الوجوديّ، فلا يمكن إثبات كون كلّ الأجزاء مقيّداً بعضها بالبعض ومشروطاً بها بالنحو الذي لا يؤدّي إلى الدور.

فكلا دليلي هذا التصوير الأوّل لم يتمّا، فهذا التصور الأوّل وإن كان ممكناً وعالجنا مشكل الدور ولكن إثبات تحقّقه لا يتمّ.