46/05/01
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ
بدأنا الكلام حول إبراز عنصر التباين وبهذه المناسبة لابدّ لنا أن نوضّح حقيقة الواجب الارتباطيّ، الذي لعلّه كان ينبغي أن يطرحه أستاذنا الشهيد رحمه الله في بداية بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.
أمّا كيفيّة الارتباطيّة بين الأجزاء والأشياء المتعدّدة فهناك ثلاث تصويرات يمكن أن تذكر لها.
التصوير الأوّل أن يقال بأنّ معنى وحقيقة الارتباطيّة عبارة عن كون الجزء واجباً بحيث يشترط في وجوبه أن يكون مع الجزء الآخر، فكلّ جزء يعتبر شرطاً لأجزاء أخرى، و«كونه واجباً في نفسه» لا يكفي في الارتباطيّة؛ لأنّ الواجبات الاستقلاليّة أيضاً كذلك، فكلّ واحد منها واجب في نفسه مثل ما إذا كان قضاء للصوم بعدد معيّن من الأيّام فهذه واجبات مستقلّة ومع ذلك كلّ واحد من مفردات هذه الواجبات يكون واجباً في نفسه، فالشيء المهمّ الذي يمّيز الواجبات الارتباطيّة عن الاستقلاليّة كون كلّ جزء من تلك الأجزاء شرطاً للأجزاء الأخرى، مثل الركوع والسجود حيث إنّه لولا السجود لا يكون الركوع صحيحاً ولولا الركوع لا يكون السجود صحيحاً وهكذا باقي أجزاء الصلاة. فهذا هو الذي يجعل الأجزاء ارتباطيّة.
قد يقال إنّ هذا التصوير يؤدّي إلى الدور، حيث إنّ الشرط مقدّم رتبةً على المشروط، فإذا قلنا إنّ كلّ جزء من أجزاء الواجب الارتباطيّ يعتبر شرطاً للأجزاء الأخرى – مثل ما مثّلنا – فهذا يعني أنّ هذا مقدّم على ذاك وذاك على هذا، وهذا دور.
الجواب: الشرطيّة لها معنيان، على أحدها لا يمكن أن يكون من كلا الطرفين وإلا لأدّى إلى الدور، وهو أن يكون الشيء متوقّفاً على الشيء الآخر كنصب السلّم بالنسبة إلى الكون على السطح، حيث إنّ الكون على السطح يتوقّف على نصب السلّم.
المعنى الثاني غير المؤدّي إلى الدور: هو كون الشيء شرطاً في شيء آخر بمعنى التحصيص، فهذه حصّة وذاك حصّة. فالوجوب تعلّق بحصّة من الركوع وهو الركوع المجتمع مع السجود، وكذلك الوجوب تعلّق بحصّة من السجود وهو السجود المجتمع مع الركوع، فهذا مجرّد تحصيص لا التوقّف، فلم يتوقّف أحدهما على الآخر، والمتوقّف شيء والمتوقّف عليه شيء آخر، الركوع الذي وقع مصبّاً للوجوب مع هذه الصفة متوقّف على السجود، والسجود الذي يكون مصبّاً للوجوب متوقّف على السجود، فلم يتّحد المتوقّف مع المتوقّف عليه.
وما نحن فيه من هذا القبيل وليس من قبيل نصب السلّم. فلا دور.
ولكن يبقى عندنا تساؤل وهو أنّه ما هو الدليل على تعلّق الوجوب بحصّة مشروطة بوجود باقي الأجزاء؟
يقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إنّ الدليل عليه أحد أمرين.
أنّ الوجوب وجوب واحد في الأجزاء الارتباطيّة فيستدعي أن يكون متعلّقه أيضاً شيء واحد، فلا يمكن تعلّق الوجوب الواحد بالأشياء المتكثّرة بما هي متكثّرة. فالأجزاء المتكثّرة ما لم نحوّلها إلى شيء واحد لا يمكن أن يتعلّق به وجوب واحد. فلا بدّ من تحويلها إلى شيء واحد.
والنحو الذي ذكرنا لتصوير الواجب الارتباطيّ (بالنحو الذي لا يبتلى بالدور) هو الذي يحقّق هذه الوحدة التي نحتاجها؛ قضاءً لحقّ وحدة الوجوب.
ويورد أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه على هذا الدليل بأنّ هذه الأجزاء هي متكثّرة في الواقع إن شئنا أو أبينا، فمجرّد اشتراط بعضها في الآخر أو عدمه لا يجعلها واحدة، فهي متكثّرة سواء جعلت بعضها مشروطاً بالبعض أو لا. إذا جعلتها كذلك فهي أجزاء متكثّرة مشروطة بعضها ببعض لا غير متكثّرة ولا يخرجه هذا الشرط عن التكثّر. وإذا لم يجعل فيه هذا الشرك فهي أيضاً متكثّرة، فاشتراط بعضها بالبعض لا يحلّ مشكلة التكثّر في متعلّق الوجوب وإن كان أصل قاعدة عدم إمكان تعلّق الوجوب بالأشياء المتكثّرة نقبلها.
فالدليل الأوّل لم يتّم.