46/04/30
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء
كان يوجد لدينا وجهان لإثبات انحلال العلم الإجماليّ وذكرنا الوجه الأوّل مع الردّ عليه.
والوجه الثاني عبارة عن قياس الأقلّ والأكثر الارتباطيّين بالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، فكما فيما إذا تعلّق بذمّتنا عدد من الأيام للصوم وشككنا أنّه هل تسعة أيام أو عشرة فعندئذ نقول إنّ التسعة معلومة بالعلم التفصيلي واليوم الواحد المحتمل تجري فيه البراءة فالعلم الإجماليّ منحلّ فكذلك فيما نحن فيه، فيقيس صاحب هذا الوجه ما نحن فيه بالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين.
ولكن يمكن إنكار هذا الوجه بدعوى كون هذا العلم الإجماليّ بين المتباينين لا الأقلّ والأكثر ولا يمكنه قياسه بالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، فإنكاره يبتني على إثبات كون هذا العلم الإجماليّ بين المتباينين وإنكار كونه بين الأقلّ والأكثر، إذاً فللمنع عن انحلال هذا العلم الإجماليّ بهذا الوجه لا بدّ من إثبات التباين بين الطرفين.
وفي إثباته اتّجاهان:
الاتجّاه الأوّل: دعوى التبابين بين الحدّين، حدّ وجوب الأقلّ وحدّ وجوب الأكثر.
وهذا الاتّجاه بحثناه وقلنا إن قصد بالتباين بين الحدّين في الأقل والأكثر قبل طروّ الوجوب، فهذا يدخل في بحث دوران الأمر بين الجزئيّة والمانعيّة، يعني أّنّه إمّا تعلّق الوجوب بعد ذلك بهذا الجزء أو بغيره، يعني أنّ جزء العاشر إمّا جزء أو مانع. وهذا يؤدّي إلى خروج البحث عن محلّ الكلام.
وأمّا إذا قصد به الحدّ الحاصل بنفس الوجوب لا الحدّ الحاصل قبل طروّ الوجوب، فهذا قلنا بأنّه لا يفيدنا؛ لأنّ الحدّ لا يدخل في العهدة ولا امتثال له، وإنّما الذي يدخل في العهدة ذات الوجوب لا الوجوب المحدود بهذا الحدّ بحيث يمتثل حدّه أيضاً، فلا امتثال للحدّ وإنّما الامتثال لنفس الوجوب، فلا بدّ لنا أن نرى أنّ نفس هذا الوجوب بين المتباينين أو بين الأقلّ والأكثر ولا نلحظ الحدّ.
والاتّجاه الثاني: عبارة عن أنّ أحد طرفي العلم الإجماليّ هنا دائر بين المتباينين، وإذا كان أحد طرفيه دائراً بين المتباينين فالعلم الإجماليّ يكون أيضاً دائراً بين المتباينين، فيقول هنا صاحب هذا الاتّجاه: إنّ أحد طرفي هذا العلم الإجماليّ وهو الأقلّ (كوجوب تسعة أجزاء) مردّد بين المطلق والمقيّد، والمطلق والمقيّد متباينان، فيدور الأمر بين وجوب التعسة مطلقةً تجاه الجزء العاشر المحتمل وبين وجوبها مقيّدةً به.
وقد بحثنا في بحث الإطلاق والتقييد بأنّ الصحيح في النسبة بينهما هو التباين ونسبة الوجود والعدم، على خلافٍ مع السيّد الخوئيّ رحمه الله حيث يعتبر الإطلاق أمراً وجوديّاً والتقييد أيضاً وجوديّاً فالنسبة بينهما نسبة الضدّين، ولكن قلنا إنّ الإطلاق أمر عدميّ والتقييد وجوديّ، فالنسبة بينهما التباين.
فهذا العلم الإجماليّ علم إجماليّ بين المتباينين، وإذا كان كذلك يمنع عن البراءة.
ولأجل توضيح صحّة أو عدم صحّة هذا الاتّجاه لا بدّ من الدخول في تصوير حقيقة الواجب الارتباطيّ وفرقه بينه وبين الواجب الاستقلاليّ.