46/04/26
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء
قلنا بناءً على وجود علم إجمالي بالأقلّ أو الأكثر فهل يمكن القول بانحلاله؟ إذ قد يقال إنّه منحلّ بالعلم التفصيليّ بالأقلّ. فيكون الأقلّ واجباً بالعلم التفصيليّ، إمّا بالوجوب النفسيّ – وهو على فرض كون الوجوب قد تعلّق بالأقلّ – أو بالوجوب الغيريّ بطريقة سراية الوجوب إلى المقدّمة الداخليّة على فرض كون الوجوب متعلّقاً بالأكثر. فنعلم بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقلّ على كلا التقديرين، وهذا العلم التفصيليّ يوجب انحلال العلم الإجماليّ. لكنّ الأصحاب قاموا بصدد بيان عدم صحّة هذا العلم الإجماليّ.
ذكر أستاذنا الشهيد بياناً لإبطال هذا الانحلال مضى في الدرس الماضي من أنّه إذا قصد به انحلالاً حقيقيّاً يرد عليه عدم تعلّق العلم التفصيليّ بأحد طرفي العلم الإجماليّ بالضبط حتّى يوجب الانحلال الحقيقيّ.
وإن قصد به الانحلال الحكميّ فهو أيضاً باطل لما ذكرنا من أنّ الانحلال الحكميّ إنّما يحصل في ما إذا كان هناك منجّز آخر يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجماليّ، ولا يوجد هنا منجّز آخر هكذا ومضى توضيحه.
وإنّ للمحقّق العراقيّ بياناً آخر لإبطاله، حاصله أنّ هذا العلم الإجماليّ يكون في مرتبة سابقة على العلم التفصيليّ، وإذا كان كذلك فالعلم التفصيلي غير صالح لحلّ العلم الإجماليّ، فإنّ تأخّر رتبته يوجب عدم إمكان حلّه الأسبقَ منه رتبة.
يقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه هل يقصد المحقّق العراقيّ إبطال الانحلال الحقيقيّ أو الحكميّ؟
فإن قصد عدم صحّة الانحلال الحقيقيّ فلعلّه يقصده ببيان أنّه لا يمكن الانحلال الحقيقيّ من قبل شيء متأخّر رتبة – كالمعلول – لشيء سابق رتبة – كالعلّة – فانحلال العلم الإجماليّ هنا بسبب العلم التفصيليّ معناه أن يؤدّي العلم التفصيليّ هنا إلى إفناء نفسه؛ فإنّ هذا العلم التفصيليّ تولّد من العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر؛ لأنّه استنتج من أنّ الأقلّ واجب على كلا تقديري العلم الإجماليّ، إمّا بالوجوب النفسيّ وإمّا بالوجوب الغيريّ، فإنّه بمنزلة المعلول لهذا العلم الإجماليّ.
فعلى هذا إذا أوجب العلم التفصيليّ بوجوب الأقلّ انحلالاً حقيقيّاً للعلم الإجماليّ فهذا يعني أنّه يفني علّة نفسه، وإذا أفنى علّة نفسه فقد أفنى نفسه، وهذا يؤدّي إلى إفناء الشيء لنفسه وتوقّف الشيء على نفسه؛ لأنّه لأجل عدم فنائه لا بدّ أن يبقى حتّى لا يفني نفسه، يعني أنّه توقّف الشيء على نفسه وهو محال.
فإن كان يقصد هذا، يرد عليه ما ذكرناه سابقاً من أنّ هذا العلم التفصيليّ لم يتعلّق بأحد طرفي العلم الإجماليّ بدقّة حتّى يحلّه، فلا تصل النوبة إلى ما ذكر من استلزام توقّف الشيء على نفسه؛ لأنّ طرفي العلم الإجماليّ وجوب نفسيّ إمّا للأقلّ أو للأكثر، وهذا العلم التفصيليّ إمّا نفسيّ أو غيريّ، فلم نتأكّد من انطباق متعلّق العلم التفصيليّ على أحد طرفي العلم الإجماليّ.
إذاً فلا يصحّ أن يقصد المحقّق العراقيّ الانحلال الحقيقيّ.
وأمّا إن قصد عدم صحّة الانحلال الحكميّ بمعنى إبطال منجّزيّة العلم الإجماليّ، وقال لا يمكن انحلال العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ انحلالا حكميّاً فبَمِ يريد دعوى هذا الانحلال؟
فإن قصد بنفس البيان الذي ذكرناه في دعوى إبطال الانحلال الحقيقيّ (بأنّ هذا يؤدّي إلى توقّف الشيء على نفسه وهذا يعني إفناء علّته فإفناء نفسه) فهذا يرد عليه بأنّه لا يدّعى في الانحلال الحكميّ إفناء العلم الإجماليّ الذي هو العلّة للعلم التفصيليّ، وإنّما يدّعى وجود منجّز آخر لأحد طرفي العلم الإجماليّ، فليس الكلام في الانحلال الحقيقيّ حتّى يقال لا يمكن أن يفني علّته؛ لأنّ العلّة هو العلم الإجماليّ نفسه لا منجّزية.
وإن قصد إبطاله ببيان أنّ الانحلال الحكميّ بحاجة إلى تعلّق منجّز آخر بأحد طرفي العلم الإجماليّ (والحال) أنّه لا يوجد منجّز آخر هنا؛ لأنّ هذه المنجّزيّة التي هي إمّا نفسيّة وإمّا غيريّة في المقدمة الداخلية فهذه نفس منجّزيّة ذاك العلم الإجماليّ لا منجّز آخر، فإن كان هكذا فورد عليه أنّ هذه المنجّزية جاءت من أين؟ حتّى وإن جاءت بنفس العلم الإجماليّ فاقترنت هذه المنجزية بمنجزيّة العلم الإجماليّ فلا بدّ له أن يحلّ هذا العلم الإجماليّ. ليس من الضروري لانحلال العلم الإجماليّ أن تأتي المنجّزية الجديدة من مجال آخر حتّى وإن كان بسبب نفس العلم الإجماليّ فهذا العلم الإجماليّ ولّد العلم التفصيلي بأنّ هذا الأقلّ واجب إمّا نفسيّاً أو غيريّاً فهذا أيضا يكفي للانحلال فلا يمكن إبطال هذا الانحلال ببيان أنّ هذه المنجّزيّة ناشئة من منجّزيّة نفس العلم الإجماليّ، فالمهمّ أنّ هذه منجّزيّة حصل للأقلّ فالصحيح في إبطال الانحلال ما شرحناه في الدروس الماضية من أنّه لا يمكن دعوى الانحلال الحقيقيّ ولا دعوى الانحلال الحكميّ وكلّ منهما وضّحناه سببه.