الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزا�

قلنا يمكن تصوير وجود بعض الموانع عن جريان البرا�ة عن الجز� الزائد في بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

1- المانع الأوّل: وجود علم �جماليّ موجب للاحتياط

وتعرفون أنّ العلم ال�جماليّ لا بدّ وأن يكون بين المتباينين حتّى يوجب الاحتياط. وهل يوجد التباين في ما نحن فيه بين وجوب تسعة أجزا� ووجوب عشرة أجزا� حتّى يكون العلم ال�جماليّ موجباً للاحتياط؟

يوجد اتّجاه من يدّعي التباين بين وجوبيهما، فتسعة أجزا� شي� وعشرة أجزا� شي� آخر. فيوجب العلم ال�جماليّ الاحتياط ولا تجري البرا�ة.

1.1- ال�يراد على هذا المانع

ولكن قد يورد عليه بأنّ هذا العلم ال�جماليّ منحلّ لعلم تفصيليّ يوجب انحلاله، وبالتالي تجري البرا�ة؛ لأنّنا نعلم بالعلم التفصيليّ بأحد طرفي هذا العلم ال�جماليّ، والعلم التفصيليّ بأحد أطراف العلم ال�جمالي يوجب انحلال العلم ال�جماليّ.

فهنا يوجد لدينا علم تفصيليّ بوجوب تسعة أجزا�، وذلك لأنّها واجبة على كلّ تقدير، غاية الأمر أنّا لا نعرف هل أنّ وجوبها نفسيّ [على فرض تعلّق الوجوب بالأقلّ] أو غيريّ على نحو المقدّمة الداخليّة على قول من يرى كلّ جز� مقدّمة داخليّة [على فرض تعلّق الوجوب بالأكثر]؟ وهذا الكلام يبتني على مبان باطلة عندنا (يبحث في بحث مقدّمة الواجب) من أنّ وجوب المقدّمة هل يشمل المقدّمة الداخليّة أو يختصّ بالخارجيّة مثل نصب السلّم؟

1.2- الجواب عن ال�يراد

لكن يوجد �شكال على دعوى الانحلال، سوا� ادّعي الانحلال الحقيقيّ أو الحكميّ.

أمّا دعوى الانحلال الحقيقيّ ف�نّما يحصل في ما �ذا تعلّق علم تفصيليّ بأحد طرفي العلم ال�جماليّ بالضبط مثله، أمّا �ذا كانت هناك بعض الخصائص لطرفي العلم ال�جماليّ ونحن لا نعرف في علمنا التفصيليّ به أنّ تلك الخصوصيّة موجودة أو لا فلا يحصل الانحلال الحقيقيّ.

مثل العلم ال�جماليّ بنجاسة أحد ال�نا�ين، فهذا العلم ال�جماليّ لو كان يشتمل على خصوصيّة ما في كلا الطرفين (سوا� كان هذا ال�نا� نجساً أو ذاك) كخصوصيّة أنّ النجاسة الطارئة على أحد الطرفين بقطرة دم وقعت في أحدهما، والعلم التفصيلي الذي حصل لنا بنجاسة ال�نا� على اليمين بالتعيين لم نعرف فيه أنّ هذه النجاسة بقطرة دم أو بقطرة بول أو أيّ سبب، فلا يحصل حينئذ الانحلال الحقيقيّ.

وما نحن فيه من هذا القبيل، فعندنا علم �جماليّ بأنّ الوجوب �مّا تعلّق بتسعة أجزا� نفسيّاً أو بعشرة أجزا� نفسيّاً، ولا نعلم أنّ الوجوب المعلوم بالتفصيل في التسعة نفسيّ أو غيريّ، فعلمنا ال�جماليّ تعلّق بأحد الوجوبين النفسيّين، فهذه الخصوصيّة داخلة في علمنا ال�جماليّ، ولكنّها غير معلومة في العلم التفصيليّ. فلا نعلم أنّ المعلوم بالعلم التفصيليّ ينطبق على أحد طرفي المعلوم بالعلم ال�جماليّ أو لا، فلا يحصل الانحلال الحقيقيّ.

وأمّا الانحلال الحكميّ فلا يحصل أيضاً.

وتعرفون الفرق بينه وبين الانحلال الحقيقيّ، فالحقيقيّ هو ما �ذا لم يبق في النفس علم �جماليّ أبداً؛ لأنّ أحد طرفيه معلوم عندنا بتمام خصوصيّاته فلا يبقى عندنا علم �جماليّ بل يبقى علم تفصيليّ وشكّ بدويّ.

والحكميّ هو ما �ذا تعلّق منجّز بأحد طرفي العلم ال�جماليّ، فالطرف الآخر تجري فيه البرا�ة بدون معارض. ومثاله ما �ذا علمنا �جمالاً بنجاسة أحد ال�نا�ين وقامت البينة أو خبر الثقة – بنا� على حجّيّته في الموضوعات – على نجاسة أحدهما معيّناً فيقال �نّ العلم ال�جماليّ لا ينجّز، رغم أنّه موجود حقيقةً (لعدم تحقّق الانحلال الحقيقيّ) ويبقى المجال مفسوحاً ل�جرا� البرا�ة.

والانحلال الحكمي يكون بأحد المبنيين في بيان تحقّقه بمجي� منجّز آخر في أحد طرفيه، فأحد المبنيين يقول: عند وجود منجّز في أحد الطرفين، تبقى البرا�ة في الطرف الآخر بدون المعارض. والمبنى الآخر ما بنى عليه المحقّق العراقيّ من أنّ الشي� لا يتنجّز بمنجّزين، فهذا الطرف منجّز بطبعه ببيّنة، سوا� وجد العلم ال�جماليّ أو لا، فالطرف الآخر لا ينجّز بالعلم ال�جماليّ بعد، ويسقط العلم ال�جماليّ عن تنجيزه.

فعلى هذا المبنى يقال أيضاً في ما نحن فيه: �نّ أحد طرفي العلم ال�جماليّ في ما نحن فيه له وجوب بطبعه وهو وجوب الأقلّ وهذا الوجوب منجّز، فمن يدّعي الانحلال الحكميّ هكذا يقول؛ لأنّ وجوب التسعة مسلّم فهو منجّز سوا� وجد العلم ال�جماليّ أو لا، وهذا يعني أنّ التنجيز موجود في هذا الطرف ويسقط العلم ال�جماليّ عن التنجيز.

ولكن يجاب عليه بأنّه لو قصد الانحلال الحكميّ فهو باطل أيضاً.

وبيانه: أنّ الانحلال الحكميّ يستدعي وجود منجّز لأحد طرفي العلم ال�جماليّ، والوجوب الموجود بالعلم التفصيليّ هنا لتسعة أجزا� ليس منجّزاً مسلّماً؛ لأنّه �ن كان نفسيّاً فهو منجّز و�ن كان غيريّاً ف�نّه غير منجّز؛ مثل وجوب نصب السلّم لأجل الصعود على السطح فالوجوب تعلّق بالكون على السطح فيجب عليه عقلاً نصب السلّم، فهو مقدّمة والوجوب يسري �ليه من ذي المقدّمة لكن هذا الوجوب الذي يسري �لى المقدّمة ليس له التنجيز المستقلّ ولا يتنجّز عليه حكمان ولا يعاقب بعقابين عقابٍ لعدم نصب السلم وعقابٍ لأجل عدم الكون على السطح، و�نّما يعاقب بعقاب واحد لذي المقدّمة، وهذا يعني أنّه لا توجد منجّزيّة للوجوب المقدّميّ الغيريّ. وهنا لا ندري في ما نحن فيه أنّ الوجوب الذي نعلم به بالعلم التفصيليّ للتسعة هل نفسيّ أو غيريّ؟ وهذا يعني أنّا لا نتأكّد من وجود منجّز لهذا الطرف من طرفي العلم ال�جماليّ (أي تسعة أجزا�).

فالانحلال الحكميّ أيضاً لا يحصل على كلا المبنيين.

فهذا العلم ال�جماليّ الذي ادّعي في المقام للمنع عن جريان البرا�ة لا ينحلّ بأيّ نحو من الانحلال.