الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزا�

قلنا �نّ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر يكون تارة في الأجزا� وتارة في الشرائط وثالثة على شكل التعيين والتخيير، والآن نبدأ بالأوّل.

1- دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزا�

توجد هناك ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: عدم جريان البرا�ة مطلقاً لا البرا�ة العقليّة ولا الشرعيّة، وهذا هو رأي الشيخ الأنصاري رحمه الله في الرسائل[1] .

القول الثاني: عدم جريانها مطلقاً أيضاً. وهذا رأي المحقق الخراسانيّ في تعليقته على الكفاية[2] .

القول الثالث: جريان البرا�ة الشرعيّة دون العقليّة، وهو رأي المحقّق الخراسانيّ في الكفاية[3] .

يحاول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه أن يطرح الموانع التي يدّعى وجودها عن جريان البرا�ة عن الجز� الزائد. وأوّل مانع يدّعى وجودها هو العلم ال�جماليّ بين المتباينين؛ لأنّ العلم ال�جماليّ لا بدّ أن يكون بين المتباينين حتّى يمنع عن جريان البرا�ة. فيدّعى وجودها رغم أنّ ظاهر الدوران هو دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر لا المتباينين، ف�نّه قد يدّعى أنّ مرجعه �لى المتباينين.

1.1- المانع الأوّل عن جريان البرا�ة في الجز� الزائد: التباين بين الأقلّ والأكثر

بيان ذلك أنّ الكلام هنا في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين لا الاستقلاليّين، وكون الأقلّ والأكثر بين الارتباطيّين يعني أنّه �مّا واجب بهذا الوجوب الواحد الذي تعلّق بالأقلّ وهو واجب واحد، أو واجب بذلك الواجب الواحد الذي تعلّق بالأكثر وهو أيضاً واجب واحد، و�ذا كان الواجب واحداً �مّا بهذا النحو أو ذاك النحو فهذا يستلزم كون العلم ال�جماليّ بين المتباينين، [ف�نّ الوحدة تستلزم التباين]، ف�نّه �ذا كان الواجب في الحقيقة بين الأقلّ والأكثر من دون �رجاعه �لى المتباينين فلا يمكن أن يكون الواجب واحداً، بل يكون الأقلّ واجب والجز� الزائد واجب �ضافيّ. ف�ذا أردنا الحفاظ على وحدانيّة الواجب لا بدّ لنا أن نقول بأنّهما متباينان.

هذا بيان ساذج وأوّليّ ل�رجاع الأقلّ والأكثر �لى المتباينين، وسيأتي من خلال الأبحاث القادمة التعميق والتوضيح الأكثر لذلك.

1.1.1- المناقشة في المانع الأوّل

لكن قد يناقش في المانع الأوّل بأنّ هذا العلم ال�جماليّ منحلّ بعلم تفصيليّ بأحد طرفيه فلا أثر له فيرتفع المانع، [والعلم التفصيليّ الموجب للانحلال هو العلم التفصيليّ بوجود التكليف في الأقلّ (�مّا بوجوب نفسيّ في فرض كون الأقلّ هو الواجب، و�مّا بوجوب غيريّ في فرض كون الأكثر هو الواجب) الذي هو أحد أطراف العلم ال�جماليّ، فهذا العلم التفصيلي يوجب انحلال العلم ال�جماليّ].

1.1.1.1- الرد على المناقشة

لكنّ الانحلال تارةً يكون حقيقيّاً وأخرى حكميّاً، والحقيقيّ منه أن لا يبقى علم �جماليّ حقيقة بين الطرفين المتباينين، والحكميّ يقصد به أنّه لو تنجّز أحد طرفي العلم ال�جماليّ بمنجّز فيكون بحكم الانحلال رغم بقائه حقيقةً، مثلاً �ذا أخبر مخبر – بنا� على كون خبر الثقة حجّة – بأنّ النجاسة وقعت على ال�نا� الذي باليمين فأصبح الحكم بحرمة الشرب منجّزاً بمنجّز آخر غير العلم ال�جماليّ فيكون العلم ال�جماليّ منحلّاً بالانحلال الحكمي، وهذا [الانحلال الحكميّ] يكون على مبنى المحقّق العراقيّ، وهو يرى عدم �مكان طروّ التنجيز مرّتين على شي�، ولا يمكن تنجيز المنجّز، [فالعلم ال�جماليّ هنا لا يمكنه أن ينجّز الحكم المنجّز سابقاً].

فهل المقصود من الانحلال في ما نحن فيه هو الانحلال الحقيقيّ أو الانحلال الحكمي؟

ف�نّه �ذا كان المقصود الانحلال الحقيقيّ، فيمكن رفضه بأنّ الانحلال الحقيقيّ لا بدّ وأن يكون لطروّ العلم التفصيلي على أحد طرفيه بدقّة، وهنا و�ن كان العلم التفصيليّ قد طرأ على المقدار الأقلّ على نحو الوجوب النفسي (على فرض تعلّق الوجوب بالأقلّ) أو على نحو الوجوب الغيريّ – أي الوجوب المقدّمي الداخليّ؛ ف�نّ الجز� مقدّمة للكلّ ولكنّه مقدّمة داخليّة، بخلاف قطع المسافة للذهاب �لى الحجّ الذي هو مقدّمة خارجيّة لأدا� الحجّ – (على فرض تعلّق الوجوب بالأكثر)، لكنّه لا يمكنه أن يسبّب الانحلال الحكميّ؛ لأنّ ما تعلّق به العلم التفصيليّ ليس بالدقّة أحدَ طرفي العلم ال�جماليّ، ف�نّ وجوب الأقلّ الذي يكون أحد طرفي العلم ال�جماليّ نفسيٌّ، والعلم التفصيليّ الموجود في المقام مردّد بين النفسيّ والغيريّ. فلا يوجد علم تفصيليّ بالدقّة بأحد طرفي العلم ال�جماليّ.

فلو قطعنا النظر عن المباني الفاسدة لهذا الرأي [أي الرأي القائل بالوجوب الغيري للأجزا�] – لأنّه يقيس المقدّمة الداخليّة بالخارجيّة ويبتني على أنّ المقدّمة الداخليّة كالمقدّمة الخارجيّة تشتمل على الوجوب الغيري – فمع ذلك نقول �نّ هذا العلم التفصيليّ لم يحقّق الانحلال الحقيقيّ؛ لأنّه لا بدّ فيه أن يتعلّق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم ال�جماليّ بالدقّة، وهنا ليس كذلك. فالانحلال الحقيقيّ غير تام.


[1] فرائد الأصول: 2 / 317.
[2] كفاية الأصول: 3 / 124، الهامش 1.
[3] كفاية الأصول: 3 / 124.