الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين المحذورين / المقام الثالث: تكرّر الواقعة في التوصّليّين

1- الأمر الثاني: الوظيفة عند عدم التمكّن من الموافقة القطعيّة لكلا العلمين الإجماليّين

قلنا إنّه توجدُ نظريّتانِ في البحثِ حولَ ماذا نعملُ عندما لا يمكنُ العملُ بالعلمين الإجماليّين معًا لأنَّهما متعاكسانِ، وهما:

العلمُ الإجماليّ بأنَّه إمّا يجبُ هذا الفعلُ في يومِ الخميس أو يحرُم في يومِ الجمعة، والعلمُ الإجمالي بأنّه إمّا يحرُم في يومِ الخميس أو يجب في يومِ الجمعة.

إذًا، وإنْ كانَ كلّ واحد منهما وحدَه صالحاً للتنجيز، ولكنْ لا يمكنُ العملُ بهما معاً لأنَّهما متعاكسان. وهنا توجدُ نظريّتان:

النظريّةُ الأولى: أنّنا لا نفتحُ بحثَ الأهمّ والمهمّ، أيّهما أهمّ وأيّهما أقلّ أهميّة، ونعملُ في كلٍّ منهما بالامتثالِ الاحتمالي، ونتنازلُ من الامتثالِ القطعي إلى الامتثالِ الاحتمالي. فنفعلُ في كلا اليومين أو نتركُ في كلا اليومين، وهذا يؤدّي إلى الامتثالِ الاحتمالي. هذه هي النظريّةُ الأولى.

النظريّةُ الثانية: لا، إنّنا يجبُ أن نعملَ بأحدِ هذينِ العلمينِ ونتركَ العملَ بالآخرِ بملاك الأهمّيّة. هذه هي النظريّةُ الثانية.

1.1- النظريّة الأولى:

نحن لا زلنا في بحثِ النظريّةِ الأولى، وقلنا إنَّه يوجد تقريبان لتصحيحِ النظريّة.

1.1.1- التقرير الأوّل في النظريّة الأولى:

كانَ التقريبُ الأوّلُ لتصحيحِ النظريّةِ الأولى هو أنَّ النظريّةَ الأولى، وهي القائلة بأنّنا لا نلحظُ الأهميّةَ وإنّما نلحظُ الامتثالَ الاحتمالي لكليهما، لأنَّ النظريّةَ الثانية تطبّقُ موازينَ الأهمِّ والمهمّ، وهنا موازينُ الأهمِّ والمهمِّ لا محلَّ لها ولا يحقُّ لنا أن نطبّقَ موازينَ الأهمِّ والمهمِّ، لماذا؟

لأنَّنا إذا حملنا بالنظريّةِ الثانيةِ (وهو أنْ نعملَ بأحدِ هذينِ العلمينِ لكَوْنه أهمَّ، ونتركَ العملَ بالعلمِ الإجمالي الآخر) هذا يستلزم عدم مراعاة ما يقتضيه التزاحمُ بين المقتضى التعليقيّ (وجوب الموافقة القطعيّة) وبينَ المقتضى التنجيزيّ (حرمة المخالفة القطعيّة).

فإنّ أحد مقتضيات العلمِ الإجمالي تنجيزيّ وليسَ تعليقيّاً، وهو حرمة المخالفة القطعيّة بأنْ يخالفَ كلا طرفَيِ العلمِ الإجماليّ.

بينما تنجيزُ العلمِ الإجمالي في وجوبِ الموافقةِ القطعيّةِ تعليقيّ.

هنا في الحقيقة إذا عملنا بواحد من العلمين الإجماليّين وتركنا الآخر، فهذا يعني خالفنا مخالفة قطعيّة في ذلك العلم الإجماليّ الآخر، وهذا غير صحيح.

فكيفَ يحقُّ لأصحابِ النظريّةِ الثانيةِ أنْ يُقدّموا أحدَ هذين العلمين على الآخرِ بملاكِ الأهميّة، رغمَ أنَّ تأثيرَ العلمِ الإجمالي في وجوبِ الموافقةِ القطعيّة تعليقيّ، وتأثيرَ العلمِ الإجمالي في حرمةِ المخالفةِ القطعيّةِ تنجيزيّ؟

كانَ هذا هو التقريرُ الأوّلُ لتصحيحِ النظريّة.

وترد على هذا التقريرِ بعضُ الإيرادات:

الإيرادُ الأول يدور حول دعوى التعليقيّةِ لتأثيرِ العلمِ الإجمالي في وجوبِ الموافقةِ القطعيّة.

والإيرادُ الثاني يدور حول دعوى التنجيزيّة لتأثيرِ العلمِ الإجمالي في حرمةِ المخالفةِ القطعيّة، حيث يدّعي صاحبُ التقريرِ الأول أنَّ تأثيرَ العلمِ الإجمالي في حرمةِ المخالفةِ القطعيّةِ منجَزٌ، وليسَ معلقًا على شيءٍ آخر.

1.1.1.1- الإيراد الأوّل على هذا التقرير:

في الإيرادِ الأول، يقولُ أستاذنا الشهيدُ رحمه الله بأنّه إذا كانَ التعليقُ صحيحاً وكانَ المعلَّقُ عليهِ حاصلاً، فإنَّ التأثيرَ التعليقيّ يتحوّلُ إلى التنجيزيّ ببركةِ كونِ المعلّق عليه (وهو عدمُ وجودِ الترخيص) حاصلاً. وبالتالي، لا يدورُ الأمرُ بينَ تأثيرينِ، أحدُهما تعليقيٌّ والآخرُ تنجيزيّ، بل بينَ تأثيرينِ تنجيزيّين، فلا بدَّ من أنْ نعودَ إلى الأهميّة كما يقولُ صاحبُ النظريّةِ الثانية.

1.1.1.2- الإيراد الثاني على هذا التقرير:

وأمّا الإيرادُ الثاني يقولُ استاذنا الشهيد بأنّ تأثيرَ العلمِ الإجمالي في حرمةِ المخالفةِ القطعيّةِ تنجيزيٌّ فقط عندما لا يفقدُ المولى حقَّ طاعتِه، أمّا إذا كانَ هناكَ تزاحمٌ بينَ حكمينِ وكانَ أحدُهما أهمّ من الآخر، فإنَّ المولى يفقدُ حقَّ الطاعةِ في الحكمِ الأقلِّ أهميّة. وعندما يدورُ الأمرُ بينَ العملِ بتأثيرِ العلمِ الإجمالي في وجوبِ الموافقةِ القطعيّةِ أو العملِ بتأثيرِ العلمِ الإجمالي في حرمةِ المخالفةِ القطعيّة، فالأهميّةُ هي التي تُحدِّدُ حقَّ الطاعةِ للمولى.

إذن هاذان إيرادان أوردهما أستاذنا الشهيد على التقرير الأوّل من هذه النظريّة.