الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين المحذورين / المقام الثالث: تكرّر الواقعة في التوصّليّين

1- المقام الثالث: تكرّر الواقعة في التوصّليّين

كان الكلام حول العلم الإجماليّ بوجوب أو حرمة فعل واحد، وهذا ما يسمى بدوران الأمر بين المحذورين. قلنا بأن هذا العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمة غير صالح للتنجيز، لأنّه بين الفعل والترك ولا يمكن فيه الموافقة القطعيّة ولا المخالفة القطعيّة؛ فلا يمكن الجمع بين الفعل والترك لأنه غير ممكن.

أمّا عنوان هذا المقام من المقامات الثلاثة التي عقدها أستاذنا الشهيد هو: تكرّر الواقعة في التوصليّات. وقلنا فيه بأنّه صحيح أنّ العلم الإجماليّ بالوجوب أو الحرمة غير صالح للتنجيز، ولكن يمكن صياغة علم إجماليّ صالح للتنجيز.

هذه الصياغة التي يمكن أن نصيغ العلم الإجماليّ بها تكون صالحة للتنجيز، وذلك بأن نستفيد من تكرّر تلك الواقعة. فنقول بأنّ هذا الفعل إمّا يجب فعله في يوم الخميس أو يحرم فعله في يوم الجمعة. فما دام هذا الفعل يتكرّر، لا بدّ من فعله في كلا اليومين أو تركه في كلا اليومين.

إذًا، إذا كان الفعل واجباً ففي يوم الخميس يجب فعله، وإذا كان الفعل حراماً فيحرم فعله في يوم الجمعة، فقد استفدنا من تكرار هذه الواقعة. وبهذه الصياغة نعلم إجمالاً بأنّ إمّا يجب فعله في يوم الخميس أو يحرم فعله في يوم الجمعة. وقلنا بأنّ هذه الصياغة تحصل على علم إجماليّ صالح للتنجيز.

1.1- بيان المحقّق الأصفهاني رحمه الله في عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ الجديد

لكنّ المحقّق الأصفهانيّ (رضوان الله تعالى عليه) كما ذكرنا سابقاً قال بأنّ حتّى هذه الصياغة الجديدة غير صالحة للتنجيز. فإنّه إذا كان العلم الإجماليّ متولّداً من علم إجماليّ غير صالح للتنجيز، فهل يصبح هذا العلم الإجمالي المتولّد غير صالح للتنجيز أيضاً؟ هذا ما سيأتي في الإيراد الثاني لأستاذنا الشهيد، ونحن الآن في الإيراد الأوّل لأستاذنا الشهيد على كلام المحقّق الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه).

المحقّق الأصفهانيّ يرى بأنّ العلم الإجماليّ إذا كان متولّداً من علم إجماليّ غير صالح للتنجيز، فإنّ هذا العلم الإجماليّ أيضاً يصبح غير صالح للتنجيز. وعلى هذا الأساس قال المحقق الأصفهانيّ إنّ هذا العلم الإجمالي علم انتزاعيّ صوريّ وغير صالح للتنجيز.

1.1.1- الإيراد الأوّل على بيان المحقّق الأصفهانيّ رحمه الله

أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) في إيراده الأوّل يقول بأنّ المحقّق الأصفهاني افترض هذا العلم الإجمالي في طول علم إجماليّ غير صالح للتنجيز، ولهذا أدّى إلى ما قاله من أنّه ما دام هذا في طول ذاك فهو غير صالح للتنجيز.

لكن أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) يقول بأنّه يمكن أن نفترض أنّ هذا العلم الإجمالي ليس في طول ذاك العلم الذي غير صالح للتنجيز، فنحن صرنا بصدد توضيح الطوليّة والعرضيّة.

الطولية التي تورّط فيها المحقّق الأصفهانيّ (رضوان الله تعالى عليه) هي كون العلم الإجماليّ متولّداً من علم إجماليّ غير صالح للتنجيز. هذا العلم الإجماليّ الجديد، بصيغته التي تقول إنّه يجب فعله في يوم الخميس أو يحرم فعله في يوم الجمعة، قد تولّد من العلم الإجمالي السابق الذي كان غير الصالح للتنجيز، وبما أنّ هذا العلم في طول ذلك العلم، فإنّه يصبح غير صالح للتنجيز.

أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) يقترح فرضيّة عرضيّة العلم الإجماليّ الجديد بدلاً من طوليّته، ففي هذه الفرضية، العلم الإجماليّ ليس في طول العلم غير الصالح للتنجيز بل إلى جانبه في عرض واحد. فنقول إنّنا نعلم إجمالاً بتعلّق النذر بالفعل في كلّ من اليومين، فنفترض تعلق النذر بالفعل في اليومين أو بالترك في اليومين معاً.

هذه الفرضيّة تستبطن علمين إجماليّين: علم إجماليّ غير صالح للتنجيز وعلم إجماليّ صالح للتنجيز. إذًا، إذا افترضنا تعلّق النذر بالفعل في كلّ من اليومين أو بالترك في كلّ من اليومين، فإنّ هذا يستبطن العلم الإجماليّ غير صالح للتنجيز، وهو العلم الإجماليّ بالفعل في كلّ من اليومين أو الترك في كلّ من اليومين.

وأيضاً يستبطن علماً إجماليّاً صالح للتنجيز، وهو العلم الإجمالي بأنّه إمّا يجب فعله في يوم الخميس أو يحرم فعله في يوم الجمعة.

هذا ما يعبّر عنه أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) بتعبير العرضيّة، وهو توضيح الطوليّة التي تورّط فيها المحقّق الأصفهانيّ والعرضيّة التي اقترحها أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه).

وبهذا يكتمل الإيراد الأوّل من الإيرادات التي أوردها أستاذنا الشهيد على المحقّق الأصفهانيّ.

1.1.2- الإيراد الثاني على بيان المحقّق الأصفهاني رحمه الله

وأما الإيراد الثاني، فأنا لم أتعمّق فيه، ولكنّ الظاهر أنّ الإيراد الثاني يرتبط بما يعتقده المحقّق الأصفهاني بأنّه إذا كان العلم الإجماليّ مبنياً في طول علم إجماليّ غير صالح للتنجيز، على أيّ أساس يتم ذلك، وما هو الدليل على أنّ هذا العلم الإجمالي، إذا كان تابعاً لعلم إجماليّ غير صالح للتنجيز، فإنه أيضاً يصبح غير قابل للتنجيز؟