الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: إطلالة على عقيدة بعض الفرق التي نسبت إلى التشيّع.

    1. الفطحيّة أو الافطحيّة.

    2. الخطابيّة.

    3. المغيريّة.

الفطحيّة:

أو الافطحيّة نسبة إلى عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق (ع) الأفطح.

قال الكشي بعد ترجمة عمار بن موسى الساباطي ( 130 ) : " الفطحية: هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد ( عليه السلام )، وسموا بذلك لأنه قيل إنه كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعضهم: إنهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له: " عبد الله بن فطيح " والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها، مالوا إلى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم ( عليهم السلام ) أنهم قالوا: الإمامة في الأكبر من ولد الامام إذا مضى. ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب، ولِما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن تظهر من الامام. ثم إن عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما، فرجع الباقون إلا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام )، ورجعوا إلى الخبر الذي روي أن الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام )، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته، وبعد أن مات قالوا بإمامة أبي الحسن موسى ( عليه السلام ). وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لموسى يا بني: ان أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي، فلا تنازعه بكلمة فإنه أول أهلي لحوقا بي ". [1]

وقد يقال: لماذا لا نحمل كون الفطحيّة حركة أمنيّة للحفاظ على نفس الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، كما احتملنا ذلك في الواقفة، خصوصا مع ميل جلّ الفقهاء كما عبّر الكشي: "قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها" من تلاميذ الباقر (ع) إلى ذلك؟

قد يكون الفقيه ثقة ولا يكذب لكنّه بسيط، ونحن لا نحتاج في الخبر أكثر من عدم الكذب، اما ان يكون ثاقب البصيرة في الاقتصاد والسياسة فليست شرطا لحجية الخبر، قد يكون اعلائيا من جهة الوثاقة وقداسة نفسه، لكن ليس لديه بعد نظر في الأمور.

فإنه يقال: فرق بين الفطحيّة والواقفة، ففي الواقفيّة إشارات مهمّة إلى كون الوقف حركة أمنيّة كما بيّنا، وفي الفطحيّة لا توجد أية إشارة.

كذلك فإن الفطحيّة انتهت بسرعة، خلال أسابيع قليلة، وهذه المدّة لا تؤدي غالبا إلى تغيّر أمور السياسة العامة للدولة.

نعم الائمّة (ع) كانوا يعيشون حالة طوارئ امنية، او ان الائمة اجملوا البيان لعامة الناس، لكن بيّنوا عند النخب والخواص حفاظا على نفس الأمام اللاحق حتى لا يقتل، مثلا: قالوا ان الإمامة في الأكبر من ولد الإمام السابق، فتكون العين عليه وليس على الامام الحقيقي.

والفقهاء في ذلك الزمن هم فقهاء بمعنى محدثين، والحديث يحتاج إلى وثاقة ولا يحتاج إلى فهم في الأمور العامّة ولا لبعد نظر.

الخطابيّة:

نسبة إلى ابي الخطاب محمد بن مقلاص أبا زينب الأسدي الكوفي الأجدع. الذي كان من أصحاب الامام الباقر (ع) ومن ابوابه الأجلاء، فقيه محدّث.

الخطابية يقولون ان الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) إله، وانه أرسل أبا الخطاب رسولا للناس، فقتله عيسى بن موسى صاحب المنصور على الكوفة بعد ان حاصره واتباعه في المسجد.

وتذكر التواريخ ان أبا الخطاب كان يقول لاتباعه انه لن يقتل منكم احد ولا تخترقكم السهام ولا السيوف، فلما كثر القتل فيهم قالوا ما هذا؟ فقال: " لعلى الله بدا له فيكم ".

أورد الكشي روايات كثيرة في ذمّه. نذكر منها:

ما رواه الكشي عن عيسى بن ابي منصور (ثقة):

السند: حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدثنا الحسين بن موسى (مشترك، مجهول)، عن إبراهيم بن عبد الحميد (ثقة)، عن عيسى بن أبي منصور، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وذكر أبا الخطاب، فقال: اللهم العن أبا الخطاب، فإنه خوفني قائما وقاعدا، وعلى فراشي، اللهم أذقه حر الحديد [2] .

وقد روى الكشي عن نصر بن الصباح وقفه، لكن نصر بن الصباح لم تثبت وثاقته، وروايات الكشي كثيرا عنه تجعل في النفس شيء، فثبوت وقفه غير تام.

وإبراهيم بن عبد الحميد ثقة له أصل يرويه ابن ابي عمير وصفوان، بعضهم يقول ان أصحاب الأصول كلهم ثقات، ونحن لم نقل بذلك ونقول انه نوع من تأييد الوثاقة، ولما ثبتنا قاعدة ان ابن ابي عمير وصفوان لا يرون إلا عن ثقة صار عندنا دليل على وثاقته.

ونقول: ان العقيدة ليس لها اثر في الاخذ بالخبر او عدم الاخذ به، فان كان الراوي ثقة يؤخذ بالخبر سواء كان عدلا فاسقا فطحيا واقفيا منحرفا، المناط هو الوثاقة، لكن بعضهم قال ان هذا يؤثر في الأخذ بالخبر.

وفي الخطابيّة مشكلة ان اجلاء الاصحاب كانوا معه، مثلا: أبو خديجة سالم بن مكرم الجمال وهو من الثقات المشهور وثاقتهم الاجلاء ويقال انه كان مع الخطاب واصحابه في المسجد لكن نجا. والمفضل بن عمر صاحب توحيد المفضّل من الاجلاء الثقاة وان غمز به بعضهم. هل هؤلاء الثقات يؤمنون بالوهيّة الامام وان ابا الخطاب نبي؟!

وعن الشهرستاني: إن أبا الخطاب عزى نفسه إلى ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)، ولما وقف الصادق (ع) على غلوّه الباطل في حقّه، تبرّأ منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلك، وبالغ في التبري منه واللعن عليه، فلما اعتزل عنه ادّعى الامامة في نفسه.

ذكروا ان اجلاء الطائفة كانوا مع ابي الخطاب، هل كلّهم بسطاء؟ الجواب لا، وهناك احتمال عندي انه لم يكن بهذه الطريقة، السلطة تحاول ان تشوه سمعته عدوها وتنسب اليه ادعاء الالوهيّة وادعاء النبوة والامامة كما في عصرنا الحالي: في الحرب العالمية الثانية، الذي بدأ بقصف المدنيين والسفن التجارية المدنيّة هم الإنكليز وليس الألمان، الالمان كانوا أقل سوءا من الإنكليز في التعاطي الإنساني واخلاقيّة الحرب. ومع ملاحظة الأفلام بعد الحرب العالمية الثانية كانت تصور الالمان والامريكان، الامريكاني هو الانسان الإنساني والذكي، والألماني ذكي لكن متوحش، المنتصر يحاول ان يصور الآخر بصورة سخيفة مهينة.

ومن كرامات الامام علي (ع) أن معاوية بن ابي سفيان بعد ان انتصر اخذ يحاول اختراع روايات توهينا بعلي (ع) والائمة (ع) وجعل لعنه على المنابر طوال سبعين عاما حتى اتى عمر بين عبد العزيز، حتى انهم جعلوها جزءا من الحلال والحرام في صلاة الجمعة، ورد في كتاب " المستطرف في كل فن مستطرف " لابناء العامّة، يذكر انه جاء رجل إلى أحد فقهاء المدينة وسألة: ان الامام في صلاة الجمعة في خطبة الجمعة نسي ان يسب عليا أبا تراب، فهل صلاتي صحيحة؟ جعلوها تدخل في وجدان الناس وأصبح السب من المسلمات. والألعن ان هذا الفقيه أما انسان بسيط او لعين قال له احتياطا اعد الصلاة.

رغم كل هذه الافتراءات والتشويه من قبل السلطة الأمويّة، يبقى الامام علي (ع) عبر العصور رمزا إنسانيا عظيما خالدا.

المغيريّة:

نسبة إلى المغيرة بن سعيد العجلي.

في تاريخ الطبري: خرج بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبد الله القسري والي بني أميّة على الكوفة، فأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 هجرية.

روى الكشي روايات كثيرة في ذمّه، وانه كان مغاليا، يدس الأحاديث في كتب أصحاب الباقر (ع) فيها كفر وزندقة.

نذكر من هذه الروايات:

وعنه، عن يونس، عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع ) يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه. فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم. [3]

السند: حدثني محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار القمي (مجهول)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد. عن يونس.... (اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ج2، ح 401، ص 489).

ومنها رواية الكشي، في اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ح 401 - حدثني محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار القمي، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله (ثقة)، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد (ثقة)، عن يونس بن عبد الرحمن (ثقة)، ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث، وأكثر انكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله فانا إذا حدثنا، قلنا قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله. [4]

ولعلّ المغيرة بن سعيد كان مريضا نفسيا يحب الاذيّة، أو كان مدسوسا من قبل السلطة للتشويه، أو انه يكنّ العداوة للباقر (ع) لان المغيرة كان مع الزيدية في حروبهم لان الباقر (ع) لم يقم بالسيف، فكان يدسّ روايات الغلو تشويها لصورة الباقر (ع) بين الناس. ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي من ان أصحاب المغيرة بن سعيد قالوا بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط (ذي النفس الزكيّة) وكان من الاجلاء الكبار بين المسلمين عامّة وفي المدينة خاصة، والظاهر أن محمدا هذا لم يكن في صفاء مع الإمام الصادق (ع)، حتى عبد الله لم يكن في صفاء مع الامام الباقر (ع).

يؤيد ذلك ما رواه المؤرخون من ان محمد ذو النفس الزكية أراد الخلافة لنفسه، وفي آخر ايام بني اميّة واصبح احتمال سقوط بني اميّة واردا، اجتمع سبعة من بني هاشم في الابواء – بين مكّة والمدينة -، وهم جعفر بن محمد الصادق (ع) وعبد الله بن الحسن بن الحسن (ع) وولديه إبراهيم ومحمد ذو النفس الزكية، وأبو العباس السفاح، وأبو جعفر المنصور، وإبراهيم الإمام. واختاروا محمد بن عبد الله بن الحسن (ذا النفس الزكيّة) للخلافة، قال لهم الصادق (ع): لا ينالها إلا صاحب هذا القباء الأصفر (أي المنصور) فأجابه عبد الله بن الحسن: أاخذك الحسد لولديّ هذين؟! وهذا يظهر ان في النفس حب الدنيا والسلطة. ويقال ان محمد ذو النفس الزكية عندما سيطر على المدينة المنوّرة طلب من الامام (ع) البيعة فلم يبايع حبسه.

ثم إن محمد بن الحسن (ذا النفس الزكيّة) هناك روايات في ذمّه، وهو الذي وردت فيه روايات النهي عن الخروج " اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض " تمهيدا للحفاظ على بعض الشيعة في زمن المنصور، الامام (ع) ينظر بنور الله وعين الله بان هؤلاء يسعون للسلطة والدنيا، أما في زيد هناك اضاءة على مدحه ومتى تقوم ولا تقوم.

وعلى أية حال، فدوافع المغيرة إلى فعل هذه المنكرات والقول بها غير معروفة، ولا دليل على أي منها، ولذا نأخذ الأمر على ظاهرها من حيث كونه وأصحابه منحرفين.

 


[1] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج2، ص525.
[2] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج15، ص256.
[3] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص225.
[4] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص224.