الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: إطلالة على عقيدة بعض الفرق التي نسبت إلى التشيّع.

    1. البحث في الإسماعليّة:

    2. الأغاخانية فرقة من الإسماعيلية النزارية.

    3. والبهرة فرقة باطنية وهم إسماعيلية مستعلية.

الإسماعليّة:

قبل الشروع في البحث عن الاسماعلية قيل لي لو عرجت في البحث عن المختار، لكن بحثنا في علم الرجال وهو بحث من جهّة واحدة وهي الوثاقة والتضعيف فيما ينفعنا في الاستنباط، وإلا لتوسع البحث جدا، وأصبح درسا في التاريخ أو السيرة.

في درسنا اليوم سنعرّج على امرين ليس لهما علاقة بالوثاقة، سنتحدث عنهم من باب الفائدة لانهم في أيامنا محل ابتلاء. والإسماعلية من جهّة الوثاقة وعدمه ومن جهّة الانحراف وعدمه سندرس ما يتعلّق بها لكن في أيام هذه يوجد طائفتان اسماعليّتان: " البهرة " و " الأغاخانيّة " هؤلاء لهم وجود قوي في العالم، سنشير اليهم من باب الإطلاع.

الإسماعلية نسبة إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (ع)، وقد قالوا بإمامته بعد ابيه (ع)، فهو الامام السابع عندهم، وبه يفترق الاماميّة عنهم حيث إن الامام السابع هو موسى بن جعفر الكاظم (ع).

إسماعيل: هو الابن الأكبر للإمام جعفر بن محمد (ع)، توفي في حياة ابيه وهو رجل جليل صالح وردت في ذلك روايات عديدة، وقد روى الشيخ المفيد (ره) في الارشاد أن الإمام الصادق (ع) لما توفي ابنه إسماعيل جزع عليه جزعا شديدا ومشى في جنازته حافيا حاسرا، وكان يحبّه حبا شديدا وذا شفقة كبيرة عليه.

وفي المقابل هناك روايات في ذمّه لا تنهض لمعارضة روايات الثناء إما لضعف في السند أو لضعف في الدلالة. ولن نستعرضها من باب الاختصار وهي دروس في الملل والنحل لا نستفيد منها في علم الرجال وفي الفقه والاستنباط إلا في حال: إذا قلنا انه يشترط في الراوي ان يكون إماميّا فإذا انحرف سقطت وثاقته، ونحن لا نقول بذلك. وقلنا ان علي بن ابي حمزة البطائني شيخ الواقفة وامثاله من الذين وردت فيهم روايات كثيرة في ذمّهم لكن عملت الطائفة برواياتهم ووثقتهم.

أقسام الإسماعليّة:

نستطيع أن نلخّص ما ذكره مؤرخو الملل والنحل مثل: الشهرستاني وعبد القاهر البغدادي والنوبختي كما أن الشيخ المفيد (ره) ذكرهم. فإنهم كانوا يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر بن محمد (ع). ثم انقسموا إلى قسمين:

قسم يرى أن إسماعيل مات ظاهرا وهو حيّ واقعا، وهو المهدي المنتظر، وكان الموت الظاهري لحمايته من السلطة العباسيّة. [1]

وقسم يرى انه مات واقعا. وهؤلاء انقسموا قسمين:

قسم وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته. وقسم ساق الامامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم وهم الباطنيّة. (الملل والنحل).

لا باس بالتعريج إلى فهم الطائفتين الاساسيّتين الكبيرتين من الإسماعليّين في عصرنا الحالي: البهرة والأغاخانية.

بعد تأسيس الدولة الفاطميّة إنقسم الإسماعلية إلى قسمين: مستعلية ونزاريّة.

فالمستعلية نسبة إلى المستعلي الذي صار خليفة وهم البهرة، والنزاريّة نسبة إلى نزار الذي كان سيصبح هو الخليفة وعزله الوزير الجمالي لأجل ان يكون المستعلي هو الخليفة، وهم الأغاخانية. المشكلة ان هذه الدراسات من مصادر عاميّة، فلا ندري ما هو مقدار الوثوق بهذه الدراسات.

الأغاخانية:

الأغاخانية فرقة من الإسماعيلية النزارية التي يرجع تأسيسها إلى الحسن بن الصباح (قبل ألف سنة 445ه) الذي كان في مصر وقت حرمان نزار بن المستنصر الفاطمي من الإمامة. وشهد النزاع بين نزار والوزير الجمالي الذي قرر نقل الإمامة إلى أحمد بن المستنصر بدلاً من نزار الذي أوصى له والده بالإمامة من بعده.

وهنا انقسمت الإسماعيلية إلى مستعلية (نسبة إلى أحمد بن المستنصر الذي لقب بالمستعلي) ونزارية (نسبة إلى نزار الذي حرمه الوزير الجمالي من الإمامة).

ونحن قلنا اننا لا نثق بهذه الدراسات إذ أن بعضها خاطئ، مثلا: عندما يقول : " عيد الغدير ابتدعه الشيعة، وسبب اتخاذهم له ما يذكرونه من مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم حينما رجع صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع. أما النيروز أو النوروز فهو من أعياد الفرس، ويحتفلون به في بداية الربيع، ويزعمون أنه اليوم الذي خلق الله فيه النور ".

والصحيح ان الغدير هو اعلان البيعة لعلي (ع) امام المسلمين جميعا بعد ان بيّنت في موارد متفرّقة منذ بداية البعثة النبويّة الشريفة، وليست حادثة المؤاخاة. مع وجود هكذا اخطاء فلا تستطيع ان نثق بالدراسة فيمكن أن يكون الكاتب إما متحاملا وإما جاهلا.

ثم إن الحسن بن الصباح انتصر لنزار، وعاد إلى فارس، وأخذ يدعو لإمامته، وجعل من نفسه نائباً للإمام المستور، واستطاع أن يستولي على قلعة آلموت جنوبي بحر قزوين في إيران، وظل سلطانه يمتد ويتسع في المنطقة وأكثر من إنشاء الحصون ونجح نجاحا كبيراً في تأسيس الدولة الإسماعيلية الشرقية، وعرف أنصاره بالحشاشين.

وفي سنة 558هـ ظهر رجل اسمه راشد الدين سنان لقبه الناس بشيخ الجبل، وكوّن فرعاً للحركة في بلاد الشام، وعرف أتباعه بالسنانية.

وقد ظل أمر الإسماعيلية النزارية بالشام بين تقدم وتأخر وظهور وتستر إلى أن استسلمت آخر قلاعهم للظاهر بيبرس سنة 672هـ، ولكن لا يزال يعيش حتى اليوم طائفة إسماعيلية نزارية في بلاد الشام. (في منطقة السلمية ريف حماة أغلبهم).

وفي الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ظهر في إيران رجل شيعي إسماعيلي اسمه حسن علي شاه، وجمع حوله عدداً كبيراً من الإسماعيلية وغيرهم فأرهبوا القوافل، وهاجموا القرى حتى ذاع صيته، وقويت شوكته، وخشيته الأسرة القاجارية الحاكمة في إيران، فأعجب الناس بقوته، وانضموا تحت لوائه طمعاً في المكاسب المادية التي وعدهم بها، وكان الإنجليز في ذلك الوقت يعملون على بسط الثورة ضد شاه إيران القاجاري.

وقام حسن علي بالثورة ضد الشاه القاجاري بعد أن وعده الإنجليز بحكم فارس، لكن الثورة لم يكتب لها النجاح، حيث قبض عليه الشاه وسجنه، فتدخل الإنجليز للإفراج عنه، فتحقق لهم ذلك على أن ينفى خارج إيران، فزين له الإنجليز الرحيل إلى أفغانستان، فلما وصلها كشف أمره الأفغانيون، فاضطر إلى الرحيل إلى الهند فأقام بها، واتخذ من مدينة بومباي مقراً له، واعترف به الإنجليز إماماً للطائفة النزارية الإسماعيلية لقّبوه بـ " آغا خان ".

وتجمع الإسماعيليون في الهند حوله، فلما رأي فيهم الطاعة العمياء، كما هي طاعة الإسماعيليين لأئمتهم، قوي عوده، وأخذ ينظم شؤون طائفته إلى أن توفي سنة 1881م. ويعتبر حسن علي شاه مؤسس الأسرة الآغاخانية، وأول إمام إسماعيلي يلقب بـ (أغاخان) وهو الإمام السادس والأربعين في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في رأي هذه الفرقة، وصارت هذه الفرقة من الإسماعيلية تعرف بـ " الأغاخانية ". [2]

بنى الإسماعيليون ومنهم الأغاخانيون معتقدهم في الألوهية على ما أسموه (التنزيه والتجريد) وانتهوا إلى تعطيل الله سبحانه عن كل وصف وتجريده من كل حقيقة، وقالوا: "لا هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز.." ونفوا أسماءه وصفاته بزعم أنه فوق متناول العقل.

وصرفوا صفات الله إلى أول مبدع خلقه الله ـ بزعمهم ـ وهو العقل الأول، واعتبروا أن المخلوقات كلها وجدت بواسطة العقل والنفس! حيث يقول مصطفى غالب، وهو من الإسماعيلية المعاصرين، في كتابه "الثائر الحميري الحسن الصباح": "والعقل الأول أو المبدع الأول في اعتقاد الإسماعيلية هو الذي رمز له القرآن بـ (القلم) في الآية الكريمة (ن والقلم وما يسطرون)، وهو الذي أبدع النفس الكلية التي رمز لها القرآن أيضاً بـ ( اللوح المحفوظ) ووصفت بجميع الصفات التي للعقل الكلي، إلاّ أن العقل كان أسبق إلى توحيد الله فسمي بـ (السابق) وسميت النفس بـ (التالي)، وبواسطة العقل والنفس وجدت جميع المبدعات الروحانية والمخلوقات الجسمانية، من جماد وحيوان ونبات وإنسان، وما في السماوات من نجوم وكواكب.

وليست الفرائض ببعيدة عندهم عن التأويل الباطني. فالصلاة هي صلة الداعي إلى دار السلام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف حقائق النواميس الشرعية من غير أهلها، والحج هو القصد إلى صحبة السادة الأئمة من أهل البيت... يعتبرون قبلة المسلمين الكعبة ليست سوى حجارة، ويقولون أن الحج إليها في بداية الإسلام كان نظراً للمستوى العقلي للناس في ذلك الوقت، وبدلاً من ذلك يفضلون الذهاب للأغاخان وزيارته، وتقديم الولاء والإجلال له، وبهذا يكون قد أدى الأغاخاني الحج بزعمهم، ويقولون مستنكرين حج المسلمين لبيت الله الحرام: ما الأفضل: تحج إلى حجارة لا تعقل أم تزور إماماً إنساناً حيّاً معلماً؟!

(ومسلكهم غريب فقد) تزوج أغاخان أربع مرات دون أن يجمع بين زوجتين:

الأولى: شاه زادي وهي إيرانية، وتوفيت بعد سنوات قليلة من زواجهما سنة 1897م.

الثانية: الإيطالية تريزا ماجليانو تزوجها سنة 1908 وأنجبت له ابنه الأكبر علي سلمان خان. وهي راقصة أوبرا.

الثالثة: الفرنسية أندريه كارون، وقد أعجب بها سنة 1927، وكانت آنذاك تبيع الحلوى والسجائر في كشك بجوار مقهى في باريس. أنجبت له صدر الدين، ثم طلقها.

الرابعة: الفرنسية ايفيت بلانش سنة1944، وهي عارضة أزياء، واختيرت ملكة لجمال بلادها.

أغاخان الرابع كريم بن علي، وهو الأغاخان الحالي ولد في جنيف سنة 1936 لأم إنجليزية كانت تلقب بتاج الدولة. تولى إمامة الطائفة وهو في سن العشرين خلفاً لجده أغاخان الثالث. وكريم هذا هو الإمام التاسع والأربعون في ترتيب الأئمة الإسماعيليين النزاريين.

 

البهرة:

البُهِرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، والبهرة فرقة باطنية وهم إسماعيلية مستعلية يعترفون بالإمام المستعلي ومن بعده الآمر ثم ابنه الطيب ولذا يسمون بالطيبية وهم إسماعيلية الهند واليمن تركوا السياسة وعملوا بتجارة البهارات ووصلوا إلى الهند وانتشر فكرهم الشيعي فيها وكذلك في بنغلاديش وباكستان واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا وعرفوا بالبهرة، والبهرة لفظ هندي قديم بمعني التاجر في اللغة الكجراتية الهندية، ويطلق عليهم رجل الشارع اليمني اسم المكارمة. لكنهم في الاصل داؤودين وهم أبناء شرقي حراز اما من يطلق عليهم المكارمة فهم يقطنون غربي حراز كالمزانعه وكاهل وشبام واسمهم السليمانيون وهم المكيصاراسيمة لكن داعيهم ليس محمد برهان الدين بل اسمه سليمان وهو يقطن في (نجران) بالمملكة العربية السعودية.

يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: " أمير الجامعة السيفية " الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند "ساحل بحر العرب" سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يُسمَّون " وهرة " وبلغة الهند الواو والباء مترادفتان سموا " البهرة " فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية " الجو جاراتيه " السائدة في غربي الهند.

والبهرة أصلهم فاطمي، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين " العامر بالله " سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون في الستر والخفاء، وقد وَرِث عنه ابنه الأوسط " الطيِّب " الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تَسلسل الدعاة في اليمن أربعة تقريبًا، ثم نَقلُوا مركز الدعوة إلى الهند.

عاصمتهم " المهدية " في تونس، واختاروا " المنصورية " عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة، وبعده جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب، وابنه "الطيِّب" هو الحادي والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أَخفَوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبًا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيِّب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام.

أحببت ان اعطي صورة مختصرة مفيدة عن الاسماعليّة في زمننا هذا.


[1] هناك مسألة مهمّة جدا في فهم الروايات والنصوص، فلنتصور كم كان أهل البيت (ع) يستعملون التقيّة باعلى درجاتها، بل كانوا يعيشون حالة طوارئ امنيّة، مئتين سنة بعد الرسول إلى زمن 260 ه الغيبة الكبرى كانت حالة طوارئ. لذلك قد افهم من الروايات غير ما يفهمه بعضهم لانني عشت معاناة التقيّة في العراق زمن الطاغية، لذلك وضع الرواية في زمانها ومكانها المناسب حتى نفهمها، وهي قرائن غير موجودة عند من لا يعيشها.
[2] ذكرنا سابقا انه لا بد لتأسيس أي مذهب أربعة مراحل: التأسيس، التأسيس الفكري، المذهب الفقهي، والمقدّسات. نلاحظ ان العامّة اول ما تأسسوا في أخذ الولاية من علي بن ابي طالب (ع)، أي اسسوا عصيان رسول الله " فإذا رأت الامّة، او الناس او اهل الشورى ذلك ". المرحلة الثانية عندما أسس معاوية المذهب الفكري " اطع الأمير ولو ضرب ظهرك " المهم ان يكون السلطان مسلما ولو شكلا. والمرحلة الثالثة التأسيس الفقهي مع ابي حنيفة عندما قال: " لم يثبت عندي من الحديث الا سبعة عشر حديثا فعملت بالقياس " استبدل السنّة والحديث بالقياس. المرحلة الرابعة المقدسات " صحيح البخاري اصدق كتاب بعد كتاب الله، و إذا قيل الحديث " متفق عليه " فهذا يعني البخاري ومسلم.