الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: الصحيفة السجادية. وإطلالة على عقيدة بعض الفرق التي نسبت إلى التشيّع.

    1. البحث في الصحيفة السجادية: أسانيدها كثيرة يلتقي معظمها عند يحيى بن زيد، ويحيى بن زيد ذكره أصحاب الرجال في رجال الصادق (ع) من دون توثيق أو تضعيف.

    2. نظرة على السليمانيّة:

    3. نظرة على الصالحية والتبرية:

    4. نظرة عامة على الجاروديّة اتباع زياد بن المنذر ابي الجارود:

الصحيفة السجاديّة:

طرح بعض الاخوة الفضلاء انه لا بأس بمناسبة الكلام عن الزيدية، وعن زيد بن علي بن الحسين (ع) الذي وثقناه، وتكلمنا في مسند زيد وهو المجموعة الفقهيّة الحديثيّة، والزيدية لا يزال لهم وجود قوي. فقال وفقه الله انه لا بأس بان نلوي عنان الكلام إلى الصحيفة السجاديّة التي رويت عن زيد بن علي بن الحسين (ع)، البحث في سندها واعتبارها.

كتب السيد محمد باقر نجل السيد المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني كتابا كاملا عن الصحيفة السجاديّة وذكر الاسانيد والاجازات، وسنقرأ ما ذكره:

.... وأخذ الإجازة على روايتها فتجمعت بسبب ذلك أسانيد، وطرق لروايتها كثيرة متكثرة ما بلغ حدها كتاب، أو نص تراثي آخر في تأريخنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر إن العلامة محمد تقي المجلسي صرح في سنده " رقم 24 " ما لفظه: " إلى غير ذلك من الطرق الكثيرة التي تزيد على الآلاف والألوف، وإن كان ما ذكرته مع وجازته يرتقي إلى ستمائة طريق عالية [1] "! وقال في سنده " رقم 26 ": وترتقي الأسانيد المذكورة هنا إلى ستة وخمسين ألف إسناد ومائة إسناد! وسنورد عزيزي القارئ بعضا من تلك الإجازات والأسانيد وطرق الرواية التي تنتهي كلها إلى يحيى بن زيد الشهيد، عن أبيه، عن زين العابدين عليه السلام. وهناك إجازة في روايتها كما سترى عن محمد بن زيد الشهيد، عن أبيه، عن الإمام السجاد عليه السلام. وأخرى في روايتها عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

وطريق آخر عن الإمام علي بن محمد النقي (الجواد) عليهما السلام، عن آبائه عليهم السلام:

قال صاحب الصحيفة الثالثة: رأينا نسخة عتيقة منها أي الصحيفة التي برواية محمد بن الوارث بخط ابن مقلة الخطاط المشهور. وسند محمد بن الوارث في الصحيفة : 3 / 11: محمد بن الوارث، عن الحسين إشكيب الثقة الخراساني من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام عن عمير بن المتوكل البلخي عن أبيه متوكل بن هارون.

وسأذكر سند او سندين ثم نبحث في الاعتبار.

قال المجلسي: وجدت في صحيفة قديمة مصححة كان سندها هكذا: قال الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، عن أحمد بن محمد بن عبيد الله ابن الحسن بن أيوب بن عياش الجوهري، عن الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ابن أخي طاهر العلوي، عن محمد بن مطهر الكاتب، عن أبيه، عن محمد بن شلمقان المصري، عن علي بن النعمان الأعلم، عن عمير بن المتوكل، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: كان من دعائه بعد صلاة الليل.

سند أبي القاسم علي بن محمد بن الخزاز القمي الرازي في كفاية الأثر: 302. حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عامر بن عيسى بن عامر السيرافي بمكة في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة [2] ، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثنا محمد بن مطهر، حدثني أبي، قال: حدثنا عمير بن المتوكل بن هارون البلخي، عن أبيه المتوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه، وهو متوجه إلى خراسان، فما رأيت رجلا في عقله وفضله، فسألته عن أبيه عليه السلام فقال: إنه قتل وصلب بالكناسة، ثم بكى وبكيت حتى غشي عليه فلما سكن قلت له: ثم أخرج إلي صحيفة كاملة فيها أدعية علي بن الحسين عليهما السلام.

سند الشيخ أبي العباس أحمد بن علي النجاشي الأسدي في رجاله: 426 رقم 1144: متوكل بن عمير بن المتوكل، روى عن يحيى بن زيد دعاء الصحيفة، أخبرنا الحسين ابن عبيد الله، عن ابن أخي طاهر، عن محمد بن مطهر، عن أبيه، عن عمير بن المتوكل، عن أبيه متوكل، عن يحيى بن زيد، بالدعاء. [3]

والكلام في سندها واعتبارها.

اما من جهة السند: فالأسانيد كثيرة جدا، ومن كثرتها نطمئن بصدورها عن الامام زين العابدين (ع). وبحساب الاحتمالات التي ذكرها السيد الصدر (ره)، الضعيف قرب ضعيف قرب ضعيف قد تؤدي إلى اطمئنان فيكون الحجّة هو الاطمئنان، إذا لم تؤد إلى اطمئنان فليست بحجّة، والسيد الخوئي (ره) كان يقول: " ضم اللا حجة إلى اللا حجة لا ينتج حجّة " لكن هذا الكلام لا نستطيع ان نأخذه على اطلاقه، بل نستثني ما أدى إلى الاطمئنان بالصدور.

ويحيى بن زيد نعرف عنه انه استشهد وليس كل من استشهد كان ثقة في الرواية، وذكره علماء الرجال من دون مدح وقدح ذكروا انه كان من أصحاب الصادق (ع)، وبالنتيجة: لم تثبت وثاقته عندنا.

رجوع الاسانيد بمعظمها إلى يحيى بن زيد:

أن من شرط حصول الاطمئنان غالبا هو كثرة الاسانيد في كل طبقة، فإذا كانت تلتقي في رجل واحد، فإن متعلّق الاطمئنان هو صدوره عنه، أما صدوره عن الإمام فلا يحصل الاطمئنان، وهنا تلتقي معظم الاسانيد عند يحيى بن زيد فيحصل الاطمئنان بصدور الصحيفة عن يحيى. أما ما بعد يحيى وصدورها عن الامام فلا يحصل الاطمئنان.

هذا من ناحية السند.

الدليل الثاني على الاعتبار: تلقي المسلمين الشيعة لها بالقبول، كابر عن كابر، بحيث يطمئن المتلقي بصحتها حتى صارت من اركان التراث الشيعي، وهذا أيضا دليل لو أدى إلى اطمئنان.

الثالث: المضامين العالية لها، فهي متعددة الجوانب التربويّة والعقائدية والعرفانية وغيرها، فان قوة المضمون تدفع النفس إلى الاطمئنان بالصدور، وقد ورد في دعاء الصباح " يا من دلّ على ذاته بذاته " فهذه العبارة وردت في الذات الإلهيّة، إلا انها مفهومها وكليها تنطبق على ما نحن فيه في الصحيفة السجّاديّة. لذلك بعضهم يقول ان الوثاقة ليست مسألة سند فقط أو اعتبار أو شهرة، بل المضمون أحيانا من الدوال على صحّة الصدور.

ولذلك نقول: ان تراكم القرائن إذا أدى إلى اطمئنان فالحمد لله رب العالمين.

انتهينا من الصحيفة السجاديّة وانما تحدثنا عن الزيدية لانها موجودة وهم قريبين للشيعة، لذلك تجب معرفتهم.

عنوان اقسام الزيديّة:

قلنا ان سنتكلم هن ثلاثة منها: السليمانية والصالحيّة والبتريّة:

ذكرهم الشيخ جعفر السبحاني في كتابه كليات في علم الرجال:

السليمانية: وهم أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى في ما بين الخلق، ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل، وقالوا إن الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق، وذلك الخطأ خطأ اجتهادي، غير أنه طعن في عثمان للأحداث التي أحدثها وكفره بذلك.

الاساس العقائدي الذي يميّز بين الشيعة وغيرهم النص، فالشيعة يقولون إن الإمامة تكون بالنص، وغيرهم لا يقولون بذلك، بل بالشورى أو بالغلبة أو بالاجماع أو باهل الحل والعقد وغير ذلك. ابن ابي الحديد كان يقول: " سبحان الذي قدّم المفضول على الفاضل "، الشيعة يقولون ان الامامة بالنص والسليمانية يقولون ان الامامة شورى، لذلك السليمانية ليسوا جزءا من الشيعة وإن كانوا يقولون بأفضلية علي بن ابي طالب (ع) وان المفروض ان يكون هو الخليفة، لكن تقديمهم لعلي ليس بالنص بل بالشورى، وكأن فكرهم فكر المعتزلي.

يكمل السبحاني: الصالحية والتبرية: الصالحية، أصحاب الحسن بن صالح بن حي، والبترية، أصحاب كثير (النوا)، وهما متفقان في المذهب وقولهم في الإمامة كقول السليمانية، إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر.

 

أخذ هذا التقسيم من الشهرستاني وغيره، ونقول للشهرستاني: هب كل اختلاف يؤدي إلى تأسيس فرقة؟!

هل إذا اختلفنا كشيعة مثلا ان عمر بن عبد العزيز كان صالحا او لا هل نصبح فرقتين؟ وان منهم من يقول بولاية الفقيه ومنهم من لا يقول بها هل نصبح فرقتين؟ هل كل شيء نختلف عليه نعتبره فرقة؟ على هذا الحال حتى الشيعة الخلّص الاماميّة العدول مع أرائهم المختلفة يصبحوا فرق، نعم في أصل العقائد يمكن ان نفرّق. فيجب أولا تحديد من هو الشيعي، الغلاة قطعا ليسوا من الشيعة، والذي يقول علي بن ابي طالب (ع) اله قطعا لا، والذي يقول ان الامامة بالشروى أو بالغلبة وليس بالنص قطعا ليس شيعيا. التشيع هو القول بإمامة علي بن ابي طالب (ع) بالنص الإلهي، ثم نقول: ان من قال بذلك افترق إلى كذا وكذا في الأمور العقائدية الاساسيّة، اما الاختلاف في اشخاص كعثمان فلا يؤدي إلى تأسيس فرقة. ولذا فانني أنظر بعين الريبة إلى تكثير فرق الشيعة التي قام بها الشهرستاني والبغدادي وغيرهما.

يكمل السبحاني: قال عبد القاهر بن طاهر البغدادي (صاحب الفرق بين الفرق) " فأما الزيدية فمعظمها ثلاث فرق وهي: الجارودية والسليمانية وقد يقال الجريرية أيضا، والبترية، وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين في أيام خروجه، وكان ذلك في زمن هشام بن عبد الملك " [4]

نظرة عامة على الجاروديّة:

نذكرهم لانهم أصحاب ابي الجارود وله تفسير اختلط مع تفسير علي بن إبراهيم، ولذك نضطر ان نبحث من هو ابي الجارود، فإذا كان ثقة يصبح تفسير على بن إبراهيم شطر ابي الجارود معتبر.

الجاروديّة أصحاب أبي الجارود، وقد ترجمه النجاشي بقوله: " زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني الخارفي الأعمى ..... كوفي كان من أصحاب أبي جعفر (ع)، وروى عن ابي عبد الله (ع)، وتغيّر لما خرج زيد (رض) وقال أبو العباس بن نوح: هو ثقفي، سمع عطية، وروى عن ابي جعفر (ع)، وروى عنه مروان بن معاويّة، وعلي بن هاشم بن البريد يتكلمون فيه قاله البخاري. له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر عليه السلام [5] .

وقال الشيخ في رجاله: من أصحاب الباقر (ع): زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني، الحوفي الكوفي تابعيّ زيدي أعمى، اليه تنسب الجاروديّة منهم [6] .

ولابي الجارود تفسير للقرآن، ذكره النجاشي والشيخ وذكرا سندهما إليه.

ونقل الكشي روايات ظاهرها الذّم، ومن روايات الذّم انه سمي بالسُرحوب.

وقال السيد الخوئي (ره) في معجمه: وقال الكشي (104): أبو الجارود زياد بن المنذر الأعمى، السرحوب: " حكي أن أبا الجارود سمي سُرحوبا وتنسب إليه السرحوبية من الزيدية سماه بذلك أبو جعفر عليه السلام، وذكر أن سرحوبا اسم شيطان أعمى، يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى، أعمى القلب ".

السيد الخوئي يشك في هذا الكلام بل يقول محال هذا الكلام من الكشي:

يقول السيد الخوئي: أقول: أما انه كان زيديا فالظاهر أن لا إشكال فيه، وأما تسميته بسرحوب عن أبي جعفر عليه السلام، فهي رواية مرسلة من الكشي لا يعتمد عليها، بل إنها غير قابلة للتصديق، فإن زيادا لم يتغير في زمان الباقر عليه السلام وإنما تغير بعد خروج زيد، وكان خروجه بعد وفاة أبي جعفر عليه السلام بسبع سنين. فكيف يمكن صدور هذه التسمية من أبي جعفر عليه السلام [7] .

لكن هناك إيراد على كلام السيد الخوئي (ره) إذ يحتمل أن الإمام (ع) يعرف ببصيرته النافذة وبعين الله داخل ابي الجارود ويصوره، قد يكون الباقر (ع) سماه سرحوبا بمعنى انه محتال شيطان، او ينظر إلى اعماقه، فيريد ان يعظه ويعظ من سيكون معه.

وهذا الكلام من الباقر (ع) يشبه موقف الامام الكاظم (ع) من علي بن أبن حمزة البطائني الواقفي – بناء على كون الوقف حركة انحرافيّة لا امنيّة – حيث قال الكاظم (ع) للبطائني: " يا علي انت وأصحابك أشباه الحمير " وكان هذا التوصيف للبطائني قبل وقفه وانحرافه.


[1] كأسناد انا لم أرها طرق عالية.
[2] أي بعد الغيبة الصغرى بمئة سنة.
[3] الصحيفة السجادية، السيد محمد باقر نجل السيد المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني، ص629.
[4] كليات في علم الرجال، الشيخ السبحاني، ص408.
[5] رجال النجاشي، النجاشي، رقم 448 ص170.
[6] رجال الطوسي، الطوسي، رقم 1409، ص135.
[7] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج8، ص334.