الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: مسند زيد بن علي (ع).

    1. البحث في مسند زيد.

    2. البحث في رجال الطريق إليه.

    3. النتيجة: عدم الاتكال عليه في الحلال والحرام رغم أخذ محدثي الشيعة عنه.

كان الكلام في فوائد رجاليّة وذكرنا فيها طوائف والملل المحسوبة على الشيعة ووصلنا إلى الكلام عن الزيديّة، وقلنا ان زيد بن علي بن الحسين (ع) المنسوبة الزيدية اليه هو رجل صالح وعالم وممدوح، والرواية ذات السند المعتبر التي وردت استظهر بعضهم ذمه منها قلنا لا تدل على التضعيف وخرَّجنا الرواية بنحو ليس فيها ذمّ، بالنتيجة ان زيدا ممدوح جليل ووردت الروايات الكثير في مدحه وجلالته، ويناسب الكلام ان نتكلّم عن مسند زيد، هذا الكتاب المعروف والمشهور، والمراد منه المجموع الحديثي في الفقه والحديث المنسوب إلى زيد.

مسند زيد عبارة عن مجموعة حديثيّة فقهيّة اشتهر باسم مسند الامام زيد.

وقد روى عن زيد محدّثوا الشيعة الاماميّة، وروي في الكتب الأربعة تسعة وثلاثون حديثا – بعد حذف المتكرر – وأكثر ما روى فيها موجود في مسنده كما ذكر ذلك الشيخ جعفر سبحاني في كتابه القيّم: " بحوث في الملل والنحل "، وقد ذكر الروايات الموجودة في الكتب الأربعة مستعرضا لها مرتبا لها بحسب الأبواب.

والكتاب مشهور معروف متداول، وفي هذا الكتاب ذكر للسند إلى زيد وهو التالي:

    1. حدثني عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر بن الهيثم القاضي البغدادي قال: ...

    2. حدثنا أبو القاسم علي بن محمد النخعي الكوفي قال: ...

    3. حدثنا سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي قال: ...

    4. حدثني نصر بن مزاحم المنقري العطار قال: ...

    5. حدثني إبراهيم بن الزبرقان التيمي قال: ...

    6. حدثني أبو خالد الواسطي رحمهم الله تعالى قال: ...

    7. حدثني زيد بن علي بن الحسين عن ابيه علي بن الحسين، عن جده الحسين بن علي، عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع).

وهذا السند مذكور في صدر الكتاب، ولنستعرض هؤلاء:

    1. عبد العزيز بن إسحاق بن البقال: عنونه الشيخ في رجاله في باب من لم يروي عنهم (ع) قال: عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي البقال الكوفي، وكان زيديا يكنى أبا القاسم، سمع منه التلعكبري سنة ست وعشرين وثلاثمائة.

وقال في الفهرست: عبد العزيز بن إسحاق له كتاب في طبقات الشيعة، وعنونه ابن داوود في القسم الثاني من رجاله، أي ممن ورد فيه ذمّ وإن كان ورد فيه مدح عن آخرين.

وعنونه العلامة في الخلاصة في قسم من لا يعرف برواياته.

الزيديّة وثقوه وجعلوه من الأكابر.

ينقل الشيخ السبحاني عن السياغي في الروض النضير: أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي البقال، شيخ الزيدية في بغداد.

قال في الطبقات: " روى مجموع الامام زيد بن علي (ع) الفقهي الكبير المرتب المبوب عن علي بن محمد النخعي وقد سمع منه أبو العباس احمد بن إبراهيم بن الحسن الحسني سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.

وقال في مطلع البدر: هو شيخ الزيدية ببغداد، والعراق، وكان عالما محدثا حافظا.

وقال في غيره: كان علاّمة كبيرا وفاضلا شهيرا، سمحا عالما زاهدا، سعيدا ولياً لآل محمد رأساً في العلوم، مهيمنا على المظنون والمعلوم، له كتاب في اسناد مذهب الزيدية وتعدادهم، وذكر تلامذة زيد بن علي واصحابه الذين اخذوا عنه العلم " [1] . [2]

وكل هذا لا يكفي في التوثيق عندنا وقد ذكرت سابقا ان التوثيقات ثلاثة: التوثيقات الخاصّة، والتوثيقات العامّة – القواعد -، والقرائن الكثيرة. بالنسبة لعبد العزيز لا توجد قرائن كثيرة على توثيقه، في رجال الشيخ ذكر عنوان عنه، وفي الفهرست ذكروا ان له كتاب في طبقات الشيعة، وابن داوود عنونه فيمن ورد فيه ذمّ وإلى اخره، وهذه المعلومات بهذه الكميّة لا تصلح توثيقا. وذكرت أني لست متشددا في التوثيق - كما قيل – واني لا آخذ بالقرائن، بل اخذ بالقواعد. انا اخذ بالقواعد وبالقرائن لكن بشرط أن تصل هذه القرائن حدا من التراكم بحيث اطمئن بوثاقته، وهذا الموجود بالنسبة لعبد العزيز وحده لا يكفي، عندي تراكم القرائن يجب أن يؤدي إلى اطمئنان ويكون الاطمئنان حجّة حينئذ، وكقواعد عامة هذه القرائن وحدها لا تكفي، نعم انا لست دقداقيا، لكني أقول ان هناك دين واحكام شرعيّة أثبتها برواية راو عن ألف سنة، فان أنفي أو اثبت واحلل واحرّم ليس أمرا سهلا بناء على توثيق هذا الراوي. لذلك قلت مرارا الوثاقة عندي ليست العدالة الشرعيّة المطلوبة في امام الجماعة – " لا نعلم منه إلا خيرا " حسن الظاهر – لأن الوثاقة صفة نفسانيّة وجوديّة وهي مسألة عقلائيّة لان دليل حجيّة الخبر هو سيرة وبناء العقلاء فحينئذ ارجع إلى العقلاء ماذا يقولون، يرون ان الوثاقة صفة نفسانيّة وجوديّة تحتاج إلى اثبات ولا تثبت إلا بعد التكرار. وذكرت مثالا على ذلك ان الأمانة والوثاقة كلاهما أمر وجودي ومجرد ان يصلي الشخص في المسجد هل يكون كافيا لثبوت امانته فأودع مالا كبيرا، لا افعل ذلك إلا بعد ان اتأكد من امانته عدّة مرات حتى يتلبّس بها.

أما علماء العامّة فقد طعنوا فيه، ولعلّ السبب في هذا الطعن انه كان مواليا لآل بيت محمد (ص) معاديا للأمويين، ولعلّ من راجع كتب أبناء العامّة يلمس ذلك منهم للأسف الشديد، فان بعضهم كان عبدا لهواه، والعلم – الفضيلة - لا يكفي للترقي بالنفس البشريّة، إذا لم يعمل الانسان بنفسه على تنزيه نفسه وصقلها والترقي بها، وتعويدها على الانصاف ولو من النفس يقع في شرك الشيطان.

يقول الشاعر: والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

ونذكر هنا ما قاله الذهبي في حقه في كتابه " ميزان الاعتدال " تحت: رقم 5083: عبد العزيز بن إسحاق بن البقال. كان في حدود الستين وثلاثمائة. قال ابن أبي الفوارس الحافظ: له مذهب خبيث، ولم يكن في الرواية بذاك. سمعت منه أحاديث [فيها أحاديث] ردية. [3]

إذن عبد العزيز بن إسحاق بن البقال لم يثبت توثيقه وإن كان رجلا جليلا، وفي النفس شيء من عدم التوثيق، فأصبح مسند بن زيد ليس كتابا أستطيع الاتكال عليه في مقام الحلال والحرام، نعم بعض الروايات قد يكون لها دليلها معها أو نأخذها كمؤيّد وخصوصا ان محدثي الشيعة أخذوا منه.

    2. أبو القاسم علي بن محمد النخعي الكوفي: لم يعنون في الكتب الرجالية عند الشيعة الاماميّة، ولا توجد قرائن تدلّ على وثاقته، فلا طريق إلى توثيقه.

    3. سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي: مجهول وشأنه شأن سابقه.

    4. نصر بن مزاحم المنقري العطار: ذكر في وسائل الشيعة للحر العاملي ج 20 تحت رقم 1206: نصر بن مزاحم المنقري العطار، أبو الفضل كوفي مستقيم الطريقة، صالح الأمر، غير انه يروي عن الضعفاء كنيته حسان، قاله النجاشي والعلامة. [4]

النجاشي والعلامة مدحاه " مستقيم الطريقة، صالح الأمر " وكلمة مستقيم الطريقة توحي بالوثاقة وان فيه خيرا ولو كان يروي عن الضعفاء.

إذن هو في نفسه ممدوح والرواية عن الضعفاء لا تسقط الوثاقة. النجاشي يقول عن الراوي: " انني رويت عنه كثيرا فلما رأيت شيوخنا يضعفونه تركته "، بعضهم استدل بهذه العبارة على توثيق كل مشايخ النجاشي. كلامهم غير سليم، هذه الكلمة من النجاشي تدل انه لا يروي عنمن عرف بالضعف. لما كان يروي عن الراوي دون إستيثاق ورأى شيوخنا يضعفونه توقف عن الاخذ منه وتركه، وهذا لا يعني انه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا الكلام منه ليس توثيقا، وبعض الاعاظم وثق كل مشايخ النجاشي المباشرين بسبب هذه العبارات. قلنا ان هذه لا تدل على التوثيق

ثم إن ابناء العامة ذمّوه، لاحظ ما قاله الذهبي: 9046 - نصر بن مزاحم الكوفي. عن قيس بن الربيع وطبقته. رافضي جلد، تركوه. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين. حدث عنه نوح بن حبيب، وأبو سعيد الأشج، وجماعة. قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير. وقال أبو خيثمة: كان كذابا. وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. قلت: وروى أيضا عن شعبة. [5]

    5. إبراهيم بن الزبرقان: ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (ع) من دون توثيق أو جرح، بل أهملوه.

الذي يقول ان مجرد ان يكون من أصحاب الصادق (ع) ثقة صارت قاعدة عامة عنده للتوثيق، لكننا لا نقول بهذه القاعدة، نعم هي مؤيّد. وبالتالي لم يثبت توثيقه.

    6. عمرو بن خالد: ذكرته في كتابي في فهرس مشيخة الصدوق (ره): عن الكشي أنه من رؤوس الزيدية، وثيقه ابن فضال، وابن فضال فطحي من كبار الثقات وقيل انه من أصحاب الاجماع، وعليه عمرو بن خالد نستطيع توثيقه.

النتيجة: ان مسند الامام زيد رغم أخذ محدثي الاماميّة عنه، كتاب له احترام لكننا لا نستطيع ان نجعله مدركا معتبرا لأخذ الحلال والحرام، فإن السند اليه غير تام التوثيق.


[1] بحوث في الملل والنّحل، السبحاني، الشيخ جعفر، ج7، ص130.
[2] عن السياغي: الروض النضير، 1/61، ثم ذكر ترجمة الذهبي ونقده.
[3] ميزان الاعتدال، الذهبي، شمس الدين، ج2، ص623.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص357، باب النون يبتدء بناصح البغال، ح1206، ط اسلامیة.
[5] ميزان الاعتدال، الذهبي، شمس الدين، ج4، ص253.