الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: إطلالة على عقيدة بعض الفرق التي نسبت إلى التشيّع.

    1. البحث بان زيد بذاته من الثقات أو لا؟

    2. الروايات والشهرة على جلالته.

    3. ذكر الرواية الواردة في ذمّه وهي معتبرة السند.

    4. طريقة الجمع بين الروايات.

    5. النتيجة: جلالة زيد ووثاقته.

قلنا من باب الفوائد ان نتطرق للفرق الاسلاميّة أو المذاهب، وعند أبناء العامّة هناك العشرات أو مئات الفرق، وحتى عند الشيعة هناك فرق قلنا انها محسوبة على التشيع وليست من التشيع في شيء من قبيل الغلاة، أن تكثير فرق الشيعة من قبيل بعض من كتب في الملل والنحل هو تصوي التشيع فرقا كثيرة، فلا يكون هو الفرقة الناجية. وكان الكلام عن الزيديّة، ولا بأس من ان نفهم هذه الفرق لان هناك من يشترط لحجيّة الرواية ان يكون الراوي شيعيا اماميّا، الراوي حتى تعتبر روايته يجب ان يكون اماميا.

نكمل الكلام في الزيديّة وسأتكلم في نقطتين:

أولا: ان زيد بن علي بن الحسين (ع) هذا الثائر العظيم الجليل بذاته من الثقات أو لا؟ اريد معرفة وضعه لان هناك عشرات الروايات رويت عن زيد.

ثانيا: سنتكلم في مسند زيد بن علي بن الحسين (ع)، وهو الآن بالنسبة إلى الزيديّة من المراجع المهمّة في الحديث والفقه، هل هذا المسند يعدّ من الكتب المعتبرة أم لا.

أما النقطة الأولى فقد ورد في زيد روايات كثيرة في مدحه والثناء عليه، هناك اجماع تقريبا على جلالته وشأنيّته، نعم ليس هناك نصّ صريح بتوثيقه، لكن هو جليل وممدوح جدا، في روايات كثيرة انه بكى وترحمّ عليه الصادق (ع) وقد بيّنا بعضها، لكن بعضهم طعن فيه وفي وثاقته ويستدلون في ذلك على رواية صحيحة السند معتبرة، وان لم يتطرق إليها بعض من كتب في الرجال.

ففي أصول الكافي، ح 5: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى (ثقة)، عن علي بن الحكم (ثقة)، عن أبان (ثقة) قال: أخبرني الأحول ( مؤمن الطاق أبو جعفر، من الاجلاء الثقات) أن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بعث إليه وهو مستخفٍ قال: فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول ان طرقك طارق منا أتخرج معه؟ قال: فقلت له: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه. قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فأخرج معي، قال: قلت: لا ما افعل جعلت فداك، قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال: قلت له: إنما هي نفس واحدة فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناجٍ والخارج معك هالك، وان لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. قال: فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد، شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟! فقلت له: جعلت فداك شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك: أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء قلت: يقول يعقوب ليوسف: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا، لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك، قال: فقال: أما والله لئن قلت ذلك لقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي. فحججت فحدثت أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد وما قلت له، فقال: لي: أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، ولم تترك له مسلكا يسلكه [1] .

من حيث السند: الرواية معتبرة بل صحيحة.

أما من حيث الدلالة: فقد استدلوا على عدم وثاقة زيد وعدم تقواه وجلالته بفقرة " خاف عليك: أن لا تقبله فتدخل النار " وهو اخبار من الاحول بعدم اطمئنان الامام (ع) بإيمان زيد انه إذا اخبره بالحلال والحرام قد لا يلتزم. وبالفقرة الأخيرة " أخذته من بين يديه ..... " نوع من الذم لانه فعل أمرا غير راجح.

لذلك قالوا ان هذه الرواية تدل على سقوط زيد بن علي، وانها تعارض ما ذكره الفقهاء والروايات التي وردت في مدحه، وهذه الرواية الذامّه افضل سندا من تلك الروايات، ولذلك على الاقلّ إذا تعارض التوثيق والتضعيف لا استطيع ان اثبت احدهما، فلم تثبت وثاقة زيد بن علي بن الحسين (ع).

اما من حيث الدلالة: لدينا عدّة تساؤلات لما ورد في الرواية:

الأولى: إن الإمام يفضّل ابنه على غيره، ويرضى بالنار لغيره، وهذا ليس من مناقب المعصوم (ع).

الثانية: إن تشبيه كتمان الحكم عن زيد بكتمان الرواية عن اخوة يوسف قياس مع الفارق: بان كيد إخوة يوسف حسد له، لانه سيكون له جاه كبير، وهو ما يتنافس عليه البشر، أما تبليغ الحكم الشرعي فلا وجه دنيوي له.

الثالثة: إن كتمان الحكم الشرعي لا يجوز، وهو خلاف الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ ﴾ [2] .

وسنذكر رواية ذكرها الصدوق (ره) في عيون الاخبار اذكرها دون بقيّة الروايات الأخرى لأنها واضحة في طريقة الجمع بين الروايات، الرواية فيها مدح وثناء في زيد بن علي (ع)

عيون اخبار الرضا (ع)، 25 - باب ( ما جاء عن الرضا عليه السلام في زيد بن علي عليه السلام ).

ح 1 - حدثنا أحمد بن يحيى المكتب (من رجال العامة) قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي (مشهور جدا عند العامة) قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي (عامي) قال: حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرق دور ولد العباس، وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا عليهما السلام وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما اتاه بصغير. فقال الرضا عليه السلام: يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيدا إلى زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد (وهذا اعلا من التوثيق) غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول: رحم الله عمى زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد (لم يدع لنفسه) ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم ان رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا عليه السلام: ان زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام وإنما جاء ما جاء فيمن يدعي ان الله تعالى نصّ عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ).

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه لزيد بن علي فضائل كثيره عن غير الرضا أحببت إيراد بعضها على أثر هذا الحديث ليعلم من ينظر في كتابنا هذا اعتقاد الامامية فيه [3] .

من ناحية السند: الرواية من ابناء العامة سندها غير معتبر، لا نستطيع الاخذ بها، لكنها مؤيدة بروايات أخرى عديدة بمضمون قريب، مع ما ذكره الصدوق في مدح زيد.

ومن حيث الدلالة: وهذا النّص في الرواية سيوضح معنى الروايات التي وردت في ذم زيد. والصدوق في هذه الرواية ينقل اجماع الاماميّة بشكل عام ماذا يقولون في زيد وانه ليس مذموما.

الجمع بين الروايات:

يقول الفقير إلى رحمة ربّه والسداد: ثم إننا يمكننا الجمع بين الروايات بأن نقول:

إن الثورة على الظالمين مشروطة عقلائيا وشرعا بأمرين:

الاول: معرفة القائم بالثورة وعدالته ومنهجه وشرعيته.

الثاني: احتمال الوصول إلى الغرض والغاية والهدف.

وهذا الأمر الثاني مخصص بأمر عقلائي وهو بما لو وصل الظلم إلى درجة لا يستطيع العقلاء تحملها بحيث يكون التحمّل خارج قدرة البشر، فحينئذ يجوز الخروج وإن علم الثائر الخارج بأنه سيقتل ولن يصل إلى هدفه. وإلى هذا يشير قول الإمام الصادق (ع): " إن كنت ترضى أن تكون المصلوب بالكناسة فاخرج ".

أي أن خروج زيد لن يوصل إلى نتيجة، ولذا لا يكون جائزا، إلا ان الأمر وصل بزيد إلى حدّ انه لا يستطيع عقلائيا تحمل الظلم، بحيث يكون النهي عن الخروج ظلما لزيد نفسه، لأن النفس البشرية لا تستطيع تحمل هذا المستوى من الظلم.

وعلى هذا يحمل قول الإمام (ع) لمؤمن الطاق: " لقد أخذته من بين يديه ومن خلفه ............." أي لقد بيّنت لزيد أنك لن تصل إلى نتيجة، وبيّنت كل الأدلّة على ذلك، ولكن إذا أرادت أن تخرج فاخرج.

فالثورة ضد الظلم مع القائد العادل والعلم بمقتله وعدم وصوله للغاية، تجوز في حال وصول الظلم إلى الحد المذكور ولا يعدّ انتحارا محرما، وهكذا نجمع بين الروايات الناهية عن القيام والآمرة به، وإذن الإمام (ع) لزيد بالخروج بقوله: " هذا شأنك ".

وبهذا تخرج الرواية عن معارضة الروايات والأقوال الكثيرة الشاهدة بجلالة زيد.

والنتيجة: زيد بن علي بن الحسين (ع) رجل جليل صالح وثقة ممدوح ذو شأن.

غدا ان شاء الله نبحث في مسند زيد.

 


[1] اصول الكافي، الكليني، ج1، ح5، ص174.
[2] سورة القرة، آية 159.
[3] عيون اخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج2، ص225.