الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ذكر بعض الفوائد في لعلم الرجال:

    1. تعارض قول النجاشي مع غيره من علماء الرجال ومنهم الطوسي (ره)؟

    2. وفيه ثلاثة اتجاهات:

    3. بعد التوقف القسري نعود إلى بحوث علم الرجال وقد انتهينا من القواعد العامّة والخاصّة وهي أهم شيء في علم الرجال. بحثنا في المقدمّة في الحاجة إلى علم الرجال، وبعض الإشكالات التي ذكروها من جملتها توثيقات الأقدمين وتوثيقات المتأخرين مدى اعتبارها وانها عن حدس أو عن حدس. ثم بدأنا بالتوثيقات الخاصة التي هي ستة، ثم بدأنا بالتوثيقات العامّة وبحثنا حوالي عشرين توثيقا، وقسمناها إلى قسمين: توثيقات في الوصف وتوثيقات في من تلبس أنه لا يروي إلا عن ثقة. والحمد لله عز وجل بان وفقني لبحث في مشيخة الصدوق (ره) لانها مسألة مهمّة في الاستنباطات، الصدوق (ره) حتى لا يتكرر منه السند دائما أخّر كل المشيخة إلى آخر الكتاب، وصارت المشيخة بذاتها عنوانا وكذا مشيخة الطوسي (ره). ثم توسع الموضوع إلى أن جعلنا هذه البحوث في كتاب كامل سميناه الوجيز النافع في علم الرجال، هو وجيز لان الاشياء التي لا ثمرة لها كبيرة اشرنا لها اشارات، مع زيادات في بعض الابحاث الأهميّتها.

قسّمنا الوجيز إلى مقدمات: الحاجة إلى علم الرجال، والتوثيقات الخاصة والتوثيقات العامّة، بعد الانتهاء منها بدأنا بالفوائد

    4. الفائدة الأولى:

إذا تعارض قول النجاشي مع غيره من علماء الرجال ومنهم الطوسي (ره)؟

وفيه ثلاثة اتجاهات:

إشتهر تقديم قول النجاشي، أي إذا ضعّف النجاشي والطوسي وثّق أو العكس، إعتبروا النجاشي في علم الرجال هو المرجع، ، بعضهم ذهب إلى عدم التقديم، بعضهم ذهب إلى تقديم النجاشي، وبعضهم ذهب إلى التوقف، وانا من المتوقفين لا أقدم قول النجاشي ولا اعتبره.

الإتجاه الأول: ذهب جمع إلى عدم التقديم حتى مع الظن بقول النجاشي وأرجحيته، وهذا مبتن على عدم تقديم الأقوى ظنا عند تعارض الأدلة، بل إلى التساقط لان بعضهم يقول ان الحل هو التخيير.

الاتجاه الثاني: تقديم قول النجاشي نظرا إلى تقديم الأقوى ظنا، وقد ذكرت وجوه لإثبات هذه الدعوى ذكر معظمها السيد بحر العلوم في رجاله:

منها: تأخر تصنيف كتاب النجاشي عن كتابي الشيخ في الرجال، أي " الفهرست والرجال ".

ولد النجاشي في صفر عام 372ه وتوفي سنة 450 ه. والشيخ الطوسي (ره) ولد في رمضان سنة 385ه وتوفي سنة 460ه، لكن كتاب النجاشي تأخر عن كتاب الطوسي كما يظر من ترجمة النجاشي للشيخ رجاله، وعدم ترجمة الشيخ للنجاشي في كتبه، وهو غريب لأنه من مشايخه كما حكي عن إجازة العلامة الكبيرة.

يقول الشيخ آصف محسني (ره): هناك مشكلة ينبّه عليها السيد الأستاذ دام ظله (أي الخوئي (ره)) في معجمه وهو قول النجاشي في ترجمة محمد بن زهرة بن جمزة العلوي يقول: "مات (ره) يوم السبت في السادس عشر من رمضان سنة 463ه، ودفن في داره " ويمكن حمله على اشتباه القلم.

وقد خالف النجاشي الشيخ في كثير من المواضع، والظاهر في مواضع الخلاف وقوفه على ما غفل عنه الشيخ.

وفيه: إن كان التوثيق عن حدس فلا عبرة بالأسبقية، وإن كان عن حس فلعلّ النجاشي لم يطلع على سند الشيخ في التوثيق، إذ كان كثير من توثيقاته لم يذكر سندها، وعليه لا تكون الأسبقيّة سببا، نعم تطور العلوم يقتضي اتكال الاحق على السابق ويطوّر.

ومنها: ما عُلم من تشعب علوم الشيخ (ره)، وهو يقتضي تقسيم الفكر أو تشتيته وتوزّع البال، ولذا كثر عليه النقض والإيراد، بخلاف النجاشي، فانه عني بهذا الفنّ واختص به، فجاء كتابه أضبط وأتقن.

وفيه: إن العلوم مرتبطة ببعضها، وأحدها مقدمة للآخر أو يسانده، بل قد يؤدي إلى دراية أوسع، وهذه منقبة في الطوسي، أنظر إلى الشيخ الرئيس ابي علي ابن سينا، الذي كان مبدعا ومتميزا في أكثر أو كل علوم عصره، ففي الطب كان متقدماً رغم وجود الكثيرين ممن اختصوا بالطب. وكذا لو كان الشيخ أوسع فكراً وأكثر ذكاءً وحفظاً فيمكن أن يكون أكثر إتقاناً لأكثر من علم.

ومنها: استمداد هذا العلم من علم الأنساب والآثار وأخبار القبائل، وهذا ما عُرف به النجاشي لما يظهر من إستطراده بذكر الرجل أولا وإخوانه وأجداده وبيان أحوالهم.

وفيه: أنه لا علاقة لذلك بالتعديل والجرح، إلا إذا قلنا إن العشيرة والبيت دليل على التوثيق والتضعيف لأن الإنسان ابن بيئته، وهذا لا نسلّم به، لأن المؤثر في تربية الإنسان هو امتداده الفكري والثقافي.

ومنها: كون أكثر الرواة عن الأئمة (ع) من الكوفة ونواحيها، والنجاشي كوفي من وجوه أهل الكوفة، فهو أخبر بأهلهم، فان أهل مكة أدرى بشعابها.

وفيه: إن النجاشي ولد قرب سامراء، ثم إن تلاميذ الامام الصادق (ع) كان أكثرهم بين المدينة والكوفة، ثم إن الأصحاب ما بعد الامام الكاظم (ع) كان أكثرهم ما بين بغداد وطوس وسامراء، نعم لا يبعد أن يكون أكثرهم من أصول كوفية، لكن الذي يكشف الملكات النفسية هو العِشرة لا الجذور النسبية.

ومنها: ما اتفق للنجاشي من صحبة الشيخ العارف بهذا الفن الخبير بهذا الشأن أحمد بن الحسين الغضائري، فقد أخذ عنه وقرأ عليه، ولم يتفق ذلك للشيخ الطوسي (ره)، وكذا صحبة غير الغضائري من المشايخ كالسيرافي وأحمد بن محمد الجندي وأبي فرج الكاتب وغيرهم.

وفيه: أن الطوسي كان يعرف ابن الغضائري جيدا، ويدلّ على ذلك قوله عن كتابيه وغيرهما أن له نسخة واحدة وتلفت، مما يدلّ على معرفة جيدة وقد تصل إلى الصحبة. ثم إن الطوسي صحب عددا من الأجلاء وتتلمذ عليهم كالمفيد والمرتضى.

ومنها: الأغلاط التي نُقض بها على الشيخ، كتعارض أقواله في شخص كسالم بن مكرم الجمال وسهل بن زياد وأحمد بن هلال وعبد الله بن بكير، حتى قال المحدث البحراني في اللؤلؤة: " وقلّما يسلم خبر من أخبار الكتاب المذكور من سهوٍ أو تحريف بسنده أو متنه ". [1]

وفيه: إن اختلاف القول قد يكون عن اضطراب، وقد يكون عن العثور على معلومة جديدة، وقد يكون عن تغيّر في الرأي ناتج عن استمرار البحث والتدقيق والتحليل. والأخيران منقبة لا مثلبة.

ومنها: شهادة بعض الأجلاء بان النجاشي أضبط، كالمجلسي الذي قال: " ولكنه أثبت من الجميع كما يظهر من التتبع التام " [2] وكالشهيد الثاني حيث يقول في المسالك: وظاهر حال النجاشي انه أضبط الجماعة واعرفهم بحال الرجال . [3]

وفيه: إن هؤلاء الأعلام البعيدون عن عصر النجاشي والطوسي لم يبيّنوا لنا القرائن التي اتكلوا عليها للحكم بأضبطية النجاشي.

والنتيجة: أن هذه الأوجه التي ذكروها لا تصلح دليلا مرجحا، مع ملاحظة أن الطوسي له ثلاثة كتب في الرجال هي: الفهرست والرجال والاختيار، والثلاثة من الكتب الأساسية القديمة المعتمدة.

الإتجاه الثالث: التوقف، وهو المختار، فإذا تعارضت الأقوال من الأعلام من دون مرجّح حجة ومعتبر، فلا بد من التوقف وعدم الأخذ بأي القولين لعدم الدليل.

 


[1] لؤلؤة البحرين، يوسف البحراني، ج1، ص65.
[2] روضه المتقین، المجلسي‌، محمد تقى، ج14، ص331.
[3] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج7، ص467.