الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة المشايخ الثقات.

     تلخيص البحث عن القاعدة.

     بقي نقطتان: ما هو المراد من كلمة " واضرابهم " فمن هم هؤلاء.

     ما حال من روى عنهم صفوان والبزنطي من الضعفاء.

قبل ان نلخص الكلام في قاعدة مشايخ الثقات هناك نقطة يجب البحث فيها وهي التالية: ما المراد من قول الطوسي (ره) " واضرابهم؟ من هم هؤلاء الاضراب والامثال. يبقى هنا مسألة: عندما يقول الشيخ الطوسي (ره): " هؤلاء عرفوا – يعني حسا لا حدسا – بانه لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، مثل صفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم " ما المراد من قوله " اضرابهم "؟ من هم امثال ابن ابي عمير؟ الثلاثة نص عليهم، لكن من هم هؤلاء الاضراب؟

بعضهم مثل السيد الخوئي (ره) واكثرهم فسّره باصحاب الاجماع، فنقض السيد الخوئي (ره) القاعدة برواية عبد الله بن المغيرة عن ضعيف. ونحن لم نقبل هذا التفسير عندما قلنا إن قاعدة مشايخ الثقات ليس منشؤها قاعدة اصحاب الاجماع، بل منشؤها الواقع الخارجي الذي لاحظه الشيخ الطوسي (ره) ونقله.

فإذن اصحاب الاجماع ليسوا هم المراد من مشايخ الثقات، إذن من هم؟

نقول: فلنستعرض اصحاب الاجماع، الذي ثبت عندي هو يونس بن عبد الرحمان انه لا يروي إلا عن ثقة، وطبعا هناك اخرون سنبحث في حالهم، كأحمد بن محمد بن عيسى، الطاطري، الزعفراني، مشايخ النجاشي وغيرهم.

ملخص ما مرّ: ان هذه القاعدة اولا هي حسية وليست عن اجتهاد " هؤلاء عرفوا بانهم لا يروون إلا عن ثقة "، " " عرفوا " ليس اجتهادا من الشيخ، بل ملاحظة، وهو خرِّيت هذه الصناعة وهو المحيط والاحاطة تعطي زخما. [1]

ثم ان هذه المسألة ليس منشؤها قاعدة اصحاب الاجماع " اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم " هذه القاعدة شيء ومسألة ان هؤلاء الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة رواية اخرى ودليل آخر ولا ربط بينهما، وليس الرابط بينهما كما قال السيد الخوئي ان كلمة " واضرابهم " هم اصحاب الاجماع، هذا الاستنباط غريب منه (ره) مع انه الدقيق المدقق المحقق والاصولي الكبير.

قلنا ان كلمة " اضرابهم " ليس المراد منها اصحاب الاجماع، بل اشخاصا آخرين محورهم " لا يروون إلا عن ثقة ". وقد قلنا إن دواعي النقل عن ضعيف متعددة، فقد يروي لاهمية شخصية الراوي، أو لأهمية الرواية، أو من باب من فمك ادينك كما ورد في رواية " ما أفلح قوم ولوا امرهم امرأة، ويحتج بها الامام (ع) فيقول: أما رويتم انه ما افلح وهكذا، فان الدواعي مرتبطة بالظروف وهي متعددة.

فان بعض الروايات فيها مضامين جليلة لوجدانيتها، وذلك مثل: " كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو" اعتبار الحديث قد يكون لقوة متنه، وذلك من قبيل ما ورد في دعاء الصباح " يا من دلّ على ذاته بذاته".

وعليه، فلا مانع من رواية راو كبير جليل حتى لو كان مثل زرارة بن أعين الذي هو من أركان الفقه، ولولاه لاندرس، فحتى لو كان بهذا المستوى، فانه لا مانع من روايته عن مجهول، أو ضعيف، بل وحتى عن كذّاب لمن يحتمل صدقه، إذ ليس معنى الكذاب انه يكذب دائما، فانه لا بد للكذاب من شيء من الصدق، وذلك لداع عقلائي يخدم رسالته.

اشكل على هذه القاعدة باشكالين اساسيين: اشكال على الارسال والاشكال بالرواية عن الضعفاء.

وقلنا ملخصا: اما الارسال بيّناه بانهم لا يرسلون إلا عن ثقة، مرسلات ابن ابي عمير هناك مرسلتان الشيخ الطوسي بنفسه يقول: " اول ما فيه انه مرسل " ذكر ذلك في مسألة الكر، وقبل المرسلة بصفحتين الشيخ الطوسي نفسه يستدل بمرسلة ابن ابي عمير على الكر، هذا مرسل وهذا مرسل لماذا في أحدهما لم يقل اول ما فيه انه مرسل دون الاخرى؟، السبب في ذلك ان القاعدة لا مانع من الاستثناء منها واختراقها بشرط ان يكون هناك مبرر، اختراق العام ليس فيه مشكلة لكن نحتاج إلى مبرر عقلائي أو احتمال مبرر عقلائي ومعه لا تسقط القاعدة، الاستثناء طبيعي مثل: " اوفوا بالعقود " ثم استثنى بـ " حرّم الربا " فقد يأتي شخص ويقول ان القرآن غير سليم لانه قال: " اوفوا بالعقود " يعني كل العقود وإذا به يقول: " حرّم الربا " فالقرآن يتناقض مع نفسه!!، نقول: هذه هي اللغة العربية وكذا بقية اللغات، فيها عمومات ويستثنى منها بمبرر فمع وجود مبرر فلا اشكال في الاختراق، حتى قيل ما من عام الا وقد خصّ. أما ما ذكره بعض الاساطين انه لا مانع ان يكون هناك عام ويستثنى منه واحد او اثنان، هذا الكلام لا نقبله منهم، لان كل عام لا يكون عاما إلا لملاك، " اوفوا بالعقود " فيها ملاك، يجب في كل عقد ان يكون فيه ملاك وجوب الوفاء ولا يخرج أي فرد إلا بملاك آخر مزاحم أقوى. المستثنى يحتاج إلى ملاك يخرجه من حكم العام. وهنا نفس الشيء " لا يروون ألا عن ثقة " وبالنتيجة للخروج من العاد لا بد من مبرر وإلا يقط العام.

استعرضنا روايات ابن ابي عمير لان السيد الخوئي ركز عليها، استعرض مجموعة ممن أشكل بالرواية عنهم، لكن اجبنا عن ذلك ان لكل منهم مبررا عقلائيا للرواية عنه او احتمال مبرر، لا تسقط القاعدة.

يبقى نقطتان: الاولى: ما حال الضعاف الذين روى عنهم صفوان بن يحي واحمد بن محمد بن ابي نصر النزنطي، حيث إننا استعرضنا من روى عنهم ابن ابي عمير.

الثانية: ما المراد من عبارة " واضرابهم " التي ذكرها الشيخ الطوسي (ره) في قوله " ممن عرفوا بانهم لا يروون لإلا عن ثقة" كصفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم" .

والنتيجة: ان هذه القاعدة تامة عندنا نرجع اليها عند الشك. وهذا معنى كونها قاعدة فلا يخرج منها إلا من ثبت ضعفه.

وكل عام وانتم بخير أسأل الله العفو والمغفرة والثواب عن كل ما قمنا به، لي ولكم. وأسأل الله التسديد فانني لا أبرأ نفسي، وأسأل الله صفاء النية وخلوصها، فان النفس أمارة بالسوء، أدعو لكم بخير الدارين: الدنيا والآخرة، وأسألكم الدعاء والمسامحة إن كنت قد قصرت في شيء.


[1] وهناك نظريتان في التقييم بعضهم يقول الاختصاص افضل حتى في الطب والهندسة، وبعضهم يقول الاختصاص افضل لان العلوم كل متكامل وكل علم يؤثر بالاخر.