الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عمرو بن جميع الزيدي، والمفضل بن صالح ابو جميلة.

     عمرو بن جميع الزيدي البتري.

     ابو جميلة المفضل بن صالح.

     اشارة إلى سبب تقديم قول النجاشي على قول الطوسي عند التعارض بينهما، وهو المعروف بين علماء الرجال، مع عدم تبني السيد الاستاذ لذلك مطلقا بل في حالات خاصة.

قلنا ان قاعدة مشايخ الثقات لا تسقط ككل العمومات إلا إذا تمّ استثناء برواية عن غير ثقة ولو براو واحد من دون مبرر أو احتمال مبرر عقلائي. ذكرنا ما اشكل على القاعدة من اشكالات آخرها أنه قد أخبر هؤلاء الثلاثة عن غير ثقة مثل وهب بن وهب الكذاب ويونس بن ظبيان وعلي بن حديد وغيرهم، وبيّنا هناك المبررات مما لا يؤدي الاخبار عنهم إلى سقوط القاعدة. من قبيل ما في تخصيص العمومات في القرآن: إذا قلت لك القرآن يقول: " اوفوا بالعقود "، ويأتي احد ويقول القرآن يتناقض مع نفسه لانه حرّم الربا والربا عقد. نقول ان الاستثناء ليس مشكلة وهو موجود بشكل طبيعي مع وجود ملاك آخر مزاحم. هذا التهجم غير العلمي ولا المنطقي على القرآن سمعته من بعض الفضائيات التي تحاول ان تشكك الناس بالاسلام وتقول انه يوجد تناقضات في القرآن. وكذلك هنا نفس الكلام الشيخ الطوسي (ره) يتناقض مع نفسه لانه قال: " ان الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة " فقد يقال كيف يقول ذلك وهو نفسه أي الشيخ الطوسي يروي عن ابن ابي عمير الذي يروي عن وهب بن وهب الكذاب. إذن سقطت هذه القاعدة. ونقول له: إن الخروج عن العام لمبرر عقلائي أمر لغوي عرفي عادي عند وجود ملاك مزاحم في الفرد المستثنى، حتى قيل: " ما من عام إلا وقد خصّ نعم من غير مبرر يسقط العموم .

واقول ان هذا النمط من الدفاع عن القاعدة ليس موجود في كتاب وقد يشار اليه.

عمرو بن جميع الزيدي البتري:

يقول الشيخ جعفر السبحاني في الملل والنحل ج7. البترية: هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي واصحاب كثير النواء، وإنما سمّوا بتريّة لأن كَثيًر كان يلقب بالأبتر، يزعمون أن عليا (ع) أفضل الناس بعد رسول الله (ص) وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ، لأن عليا (ع) ترك ذلك لهما، وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا، ولا يرون لعليّ (ع) إمامة إلا حين بويع، وحُكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان بعد الأحداث التي نقمت عليه.

وفي كشف الرموز للآبي: والبترية ينسبون إلى كثير النواء، وكان أبتر اليد، فسموا البترية، وهم القائلون بإمامة الثلاثة، ابي بكر وعمر وعثمان، وعلي (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وعلي بن الحسين (ع)، وزيد بن علي. [1]

من أصحاب الباقر والصادق (عليهما ) قاضي الريّ، قال عنه النجاشي: عمرو بن جميع الازدي البصري، ابو عثمان، قاضي الري ضعيف.

وضعفه الشيخ الطوسي وقال عنه إنه بتريٌ ضعيف.

ولننظر في روايته: ابن أبي عمير لم يرو عنه في الكتب الاربعة، بل روى عنه في معاني الاخبار، روى روايتين: إحداهما في حكم غير ملزم، والاخر في الإخبار بالمستقبل.

فقد روى الصدوق وفي ( معاني الأخبار ) - عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (ثقة) عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمرو بن جميع قال: قال أبو عبد الله عليه السلام. لا باس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين. [2]

وبهذا الاسناد: قال أبو عبد الله عليه السلام حدثني أبي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم. المطيطاء التبختر ومد اليدين في المشي.[3]

والتخلص من ذلك الاشكال كالتخلص فيما ذكرناه في الرواية عن العامي وهب بن وهب ابي البختري. فلا نعيد.

ابو جميلة المفضل بن صالح:

ورد عنه روايات كثيرة، هناك ايضا ابو خديجة وهو صالح ثقة ومشهور بالوثاقة.

وقد أشكل على القاعدة برواية بعض مشايخ الثقات عنه، حيث إنه كان ضعيفا في الرواية ولذا فلننظر في أمره.

ابو جميلة عامي وهو أبو علي مولى بني أسد، يكنى بأبي جميلة وكان نخاسا يبيع الرقيق، ويقال أنه كان حدادا. من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) والإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع).

هو عامي روى عن الخاصة والعامة، لا يختص بمذهب، كثير الحديث، روى عنه الترمذي وصحح حديثه لكنه يقول: " ليس بذاك الحافظ عند أهل الحديث "، والحاكم النيسبوري وثقه في مستدركه. والعامة مختلفون فيه.

عبد الله بن عدي صاحب الكامل في الضعفاء من أبناء العامة أنكر روايته في الحسن بن علي (ع) في قضية تقبيل البطن، وقال وأما سائر حديثه فأرجو أن يكون مستقيما. هذا بالنسبة إلى ابناء العامة.

أما بالنسبة لأصحابنا الخاصة فقد ضعّفه ابن الغضائري، والعلامة في خلاصة الأقوال، والشيخ الطوسي في الفهرست. ولا بأس بذكر ما قاله السيد الخوئي (ره) في أدلّة القدح وأدلة التوثيق بحق ابي جميلة.

يقول (ره) في معجم رجال الحديث تحت رقم: 12607 - المفضل بن صالح أبو جميلة:

قال الشيخ: " مفضل بن صالح، يكنى أبا جميلة، له كتاب (نوع من الاعتبار ان يكون له كتاب). وكان نخاسا يبيع الرقيق، ويقال إنه كان حدادا، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عنه ".وعدّه في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا: " المفضل ابن صالح أبو علي، مولى بني أسد، يكنى بأبي جميلة أيضا، مات في حياة الرضا عليه السلام ".وعدّه البرقي من أصحاب الصادق عليه السلام أيضا، قائلا: " أبو جميلة المفضل بن صالح الأسدي، مولى، نخاس، كان يبيع الرقيق ويقال: إنه حداد ".وتقدم عن النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد، قوله: " روى عنه جماعة غُمز فيهم، وضعِّفوا، منهم عمرو بن شمر، والمفضل بن صالح... " إلى آخر ما ذكره.

وقال ابن الغضائري: " المفضل بن صالح أبو جميلة الأسدي النخاس، مولاهم، ضعيف، كذاب، يضع الحديث، حدثنا أحمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا علي بن محمد بن الزبير، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال: قال: سمعت معاوية بن حكيم يقول: سمعت أبا جميلة يقول: " أنا وضعت رسالة معاوية إلى محمد بن أبي بكر ". وقد روى المفضل عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ". [4] هذه أدلة التضعيف.

بقي هنا أمران:

أدلة التوثيق: الأول:

أن المفضل بن صالح وقع في إسناد كامل الزيارات، فقد روى عن أبي أسامة زيد الشحام، وروى عنه محمد بن عبد الحميد العطار، الباب 17، في قول جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله إن الحسين تقتله أمتك من بعدك، الحديث 2.

الثاني: وقد تقدم وقوعه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم، كما تقدم في عنوان المفضل بن الصالح، وقد شهد بوثاقة جميع من وقع في إسناد كتابه.

ادلة التضعيف: ما ذكره النجاشي، من أن ضعف المفضل بن صالح كان من المتسالم عليه عند الأصحاب.

توثيق المحقق الوحيد له: ومع ذلك فقد مال المحقق الوحيد إلى إصلاح حاله، لرواية الأجلّة ومن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، كابن أبي عمير، وابن المغيرة، والحسن بن محبوب، والبزنطي في الصحيح، والحسن بن علي بن فضال، يشهد بوثاقته والإعتماد عليه، ويؤيده كونه كثير الرواية سديدة مفتى بها. (إنتهى).

أقول: مر غير مرة أن كثرة الرواية ورواية الأجلّة، وأصحاب الإجماع عن رجل لا تدلان على وثاقة الرجل، نعم بلا شك هي مؤيد قوي ولكن ليست دليلا مستقلا قائما بنفسه على الوثاقة.

هناك نقطة وهي ان توثيق العلامة ليس بدليل لا يقدّم ولا يؤخر ولكن لا نستطيع ان نغض النظر عنه كليا فهو مؤيد. [5] [6]

ان شاء الله غدا نكمل هذا الكلام.

 


[1] كشف الرموز، الفاضل الآبي، ج2، ص50.
[2] و 2 معاني الاخبار، الشيخ الصدوق، ص301.
[3]  .
[4] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج19، ص311.
[5] ردا على سؤال أحد الطلبة في توثيقات العلامة.
[6] ردا على استفسار أحد الطلبة عن سبب تقديم قول النجاشي على قول الطوسي في الرجال، وهو المتعارف بين علماء الرجال. اجاب السيد الاستاذ: النجاشي أو الشيخ الطوسي كبار، إذا تعارضا، وما اشتهر أو يقال يقدم النجاشي على الطوسي لعدّة أمور منها انه قيل انه أهل اختصاص، ومنها انه كوفي وصاحب الدار ادرى بالذي فيه، هذه كلها ليس لها قيمة ويمكن ان يكون هناك شيء وهو ان النجاشي اطلع على كتابي الطوسي وكتاب الفهرست وكتاب الرجال. فقد يكون بعض الخلل عند الطوسي والمفروض ان يكون قد تجنبه. كل هذه ليست ادلة عندما يتعارض الخبران في أمر غير حكم يتساقطان، نعم إذا اطررنا ان نعمل باحدهما نعمل ما كان توثيقه أقوى ولو ظنا واعدم ببحث خاص حول هذا الموضوع في المستقبل القريب إن شاء الله.