الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: وهب بن وهب

     طريقة العلاج قد يستغربها البعض.

     وهب بن وهب لا يوجد من وثقه، بل من يحتمل توثيقه.

     مبررات النقل عنه.

وهب بن وهب الكذاب بالاجماع لكنه لم يكن معروفا بالكذب قبل توليه منصب قاضي القضاة.

استغراب الفكرة لا يوجب رفضها: قبل البدأ اريد ان اذكر انه بمجرد ان تتلقى فكرة غريبة تستوحش منها، طبيعة البشر تستوحش من النظريات الغريبة كمسألة غياب الامام المهدي عجل الله فرجه، فانهم يرونها مسألة غريبة، وفي الواقع هي ليست غريبة، بل هي غير معتادة وهي ممكنة. لكن كل ما قرع سمعك فدعه في دائرة الامكان حتى يردك منه واضح البرهان. انا اعالج موضوع مشايخ الثقات بطريقة تستغرب عند البعض، فلا نستوحش منها. مثلا ان العام يمكن ان يخصص بمبرر عقلائي ويمكن ان يخترق بشرط مبرر عقلائي أو احتمال مبرر، هذه الطريقة بهذا الوضوح لعلّها ليست موجودة وهذا لا يعني ان نستوحش منها. إذا لم يكن هناك مبرر عقلائي او احتمال مبرر تسقط القاعدة كليا حتى ولو بفرد واحد. اما من دافع عن القاعدة بان استثناء الواحد او الاثنين من غير الثقات من هذا العموم ولا يروون إلا عن ثقة لا يخدش بالعموم، بعد ان روى ابن ابي عمير عن عشرات الثقات

ن إذ ما من عام إلا وقد خصّ. هذا الجواب غير تام لان استثناء فرد واحد كما ذكرنا، من دون احتمال مبرر عقلائي يكفي لاسقاط القاعدة.

وهب بن وهب:

يقول المير داماد الاسترآبادي في تعليقه على اختيار معرفة الرجال ج2: كان قاضي القضاة ببغداد لهارون الرشيد، كان عامي المذهب، وكان كذابا، له أحاديث واقاصيص مع الرشيد في الكذب. قاله النجاشي (رجال النجاشي 336).

وفي نفس المصدر روايات متعارضة في زواج الامام الصادق (ع) بأمه ( أم وهب )، حيث يروي الكشي عدمه، ويقول النجاشي وابن داوود بذلك ( أي بزواج الامام أم وهب).

وفي نفس المصدر في حديث تحت رقم 588، عن الفضل بن شاذان: كان ابو البختري من أكذب البريّة والظاهر أنه ضعفه في الحديث.

ولكن فلننظر إلى رواية ابن أبي عمير عنه: هي رواية واحدة في الكتب الاربعة وردت في صلاة الاستسقاء، رواها الشيخ بسنده: عن محمد بن علي محبوب، عن محمد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (ع) عن ابيه، عن علي (ع) أنه قال: مضت السنّة انه لا يستسقى إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المسجد إلا بمكة.

وأهم إشكال على القاعدة بالنسبة للرواية عن الضعفاء هو الرواية عن وهب بن وهب وذلك للإجماع على وصفه بالكذاب.

ويمكن التخلص من هذا النقض بأمور الواحد منها يكفي:

أ‌- أن ابن أبي عمير روى عن وهب عندما كان ثقة في نظره وقت تحمُّل الحديث [1] ، ثم إنه صار يكذب لمصلحة الرشيد عندما عيّن قاضيا للقضاة، كما في حال زياد بن ابيه الذي كان واليا لعلي بن ابي طالب (ع)، وعمر بن سعد الذي وصل امره إلى قتل الامام الحسين سيد الشهداء(ع) بعد ان كان يلقب بحمامة المسجد، فإن حاله قبل الولاية على الكوفة يختلف عن حاله بعدها.

ب‌- ذكرنا أن هؤلاء الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة من باب إيصال الواقع إلى الناس وليس تعبدّا، بل هو داعٍ.

ولذا، قلنا إنه يُحتمل أن ذلك هو في خصوص العقائد والاحكام الالزامية والمعاملات بل من القريب جدا الانصراف الى خصوص هذه الامور، ولذا ففي غير الالزامية فلا مانع من ذلك، وذلك للتسامح في أدلة السنن طبعا إذا لم يعلم كذب الرواية. وإن كان هذا الوجه – أي في غير الالزامي - بعيد لأهمية الاستحباب ايضا. نعم لا مانع من رواية الامور غير الشرعية كالأمور التاريخية وأعمار الانبياء وذكر بعض الحوادث إذا كان لا يعلم كذب الرواية.

ج- اتكال ابن أبي عمير على روايات أخرى في استحباب الإصحار، أي ان وهب بن وهب لم يتفرد بالنقل. ففي الوسائل، ح2: محمد بن علي بن الحسين في عيون الاخبار عن محمد بن القاسم المفسّر، عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد السيّار عن ابويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه، عن الرضا (ع) في (حديث) إن المطر احتبس فقال له المأمون: لو دعوت الله عز وجل؟ فقال له الرضا (ع): نعم. قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة، فقال: يوم الاثنين، فان رسول الله (ص) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (ع) فقال: يا بني انتظر يوم الاثنين، وابرز إلى الصحراء واستق، فإن الله عز وجل سيسقيهم إلى أن قال: فلما كان يوم الاثنين خرج إلى الصحراء ومعه الخلائق... الحديث.

فلعلّ ابن أبي عمير اتكل فيه على كونه أمرا مستحبا، وقد روى عن الائمة (ع) من غير رواية أبي البختري، فروى ذلك أيضا عن ابي البختري. صرح بهذا المبرر الثالث الشيخ الطوسي عند ذكر علي بن حديد حيث قال: " انه ضعيف جدا لا يعول على ما ينفرد بنقله " يعني إذا لم يكن ينفرد بنقله يكون من المؤيدات.

وقد قلنا: إن الخدش بالقاعدة لا يتم مع احتمال وجود مبرر للرواية عن الضعيف.

د- ذكرنا سابقا أن من مبررات النقل عن ضعيف كونه شخصية دنيوية لها شأن في المجتمع مع ظهور وشيوع كذبه. قاضي قضاة بغداد ثالث شخصية في اكبر واغنى وأقوى دولة على وجه الارض، فيتكل الراوي على ذلك لدفع الناس للتدقيق بالرواية، أو من باب من فمك أدينك، أو لأغراض أخرى تختلف باختلاف الظروف والدواعي وهذا كمن جعل أبا جعفر المنصور الدوانيقي الكذاب من أصحاب الامام الصادق (ع) والرواية عنه.

إذن في وهب بن وهب الكذاب وان لم يكن مجال لتوثيقه لكن يمكن أن يكون هناك مبرر للنقل عنه. فلا تسقط القاعدة " لا يروون إلا عن ثقة " بالرواية عنه.

 


[1] أي انه منافق، يقال: "ما خانك الامين ولكن ائتمنت الخائن " كان ظاهره انه رجل صالح.