الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     الحسين بن احمد المنقري.

     كثرة رواية المنقري عن داوود الرقي.

     داوود الرقي ضعفه النجاشي ووثقه الطوسي وهما متعاصران وعلمان؟!

     تخريج هذا التعارض.

     الرد على ما عرف عند أهل العلم من تقديم كلام النجاشي على كلام الطوسي، واشارة إلى الدليل على ذلك باختصار.

     مظلومة الشيخ الطوسي في هذا المجال.

قلنا ان قاعدة مشايخ الثقات " لا يروون إلا عن ثقة " مجرد رواية ابن ابي عمير عن كذاب لا تسقط القاعدة إذا كان هناك مبرر عقلائي. وهذه طريقة لمعالجة لهذا الموضوع، طريقة غريبة ليست موجودة في الكتب لذلك قد يستوحش منها البعض.

الحسين بن أحمد المنقري: روى عنه ابن أبي عمير عدّة روايات، وقد ورد في الكتب الاربعة منها خمس روايات، هو من اصحاب الباقر والكاظم (ع) كما في رجال الشيخ.

قال السيد مير داماد الاسترآبادي في تعليقته على الكشي ج 2: هو الحسين بن أحمد المنقري، كما قاله جمال الدين بن طاووس في اختياره، وهو ضعيف، ضعفه النجاشي والشيخ رحمهما الله تعالى.

وهنا نتساءل كيف يروي عنه ابن أبي عمير الذي لا يروي إلا عن ثقة كما ذكر الشيخ الطوسي (ره)؟

نقول: يحتما ان يكون التضعيف عند النجاشي والشيخ له من باب التضعيف في العقيدة لا في نقل وهذا الاحتمال معقول.

قرينة هذا الاحتمال: إن الحسين بن احمد روى عن داوود الرقي، وداوود الرقي هو من الغلاة وروى عنه الغلاة، ضعفه النجاشي ووثقه الطوسي، مع ملاحظة ان هذين العلمين: الطوسي والنجاشي متعاصران، فالنجاشي توفي سنة 450 هجرية والطوسي توفي سنة 460 هجرية، ومن الغريب اجتماع نقل تضعيف وتوثيق من علمين متعاصرين في زمن واحد! والتعارض بين هذين العلمين وإن لم يكن محالا أو أمرا صعبا نادرا، لكن إذا أمكن رفعه فهو أولى.

رفع التعارض: يكون بحمل تضعيف النجاشي على التضعيف في العقيدة. وما يشير إليه - وإن لم يصل لمرحلة القرينية - إلا أنه يثير الاحتمال.

ما يشير إلى حمل تضعيف النجاشي على التضعيف في العقيدة: فلنلاحظ كلمات الطوسي والنجاشي وابن الغضائري – كتاب ابن الغضائري الذي بين ايدينا موضوع، ومكذوب على لسانه - . هذا على رأينا وقد ذكرنا قرائن ذلك في بحث والكتاب الحقيقي قد اختف وتلف نسخته الوحيدة.

الطوسي يقول: داوود الرقي مولى بني أسد، وهو ثقة من اصحاب أبي عبد الله الصادق (ع).

النجاشي يقول: داوود الرقي ضعيف والغلاة تروي عنه.

ابن الغضائري – الذي لا نعتبر كتابه المدعى المنسوب إليه الذي بين ايدينا دون الاصلي الذي اختفى أصلا -: داوود بن كثير بن أبي خالد الرقي مولى بني أسد روى عن ابي عبد الله (ع) كان فاسد المذهب ضعيف الرواية، لا يلتفت إليه.

كلام النجاشي قد يشير إلى كون التضعيف بسبب الغلو، والمنقولات التي فيها غلو، يشير إلى ذلك قوله: والغلاة تروي عنه.

ولذا يكون الجمع بين تضعيف النجاشي لداوود الرقي وتوثيق الطوسي بحمل التضعيف على العقيدة وبانه فاسد المذهب محتملا جدا، وحمل التوثيق على النقل. الاحتمال يكفي في بطلان الاستدلال على اسقاط القاعدة.

ونعود إلى الحسين بن أحمد المنقري: فهذا يقول عنه النجاشي: كان ضعيفا، ذكر ذلك اصحابنا رحمهم الله، روى عن داوود الرقي وأكثر. فإذا جمعنا هذا الكلام مع ما ذكر في تضعيف شيخه داوود الرقي الذي قال عنه: " ضعيف جدا والغلاة تروي عنه "، فيمكن ان يكون الحسين أبن أحمد أحد الغلاة الرواة عنه، ويكون المراد من تضعيف داوود هو عينه المراد من تضعيف الحسين بن أحمد المنقري، أي تضعيف في العقيدة.

وبالتالي: هذه إشارات لا تقدح بما نقله الشيخ الطوسي من أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، خصوصا بعد ملاحظة توثيقه لداوود الرقي شيخ الحسين بن أحمد المنقري، وكان الطعن بالحسين بن أحمد بسبب روايته الكثيرة عن داوود المغالي.

على هذا: ان هذه القاعدة " لا يروون إلا عن ثقة " هي نقل حسي من الشيخ الطوسي (ره) وليس حدسيا وليس اجتهادا منه، ومع النقل الحسي نقول: كل نقل حسي لا يسقط إلا بنقل معارض أو باختراق لا مبرر له عقلائيا اي بدون احتمال مبرر.

تعارض النجاشي والطوسي والرد على من قال بتقديم النجاشي على الطوسي: ثانيا: النجاشي والطوسي علمان متعاصران عندما يكون بينهما تعاض في النقل يجب ان نبحث لماذا تعارضا؟ وقد عرف عند أهل العلم تقديم كلام النجاشي على كلام الطوسي إما لان النجاشي قد اختص بعلم الرجال اما الشيخ الطوسي فله كتب في عدة مجالات منها الفقه والتفسير والحديث بالاضافة إلى علم الرجال، والناس عادة تقدّم اهل الاختصاص على غيرهم. والجواب إن هذا الادعاء في غير محله، فصاحب الدائرة العلمية الواسعة يكون اشمل واقوى، وهذا محل بحث عند أهل العلم: هل الاختصاص أولى، أو الثقافة الواسعة، باعتبار ارتباط العلوم بعضها ببعض؟

وقيل: لان النجاشي ادرى باهل الكوفة وأهل مكة أدرى بشعابها.

والجواب: غرابة هذا الكلام مع معرفة الشيخ الطوسي الواسعة وعلاقته باهل بغداد.

وقيل: إن الطوسي متساهل ولخ أخطاء كثيرة.

والجواب: هذا ظلم للشيخ الطوسي (ره) ، أما الاخطاء فيكاد لا يخلو منها كتاب علمي، إذ ليست الكتب العلمية قرآنا منزلا معصوما، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأما نفس التساهل فهو ادعاء، وأذكر لكم باختصار أحدها، وهو نقل الشيخ الطوسي الاجماعات المتعارضة في المسألة الواحدة، وقد ذكر صاحب الحدائق البحراني (ره) أنه كانت لديه رسالة ألفها الشهيد الاول وقد ضبط فيها سبعين مسألة فيها نقل اجماعات متعارضة والناقل هو الشيخ الطوسي. وقد ضاعت الرسالة لكثرة التنقلات.

تخريج هذه الاجماعات: التخريج الذي خرجته بالنسبة إلى الاجماعات - وذكرته في كتابي طفل الانبوب والاستنساخ - ان الشيخ الطوسي يقول بقاعدة اللطف، يعني انه في زمن واحد إذا اتفقت الطائفة على حكم يسمى عنده اجماعا. ولا مانع من وجود اتفاقين مختلفين في زمنين فيكون إجماعان عنده (ره) نستطيع تخريج الاجماع على عدم حجية خبر الواحد عند السيد المرتضى والاجماع على حجيته عند تلميذه المعاصر له وهو الشيخ الطوسي.

لاحظوا الآن نحن في عصرنا خلال ثلاثين سنة تغيّرت الكثير من الاجماعات مثلا: قبل ثورة الامام الخميني (ره) في ايران كان الدخول في السياسة لعالم الدين امر مشين وحرام، والمتدخل بالسياسة كاد يعدّ فاسقا. بعد السيد الخميني انقلب الجو وصار الذي يدخل بالسياسة امر عادي. ومثال آخر: كان التلفاز عند المؤمنين حرام والذي لديه تلفاز يعتر فاسقا، اما الآن اصبح شيئا عاديا، فيمكن حينئذ تغير الاجماع علة امر معيّن. والشيخ الطوسي (ره) عندما نقل اجماعين كما الآن تستطيع ان تقول انه اجماعا في عصر معيّن كان التلفاز حرام والآن اجماعا حلال. لماذا اتهم الشيخ الطوسي بانه متساهل وهو شيخ الطائفة، او انه بالروايات ليس مختص. هذا الكلام ما انزل به من سلطان، وهو ظلم للشيخ الطوسي، وهذا التخريج للاجماع منا الذي لم اجده في مكان فليقل احد انه غير صحيح.