الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     القاعدة لا تسقط بالاخبار عن الضعاف إلا مع عدم المبرر ومع عدم احتماله.

     علي بن ابي حمزة البطائني واقفي وثقه الشيخ الطوسي.

     نظرية جديدة في الواقفة.

     مؤيدات للتوثيق.

     ادلة التضعيف.

تذكير بان العام لا يسقط بمجرد الاختراق ببعض الافراد إذا كان الاختراق لمبرر عقلائي: قاعدة مشايخ الثقات وهي ان صفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم لا يروون الا عن ثقة اشكل عليها بعدة اشكالات منها ان هؤلاء قد رووا عن الضعاف بل عن كذابين. السيد الخوئي (ره) ذكر حوالي عشرة اسماء من الضعاف. قلنا ان هذا الاشكال صحيح لكن العموم لا يسقط إلا بفرد غير مبرر، اما إذا كان مبررا فلا يسقط العام ومثال على ذلك: إذا نقل احدهم ان الشيخ فلان لا يدخل إلى مكان يباع فيه الخمر، فإذا وجدته مرّة واحدة قد دخل إلى مكان يباع فيه الخمر اتساءل كيف اخبرني انه لا يدخل إلى هكذا أمكنة؟!. الا يسقط هذا النقل.

حينئذ، نعم هو لا يسقط مع وجود مبرر عقلائي او احتماله، كالدخول لانقاذ طفل.

إذن إذا استثنيا فردا واحدا من الف من دون احتمال مبرر لهذا الاستثناء يسقط العموم من اساسه، اما مع احتمال المبرر فلا يسقط العموم ولا تسقط القاعدة.

السيد الخوئي (ره) وغيره عندما ابتلي باشكال الرواية عن الضعاف جعله اشكالا قويا واتى بالرواية عن عشرة من الضعاف واسقط القاعدة. وبعضهم حاول ان يدفع ويرد الاشكال بانه لا يضر الواية عن ضعيف أو اثنين من أصل المئات فانه ما من عام والا وقد خص. هذا الجواب ايضا غير صحيح، العام إذا استثني منه فرد واحد فقط سقط الا إذا كان هذا الاستثناء لمبرر عقلائي، ومعنى المبرر ان الاستثناء لا يكون إلا في فرد شمله ملاك آخر غير ملاك العموم، مثلا: " اكرم العلماء " لان العالم إذا اكرمنه ينتشر العلم " ولكن زيد العالم إذا اكرمته سينتشر الفساد، إذن هناك ملاك او مفسدة اخرى تنافس مصلحة العلم بل تزيد عليها لذلك يقع الاستثناء. هنا نفس الشيء إذا كان هناك مبرر أو احتمال مبرر عقلائي للإستثناء حينئذ القاعدة تبقى.

علي بن ابي حمزة البطائني: اشكل السيد الخوئي (ره) بالرواية عن علي بن ابي حمزة البطائني شيخ الواقفة وعمادها، الواقفة وقفوا عند الامام موسى بن جعفر (ع) يؤمنون بامامته ولا يؤمنون بإمامة الرضا (ع)، والواقفة من كبار علماء الشيعة وفقهائهم مثل عثمان بن عيسى، وسماعة بن مهران، وزياد القندي، وغيرهم، فعلي البطائني هو من كبارهم وعمادهم، وكان عنده ثلاثون الف دينار ولم يسلمها للإمام (ع).

أدلة توثيق البطائني: علي بن حمزة البطائني وثقه الشيخ الطوسي (ره) نصا صريحا، شهد الشيخ الطوسي (ره) بوثاقته باسمه حيث يقول في العدّة: ج1: واما إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية وغيرهم نظر فيما يروي، فإن كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم وجب العمل به، وإن كان خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين وجب إطّراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرّزا في روايته موثوقا في أمانته، وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد. ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى... [1]

هنا الشيخ الطوسي (ره) في العدّة نصَّ على وثاقة علي بن أبي حمزة. فإذن " عُرفوا بانهم لا يروون إلا عن ثقة " لا تخدش بعلي بن ابي حمزة في رأي الشيخ (ره).

ثانيا مؤيّد للتوثيق: عاش تقريبا 40 سنة مع الامام الصادق والكاظم (عليهم)لم يبدر منه سوء، وكان حسن السيرة، ولا ريب أن الروايات كتبت ونقل معظمها في زمن استقامته، ثم بعد ذلك وقف على الامام الرضا (ع) وهي سنين قليلة.

ثالثا: وقع في أسانيد كامل الزيارات لابن قولويه، وهو من التوثيقات العامّة.

رابعا: روى الشيخ الطوسي (ره) أن له أصلا، رواه عنه صفوان وابن أبي عمير والنزنطي، هؤلاء من مشايخ الثقات. كثرة الرواية عنهم لا بد لها من مبرر. وذكرت هذه الادلة من باب المؤيد.

وروى عنه الثقات كالحسن بن محبوب (بعضهم اعتبره من أصحاب الاجماع)، وفضالة، وعلي بن أسباط، وجعفر بن بشير البجلي. هؤلاء من كبار الثقات رووا عن البطائني وهذا مؤيد بقربك من الاطمئنان إلى وثاقته.

خامسا: انه بقي شيعيا مواليا إلى الكاظم (ع) لم يصبح كاذبا ومرتدا وكافرا، توقف عند الرضا (ع) إما لشبهة، وإما لسياسة، أو لطمع، وهذا لا يعني ضعفه.

ادلة ضعف البطائني: وادلة الضعف عند البطائني هي ثلاثة: اولا: انه كان واقفيا، ثانيا: ثم الرواية عن الرضا (ع) انه يمتلأ قبره نارا. والروايات الدالة على ضعفه في العقيدة مثل كونه واصحابه كالكلاب الممطورة، ثالثا: ان ابن فضال يقول انه كذاب ملعون ضعيف في الرواية.

الواقفة يحتمل انها ليست حركة انحرافية: اما الدليل الاول الواقفة، عندي نظرية لا اتبناها لكني احتملها احتمالا قويا، وهي أن الواقفة حركة سياسية امنية خطط لها الامام الكاظم (ع) شخصيا للحفاظ على حياة الرضا (ع) وليست حركة انحرافية، من اهم الاشكالات من ابناء العامة علينا ان فقهاءنا اتباع المال ذكر ذلك ابو زهرة وهو من كبار فقهاء الازهر في كتابه عن الامام الصادق (ع)، فلاجل المال توقفوا وهذه مذمة في نفوس علماء الشيعة.

لا اذكر ذلك لاني اريد دفع اشكال ابناء العامة، لكن اريد ان ارد الاشكال كعملية استنباطية، ملخص الوقف انه حركة امنية، وهذا احتمال قوى لا اتبناه على نحو القطع. ان هذه حركة امنية للحفاظ على حياة الامام الرضا (ع) وذلك بادلة. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. [2]

وبدليل رواية على بن ابي حمزة البطائني نفسه يقول ويروي عن الامام الكاظم (ع) انه قال له: "يا علي انت واصحابك اشباه الحمير". هذا الذمّ هو نفسه ينقله عن امام معترف هو بعصمته وبإمامته الكاظم (ع)، أي انسان عاقل وبعظمة علي بن ابي حمزة وهو عماد هذا الحركة يروي هذا عن نفسه لو كان دنيويا؟! هذه الرواية التي استدل بها الكثيرون على ان ابي حمزة ساقط وغير ثقة، نلاحظ ان هذه الرواية هو رواها بنفسه عن امام معصوم ويعترف بعصمته هذا الفعل لا يصدر من عاقل لو كان دنيويا؟. إذن نلاحظ ان هناك فبركة للخبر كي يظن الناس والسلطة ان الامام الرضا لا يناصره أحد ومن كان معه انحرف عنه، وإذا اصبح الامام الرضا ضعيفا بنظر السلطة تركوه وشأنه.

ملاحظات على هذه الرواية: اولا: ان الراوي هو نفسه ابن ابي حمزة، ثانيا: ان المروي عنه الامام الكاظم وليس الامام الرضا، إذن الرواية التي تستدلون بها على التضعيف هي بنفسها دليل على ان هذا ليس بتضعيف بل دليل على التوثيق.

ثم ان حركة الواقفة انتهت بسرعة كانه كان هناك اتفاق على انه حين يزول الخطر عن الامام الرضا (ع) يعود الجميع، لذلك عاد اكثرهم وارجعوا الاموال للامام (ع). وحتى نفهم الروايات جيدا ارجعوا بالروايات إلى زمن الصدور، المشكلة ان كثيرا من الروايات نحن لا نعيش ظرفها. بعضهم يقول انه كيف يضلل الامام الناس بحركة الواقفة؟! نقول: ان الامام الصادق (ع) اوصى بالامامة لخمسة منهم المنصور الدوانيقي، اليس هذا تضليلا للناس؟ كانت حياة الائمة حياة طوارئ امنية: ما منا إلا قتيل او مسموم. كان الامام الرضا (ع) يريد ان يوحي بهذه الحركة انه لا انصار له ولذلك تتركه السلطة ويشير غلى ذلك رجوع أكثر هؤلاء إلى القول بامامة الرضا (ع) بعد وفاة هارون الرشيد.

وهذا التوجيه للرواية يرد في رواية تسبيه الامام لعلي بن ابي حمزة واصحابه بانهم كالكلاب الممطورة، كل ذلك للإيحاء بالبعد بين الواقفة والامام، وبمرر مقبول عند أهل الدنيا وهو الاستيلاء على الاموال.

اليس قد وردت روايات تذمّ زرارة بن أعين، وقد ذمّه الامام حفاظا على حياته؟!

 

الخلاصة: الخلاصة ان حركة الواقفة قد لا تكون حركة انحرافية عقائدية، بل احتمال كونها حركة أمنية لأغراض رسالية، ولا أقل من الاحتمال.

بقي روايتين ان شاء الله غدا نكمل.

 


[1] العدة في اصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج1، ص150. ط ج.
[2] ان الذين توقفوا لاجل بعض المال عندما نقول بثلاثين أو بسبعين الف دينا، والدينار بزمن هارون الرشيد كان يعادل عشرة دراهم والدرهم يشتري نعجة، ما يعادل تقريبا حوالي تسعين مليون دولار للقيمة الشرائية لزماننا هذا.