الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     الاجماعات المتعارضة التي نقلها الشيخ الطوسي.

     تخريج هذا التعارض.

     بيان أن نقله الاتفاقات بلسان الاجماعات هو مبنائي.

     هذا المبنى هو قاعدة اللطف التي بنى عليها حجية الاجماع.

كان الكلام في تخريج كلمات الشيخ الطوسي (ره) عندما قال: " لا يروون إلا عن ثقة " الاشكال الذي ورد في تعامل مراسيلهم كمسانيدهم، انهينا الكلام في قوله (ره) " ان اول ما فيه انه مرسل " الظاهر منه انه لسان توهين من الشيخ الطوسي نفسه، كان الكلام في تخريج هذا الكلام.

التخريج الاول: الذي لم اجده في كتاب هو التالي: ان الشيخ الطوسي (ره) كتب العدة في اواخر حياته وكتب التهذيب في اوائل حياته وما بينهما سنين لعلّه تغير الجو الفقهي في ذلك الزمن. قلنا انه للنظرة الاولى ان هناك نضوج بين ان يكون عمره ستة وعشرين سنة عندما كتب التهذيب وبين ان يكون عمره ثمانين سنة بعد هذا النضوج العلمي والفكري، وتغير الرأي في النضوج العلمي شيء طبيعي، الذي يستمر بالبحث والتحقيق شيء طبيعي ان يتغير رأيه.

التخريج الثاني: ولم أحده في كتاب، هذا البحث مبنائي: اريد ان الفت إلى نظرة مهمّة غير مسألة التطور، هم اشكلوا ان نقل الشيخ الطوسي ليس نقلا سليما بدليل انه ينقل اجماعا على مسألة ثم ينقل اجماعا معاكسا على نفس المسألة. سنحاول ان نستفيد من هذه الاجماعات المتناقضة، بل نستفيد منها في بيان تقوى الشيخ الطوسي ودقة نقله، بل نستفيد منها في مطلبنا، عوض ان تكون مثلبة نجعلها منقبة، وتوضيحا لكيفية ذلك نقول: ان الشيخ الطوسي (ره) كان يقول بحجية الاجماع بناء على قاعدة اللطف. اساسا الاجماع ليس دليلا ومرارا اكرر كلمة الشيخ الانصاري في الرسائل في اول بحث الاجماع " ان الاجماع هم اصل له وهو اصل لهم " الاجماع اختراع ركب، إذا لاحظنا تاريخ الاجماع وحجية الاجماع نجد ان اساسه انهم ارادوا تبرير وتصحيح وايجاد مخرج لخلافة ابي بكر حيث لا يوجد نص ولا دليل على الخلافة [1] ، عقول سياسية تدير الناس، ولذلك لا دليل على الاجماع، وقد نقلوا حديث " انه لا تجتمع امتي على خطأ " وكلها تبريرات. اما بالنسبة لنا كإمامية ليس هناك ولا دليل واحد على حجية الاجماع، لكننا نعيش في بحر من ابناء العامة فقلنا ان الاجماع حجة واصبحنا نبحث عن دليل للحجية، فقالوا ان حجيته انه يكشف عن رأي المعصوم، ثم صاروا يبحثون عن كيفية الكشف. منهم من قال بالاجماع الدخولي، ومنهم من قال انه حجة باللطف، ومنهم من قال انه حجة بحسب العقلاء والعادة.

فمن ادلة حجية الاجماع قاعدة اللطف التي قال بها الشيخ الطوسي (ره)، قاعدة اللطف وهي انه من لطف الله عز وجل على العباد انه من المحال ان يكون كل الفقهاء على خطأ، فينتفي حكم الله الواقعي الصحيح عن الارض، وبذلك لو أفتوا جميعا بالحكم الخاطئ لكان خلاف لطف الله، فنستفيد ان فتوى الجميع من دون مخالف دليل على حجية هذا الاجماع وكشف عن الحكم الواقعي، ونحن نقول باللطف بان الله لطيف بالعباد لكنه نقول: ان الشيخ الطوسي (ره) البس قاعدة اللطف ثوبا فضفاضا اوسع منها وإخذ يطبقها، ولا مانع من يكون هناك بعض الاحكام الشرعية هناك اجماع على خلافها ولا تنافي لطف الله عز وجل، وقد بحثنا ذلك.

نتائج الاجماع اللطفي: وعلي أية حال مسألة الاجماع خلافية. من هنا قالوا ان الاجماع حجة، وهنا نلاحظ شيء انه عندما يقال ان الاجماع حجة من باب اللطف معناه انه ولو في عصر واحد إذا اجمع الفقهاء على شيء اصبح حجة وصار اجماعا كاشفا، يستطيع الناقل ان يقول مثلا: طفل الانبوب محرّم اجماعا الشيخ محمد جواد مغنية كان يقول: " لا يمكن ان يقول به مسلم " اكثر من الاجماع، بل من المسلمات. فلو فرضنا ان مسألة طفل الانبوب كانت في زمن الشيخ الطوسي لاضطر الشيخ ان بنقل الاجماع على حرمة ذلك، اما الآن اكثرهم يقول بالجواز، لو فرضنا انه اصبح هناك اتفاق على الجواز بعد هذه الفترة القصيرة لو كان الشيخ الطوسي موجودا لنقل الاجماع على حليّة طفل الانبوب، قد نقل فيكون حينئذ اجماعين متعارضين. وتغير الجو الفقهي ليس شيئا محال.

ولو تمت قاعدة اللطف عند الشيخ الطوسي (ره) بهذه السعة لوجب التدخل في كل ما يؤدي إلى حكم شرعي خاطئ ولو كان قاعدة أصولية أو قاعدة فقهية أو قاعدة رجالية من قبيل ما نحن فيه من أن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده. والشيخ (ره) لما نضجت عنده هذه القاعدة كان فقهاء عصره الذي كتب فيه " العدّة " يذهبون إلى العمل بهذه القاعدة من دون استثناء نسب العمل بهذه القاعدة إلى الطائفة.

نقل الاجماعات المتناقضة للشيخ الطوسي: والذي يؤيد هذا التخريج نقل الشيخ الطوسي (ره) لإجماعات متناقضة، حيث ينقل الإجماع على حكم، ثم ينقل الإجماع على خلافه في موضع آخر.

يقول صاحب الحدائق في كتاب الطهارة في أحكام النجاسات: " قد كان عندي رسالة لشيخنا الشهيد الثاني (ره) قد تصدى فيها بنقل جملة من المسائل التي ناقض الشيخ فيها نفسه بدعوى الإجماع على الحكم في موضع ثم يدعيه على خلافه في آخر وفيها ما ينيف على سبعين مسألة ". [2]

ويقول صاحب الحدائق (ره) في أحكام الأموات في حق الشيخ (ره): " وأي مسألة من مسائل الفقه من أوله إلى آخره لم تختلف أقواله فيها ولا فتاواه حتى يُستغرب في هذا المقام؟. وكيف لا، وهذا القائل أعني شيخنا الشهيد الثاني قد صنّف رسالة جمع فيها المسائل التي ادعى الشيخ فيها الإجماع في موضع وادعى الإجماع على عكسه في موضع آخر، وهي تبلغ سبعين مسألة، وكانت الرسالة عندي وتَلِفت في الوقائع التي مرّت علي ". [3]

وقال (ره) في كتاب النكاح عند البحث عن إسلام زوجة الكافر: " مَنْ يعرفُ حال الشيخ وطريقته في دعوى الإجماع واختلاف أقواله وفتاويه في كتبه لا يتعجب منه فإنه في بعض كتبه كالخلاف والمبسوط من رؤوس المجتهدين وفي بعض آخر كالنهاية وكتابي الأخبار من رؤوس الإخباريين وشتان ما بينهما ". [4]

هذا كلام الحدائق يستنكر ويستغرب صدور مثل ذلك عن الشيخ الطوسي (ره) بذلك.

التعليق على كلام صاحب الحدائق: نقول له: ان الشيخ الطوسي (ره) عندما يغير رأيه كاجتهاد انه محقق ويتغير الرأي ولا اشكال، انما عندما يتغير نقله يقع الاشكال. نحن ملزمون بنقله ولسنا ملزمين باجتهاده، وعندما يقول اجماعا يكون بحسب مبناه، ولذلك سنذكر عدّة موارد ومن الطبيعي بحسب قاعدة اللطف مبناه في الاجماع ان ينقل اجماعين بل اكثر من اجماع، وأي فقيه كان في مكان الشيخ الطوسي (ره) لوجب عليه ان ينقل اجماعين في نفس المسألة.

مثال على تغيرّ الجوّ العام الفقهي: مسألة نزح البئر لو وقعت فيه نجاسة. كان الفقهاء يقولون بوجوبه، ثم تغيّر الجوّ العام الفقهي ما بعد العلاّمة (ره) إلى الاستحباب، ولو أصبح إتفاقا وكان الشيخ الطوسي في زمانه لأمكن أن ينقل إجماعين متناقضين في هذه المسألة الواحدة، ولا مانع من ذلك بحسب مبناه من كون الإجماع اللطفي الكاشف عن رأي المعصوم (ع) يكفي فيه اتفاق أهل عصر واحد.

ومثال آخر: مسألة نجاسة الكتابي التي كانت إجماعيّة بل عبّر عنها بعضهم بأنها من شعار الشيعة، ثم تغيّر الجوّ العام الفقهي ليشتهر بين متأخري المتأخرين ممن هم قريبون من عصرنا طهارته، ولو أصبح اتفاقا لحق للشيخ (ره) واتباعه أن ينقلوا إجماعين مختلفين في هذه المسألة الواحدة بحسب مبناه.

ومثال آخر: ما نحن فيه من مسألة طفل الانبوب حيث ذهب الفقهاء في اول زمن طرحها إلى الحرمة كما نقلنا عن الشيخ محمد جواد مغنية (ره)حيث قال: انه لا يمكن أن يقول به مسلم، ثم بدأ الجوّ الفقهي يتغيّر ليشتهر جوازه.

ولو أن أي فقيه كان مكان الشيخ الطوسي (ره) لفعل مثله، ولنقل إجماعين متنافيين، وهذا لا مانع منه بحسب مبنى الشيخ (ره) في كيفية الكشف عن رأي المعصوم (ع) كما بيننا. وهكذا صار واضحا عدم التهافت في نقل الإجماع، كما ورد في بعض الكتب الفقهية حيث أوردوه وكأنه أمر سلبي عند الشيخ (ره) بنقل اجماعين متنافيين مختلفين في نفس المسألة، حتى كادوا لا يثقون بنقله، وهذا يعني أن التهذيب والاستبصار، الكتابين من الكتب الاربعة التي قيل بصحتها، لا يوثق فلا يؤخذ بها!!.

إذن نقل الاجماعين من قبل الشيخ الطوسي دليل تتبع منه ومتابعة ودقة وتديّن وتقوى، لا دليل عدم اهتمام واستخفاف! لذلك فاني ارجو من الاخوة الباحثين ان لا يظلموا الشيخ الكبير (ره)" وهو أعظم من أن يثني عليه شخص مثلي.

غدا ان شاء الله نبدأ بأبي حمزة البطائني هو ثقة او لا؟ السيد الخوئي (ره) اتي بحوالي عشرة ضعفاء لاسقاط القاعدة، وسنجد ان من ذكرهم السيد الخوئي لا يسقط القاعدة.

 


[1] فائدة: ذكرنا سابقا ان النظريات الاساسية السياسية عن العامة اربعة كلها اخترعت لتبرير مرحلة معينة: الاولى نظرية الاجماع لتبرير خلافة ابي بكر. الثانية نظرية التعيين فعمر عيّن من قبل ابي بكر. الثالثة نظرية اهل الحل والعقد، الشورى حتى عيّن عثمان. الرابعة نظرية الغلبة، معاوية غلب المسلمين فصار دليلا على وجوب طاعته وصحة خلافته.
[2] الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج5، ص30.
[3] الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج4، ص98.
[4] الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج24، ص27.