الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/05/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     ملخص النقاط الاربع التي ذكرها السيد الخوئي.

     علاج النقطة الرابعة وهي اختراق الشيخ الطوسي للقاعد بنقل روايات لهؤلاء الثلاثة واضرابهم عن كذابين.

     المراد من الثقة الواردة في العدّة هو الثقة عند الناس لا عند ابن ابي عمير.

     احتما ان تكون الرواية عنهم زمن استقامتهم.

ملخص النقاط الاربعة التي ذكرها السيد الخوئي (ره) في قاعدة مشايخ الثقات صفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم لا يروون إلا عن ثقة، قاعدة لها اهميتها واثرها الكبير في عالم الاستنباط.

النقطة الاولى: ان هذه القاعدة نقل حدسي، وقلنا ان هذا نقل حسي وليس حدسا وهو حجة، لو كان اجتهادا لكان حجة على الشيخ الطوسي (ره) نعم نقله يلزمنا.

النقطة الثانية: ان هذه القاعدة ترجع إلى اصحاب الاجماع، وقلنا ان هذا الرجوع غير سليم ولا نسلم به. وقلنا ان كلمة " اضرابهم ليس معناها اصحاب الاجماع، والسبب في ذلك ان كلمة " تصحيح ما صحّ عنهم " الواردة في اصحاب الاجماع لا تدل على أكثر من بيان جلالتهم، وهذا لا يعني انهم لا ينقلون إلا عن ثقة، فالجليل يمكن ان يروي عن الثقة وغير الثقة، في نفس اصحاب الاجماع نحتاج إلى اثبات انهم لا يرون إلا عن ثقة كزرارة مثلا الذي لم يثبت عنه ذلك رغم جلالته اما يونس بن عبد الرحمن فقد ورد فيه انه لا يروي إلا عن ثقة.

النقطة الثالثة: وهي ان نفس الشيخ الطوسي (ره) اخترق القاعدة في تسوية مراسيل هؤلاء بمسانيدهم وذكروا روايتين لابن ابي عمير مرسلتين يقول فيهما " ان اول ما فيهما انه مرسل "، وبينا المرسلتين وما فيهما من تعليقات، وفي مرسلات ابن ابي عمير مرسلات كثيرة لم يذكر فيها هذا التعبير، وايضا ذكر هذا التعبير " واول ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لا يعتد به " فهذا النص في الروايات المرسلة عن بعض اصحاب الاجماع. ذكرنا ان السيد الخوئي (ره) صار يستشهد ببعض اصحاب الاجماع على اسقاط هذه القاعدة. وقلنا انه لا علاقة لاصحاب الاجماع، بل بالعكس ان النقضعلى القاعدة بروايات أصحاب الاجماع المرسلة وعدم الاعتداد دليل على ان هذه القاعدة لا ترجع إلى اصحاب الاجماع، هذا دليل نصي من الشيخ الطوسي كانه يقول: ليس مرادي من كلمة " اضرابهم " هم اصحاب الاجماع.

النقطة الرابعة: ماذا نفعل بروايات الشيخ الطوسي (ره) عن ابن ابي عمير عن كذابين، وعن الضعفاء والمجهولين كيونس بن ظبيان، وعلي بن ابي حمزة البطائني، وعلى بن حديد، وعبد الله بن خداش، ووهب بن وهب وغيرهم. الشيخ الطوسي بنفسه اخترق القاعدة. ومن فروع هذه المسألة مسألة اجماعات الشيخ الطوسي، صاحب الحدائق يقول: كان عندي رسالة للشهيد الاول (ره) يجمع فيها سبعين موردا ادعى فيها للشيخ الطوسي اجماعات متعارضة أي يدعي الاجماع على خلاف اجماع سابق. لكن نحن سنرى كيف سنخرِّج هذه التعارضات في الاجماعات عند الشيخ.

من آثار نقل الاجماعات المتعارضة سقوط أصالة السند بالنسبة لروايات الشيخ:

فإذا كان هناك اضطراب في نقل الشيخ الطوسي ستكون هناك مشكلة، أحد الآثار ان اصالة السند حينها تسقط. الخبر الواحد حجة ولكن لا يجوز العمل به إلا مع اجراء اربع اصالات: اصالة الظهور، اصالة الجهة، واصالة التطابق، اصالة السند. ومعنى اصالة السند انه الاصل في الانسان العاقل العادل ان لا يسهو ولا يخطأ في النقل، الاصل ان يكون كذلك، طرد هذه الاحتمالات يتم باصالة السند، ولذا قد يقال انه اذا كان عنده سبعين موردا متناقضا، اجماع يناقض اجماعا مقابلا آخر، إذا كان كذلك تسقط اصالة السند بالنسبة فكل ما يرويه في كل كتبه ساقط.

إذن النقطة الاخيرة: نفس ابن ابي عمير واضرابه يروون عن الضعفاء، وهؤلاء الضعفاء ضعفهم الشيخ الطوسي نفسه.

نقل بعض الامثلة عن رواية هؤلاء عن الضعاف:

كلام السيد الخوئي (ره) في معجمه يقول (قده): " قد ثبت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد ذكر جملة منها الشيخ بنفسه. ولا أدري أنه مع ذلك كيف يدعي أن هؤلاء لا يروون عن الضعفاء ؟ فهذا صفوان روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره الشيخ. وهو الذي قال فيه علي بن الحسن بن فضال: (كذاب ملعون). وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن علي بن أبي حمزة وروى الشيخ بسند صحيح عن صفوان، وابن أبي عمير عن يونس بن ظبيان، ويونس بن ظبيان ضعفه النجاشي والشيخ. روى بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي جميلة، وأبو جميلة هو المفضل بن صالح ضعفه النجاشي. وروى أيضا بسند صحيح عن صفوان، عن عبد الله بن خداش وعبد الله بن خداش ضعفه النجاشي. وهذا ابن أبي عمير، روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره النجاشي والشيخ، وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة. وروى بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أحمد المنقري، والحسين بن أحمد المنقري ضعفه النجاشي والشيخ. وروى الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن علي بن حديد وعلي ابن حديد ضعفه الشيخ في موارد من كتابيه وبالغ في تضعيفه. وتقدمت روايته عن يونس بن ظبيان آنفا. وأما روايته عن المجاهيل غير المذكورين في الرجال فكثيرة تقف عليها في محله إن شاء الله تعالى. وهذا أحمد بن محمد بن أبي نصر، روى عن المفضل بن صالح في موارد كثيرة. وروى عنه أيضا في موارد كثيرة بعنوان أبي جميلة. روى محمد بن يعقوب بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل بن صالح " . [1] إذن هناك ضعفاء عند الشيخ نفسه روى عنهم في كتابيه صفوان وابن ابي عمير والبزنطي عنه، وايضا روى عن مجاهيل كثيرين.

سنستعرض بعض الاوجه التي ذكروها علماء الرجال في رد هذا الاشكال، يحتمل عدّة احتمالات ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. إذا تم توجيه سبب نقل هؤلاء عن ضعفاء، او احتمل التوجيه احتمالا يعتد به، هذه القاعدة تبقى. هناك عام وقاعدة منقولة بنص فكيف يسقط هذا العموم؟ وهذه القاعدة؟

كيف يسقط العام المنقول: يسقط إما بخبر معارض، وإما باختراقه ولو بفرد، لكن مع احتمال مبرر لا يسقط العموم وقد ذكرنا ذلك سابقا بما لا مزيد عليه فلا نعيد. وهنا هذا العموم بانهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وان مسانيدهم كمراسيلهم هذه اخترقت، هل لهذه الاختراقات سبب مبرّر او لا؟ فكيف نستطيع توجيه هذه الاختراقات؟ ان وجهناها تبقى القاعدة، وان لم نوجهها تسقط القاعدة.

من احتمالات التوجيه:

الاحتمال الاول: إن أحوال الرجال قد تتغير، فلعلّ ابن أبي عمير عندما روى عنه كان ثقة، ثم تغيّر حاله، كعلي بن أبي حمزة البطائني وهو من كبار الشيعة الذي كان مستقيما في العقيدة ثم أصبح واقفيا، وكبني فضّال وهم من كبار ثقات الرواة أصبحوا فطحية. وكعبد الله بن بكير وهو من أصحاب الاجماع وقد أصبح فطحيا.

الاحتمال الثاني: يذكره السيد الخوئي (ره): إن الرواية عن هؤلاء الضعفاء لا تنافي دعوى الشيخ (ره) أنهم لا يروون إلا عن ثقة، فإن الظاهر أن الشيخ الطوسي يريد بذلك أنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته وهذه شهادة يؤخذ بها مالم يثبت خلافها ككل العمومات.

السيد الخوئي (ره) يجيب عن ذلك بقوله في معجم رجال الحديث: قلت: لا يصح ذلك، بل الشيخ أراد بما ذكر أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة في الواقع ونفس الأمر، لا من يكون ثقة باعتقادهم إذ لو أراد ذلك لم يمكن الحكم بالتسوية بين مراسليهم ومسانيد غيرهم، فإنه إذا ثبت في موارد روايتهم من الضعفاء - وإن كانوا ثقات عندهم - لم يمكن الحكم بصحة مراسليه، إذ من المحتمل أن الواسطة هو من ثبت ضعفه عنه، فكيف يمكن الأخذ بها؟. ولذلك قال المحقق في المعتبر في آداب الوضوء:( ولو احتج بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا.... كان الجواب الطعن في السند لمكان الارسال، ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل أحتمل أن يكون الراوي أحدهم ). [2]

هذا يدل على ان المراد من " لا يروون إلا عن ثقة " ثقة عند الناس والفقهاء وليس عنده هو، هذا هو معنى كلام المحقق في الشرائع. نحن نؤيد السيد الخوئي تأييدا كاملا في انه ليس المراد ما كان ثقة عند ابن ابي عمير، بل ما كان ثقة عند الفقهاء او عند الناس.

توضيح لمراد السيد الخوئي بحسب فهمنا: توضيحا للمراد عند السيد الخوئي (ره) من " الثقة " الوارد في نص الشيخ في العدّة، بحسب فهمنا، فانه ليس مراد السيد من الواقع الواقع الحقيقي فان واقع الامور لا يعلمها إلا الله، خصوصا في الامور القريبة إلى الحس التي تعلم من آثارها، ذلك أن الوثاقة ليست أمرا ملموسا محسوسا بنفسه، بل عندما نحكم عليه بالوثاقة نحكم عليه بأثاره. هذا قريب من المحسوس، النقل المعتبر يكون إما للمحسوس او للقريب من المحسوس ويتم ذلك تماما كتلبس بعض الصفات بالاشخاص، مثلا الحداد سمي حدادا لكثرت تلبسه بالحديد واللبان سمي لبانا لكثرة تلبسه باللبن وإلى اخره، وهذا ايضا فلان سمي ثقة لكثرة تلبسه بروايته المطابقة للواقع.

فإذن المراد من كلام السيد الخوئي (ره) هو ان المراد من كلمة " في نفس الواقع " يعني ما كان عند الناس وليس المقصود واقع الامور ذاتها. وبما ان ابن أبي عمير هو أحد أفراد الناس والفقهاء فانه يحكم بما يحكمون ويلمس ما يلمسون، فما كان عندهم ثقة فانه عنده ثقة على الغالب الاعم.


[1] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص63.
[2] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص65.