الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     كلام الشيخ الطوسي ينحل إلى فقرتين: الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة، والتسوية بين المراسيل والمسانيد.

     الفقرة الاولى نقل يؤخذ به، والثانية اجتهاد غير ملزمين به.

     اشكال السيد الخوئي على الفقرة الثانية بمرسلتي ابن ابي عمير، وقول الطوسي " اول ما فيها انه مرسل.

     الملاحظات على المرسلة الاولى.

     الفات: ان عبارة الشيخ الطوسي تنفعنا في موقعين: الاول رد قطعية الكتب الاربعة، والثاني رد نظرية حجية الكتب المعتمدة دون الاسناد.

كلام الشيخ الطوسي (ره) عبارة عن شطرين: اولا: يقول: " عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ". ثانيا: قال: " ولأجل ذلك سوّت الطائفة بن المسانيد والمراسيل "، كل الكلام سيكون بان الشطر الثاني فيه تعليل اجتهادي من الشيخ الطوسي واجتهاد من الفقهاء في زمانه وقبله، ولذلك نوافقه على الشطر الاول واما الثانية فهي اجتهاد منه فيكون هو وشأنه ونحن وشأننا.

النقطة الثالثة في اشكال السيد الخوئي (ره) على قاعدة مشايخ الثقات: إن الشيخ الطوسي بنفسه اخترق الشطر الثاني من القاعدة وهي أن مراسيل ابن ابي عمير كمسانيده، واسقط مرسلتين لابن ابي عمير معبرا بنفس التعبير " اول ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لا يعترض به على الاخبار المسندة " كما استعمل هذا المعنى في روايات عديدة لأصحاب الاجماع الاخرين، اما نحن فقد رأينا الفرق بين اصحاب الاجماع ومشايخ الثقات فلا نخلط بينهما.

ولذلك سنقسم الروايات التي يدّعي السيد الخوئي (ره) وغيره انها إشكال على القاعدة إلى قسمين: منها ما رواه ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي، ومنها ما رواه غيره من اصحاب الاجماع كعبد الله بن المغيرة.

الرواية الاولى لابن ابي عمير محل الاشكال:

اما ما رواه ابن ابي عمير فهما مرسلتان: الاولى: ما في تهذيب الاحكام ج 1 من ابواب الاحداث الموجبة للطهارة: " فأما ما رواه محمد بن ابي عمير قال: روي لي عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى ابي عبد الله (ع) ان الكرّ ستمائة رطل . فأول ما فيه انه مرسل غير مسند، ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا. [1]

وفي مقام الطعن بالرواية المذكورة ذكر الشيخ (ره) ثلاثة امور:

اولا: ان اول ما فيه انه مرسل غير مسند.

وثانيا: ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها .

وثالثا: ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا.

الخدش الاول: إن اول ما فيه انه مرسل، وبهذا يناقض مع ما رواه في العدّة حيث يقول : إن مراسيله كمسانيده.

دفع دخل: قد يقال: إن روايات كثيرة بالعشرات رويت مرسلة فلا يخدش رواية أو روايتين، فما من عام إلا وقد خصّ.

فانه يقال: إن الاخراج من حكم العام لا بد فيه من ملاك آخر، وقد ذكرنا ذلك سابقا. ثم إن اللسان ليس لسان تخصيص، بل لسان ضرب القاعدة: " إن اول ما فيه انه مرسل "، أي كل مرسل ساقط عن الحجية.

الخدش الثاني: " ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها " وقد علّقنا على ذلك سابقا فلا نعيد.

كذلك الخدش الثالث علّقنا عليه فلا نعيد.

الرواية الثانية لابن ابي عمير محلّ الاشكال:

الرواية الثانية: في الاستبصار: فاما ما رواه محمد بن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي جعفر (ع) قال: السائبة وغير السائبة سواء في العتق، فاول ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لا يعترض به على الاخبار المسندة... [2]

كذلك نفس الحديث رواه في التهذيب.

أما الرواية الاولى فنلاحظ عليها:

الملاحظة الاولى: إن فيها إرسالين: الاول في قوله : " روي لي " وهو إرسال من ابن ابي عمير إلى عبد الله بن المغيرة، والثاني: في قوله " يرفعه إلى ابي عبد الله (ع) .

ومن هنا، فلعلّ الطعن بالارسال هو من جهة الارسال الثاني وليس الاول. هذا احتمال وارد ومع الاحتمال يبطل الاستدلال على الاسقاط.

لا يقال: إن عبد الله بن المغيرة من اصحاب الاجماع فشأنه شأن ابن ابي عمير؟ وهذ هو كلام السيد الخوئي وغيره.

فانه يقال: هذا على مبنى السيد الخوئي من ردّ قاعدة مشايخ الثقات إلى أصحاب الاجماع وهذا ما لا نوافق عليه.

بل إن ما ذكره السيد الخوئي مردود عليه بهذه الرواية حيث إن معناها إن اصحاب الاجماع ليسوا من مشايخ الثقات.

كذلك هو رد على الذي يفسّر قول الكشي: " اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم " فسّرها بعضهم بانه لا يروون إلا عن ثقة.

اما نحن: اولا: لا نقول بان معنى " تصحيح ما صح عنهم " انهم لا يروون إلا عن ثقة، أي ان كلام الشيخ الكشي لا نسلم به ولن نفسّر كلمة " تصحيح ما صح عنهم " بما ذكروه بانهم لا يروون إلا عن ثقة، أو بمعنى تصحيح الرواية، بل هو تعبير على جلالتهم. وقد حققنا ذلك في الدرس السابق. وثانيا: بل نقول أزيد من ذلك، نقول إن ما ذكره هن الاشكال على الشيخ يرتد عليه عندما قال ان عبد الله بن المغيرة ارسل الحديث وهذا الارسال باطل، وهذا يعني ان ارسالات عبد الله بن المغيرة ساقطة، وعبد الله من هو؟ هو من اصحاب الاجماع. فإذن انت يا سيدنا الخوئي قاعدتك ليست سليمة ارجعت قاعدة مشايخ الثقات، أي ان ابن ابي عمير وصاحبيه واضرابهم لا يروون إلا عن ثقة. ما يرويه ابن ابي عمير وصفوان قاعدة مشايخ الثقات إلى اصحاب الاجماع التي ذكرها الكشي، هذه الروايات تدل على عمد صحة هذا الارجاع، فما ذكرته يرتد عليك ايضا. نحن لا نسلم معك بان قاعدة مشايخ الثقات ترجع إلى قاعدة اصحاب الاجماع، وهذا اهم خلل ارتكبه السيد الخوئي وغيره في هذه المسألة، إذ هو الذي سبب دفعه إلى توهم الاشكالات الباطلة.

الملاحظة الثانية: إن هذه الرواية معارضة برواية أخرى مرسلة عن ابن ابي عمير، فإننا نعترف للسيد الخوئي (ره) بانها هذا ينافي ما ذكره الشيخ في العدّة، اي نعترف بالتنافي بين قوله في العدّة فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. وما ذكره في التهذيب " وما هذا سبيله لا يعارض به الاخبار المسندة ".

لكننا ذكرنا ان هذه الدعوى " أي تسوية المراسيل بالمسانيد " يحتمل قويا ان تكون اجتهاد منه (ره) لقوله : " ولأجل ذلك سوّت الطائفة " إذ هو نقل سبب التسوية عند الفقهاء بانها اجتهاد منهم، فقد نقل اجماع الفقهاء بظهور قوله: " سوّت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم، ونقل سبب هذا الاجماع وانه اجتهاد من الفقهاء وهو قوله: " لاجل ذلك ".

تفصيل دعوى الشيخ إلى نقطتين نسلم باحدهما دون الاخرى:

بهذا تكون دعوى الشيخ (ره) في نقطتين:

الاولى : انهم لا يروون إلا عن ثقة، وهذا نقل حسي نحن ملزمون به.

الثانية: التسوية بين مراسيلهم ومسانيدهم التي يحتمل كونها إجتهادا منه ومن الفقهاء، فنحن غير ملزمين به.

ويؤيد هذا التقسيم ان جميع الروايات المرسلة لهؤلاء الثلاثة لم يعترض عليها في كتابيه التهذيب والاستبصار بقوله: " فأول ما فيه انه مرسل " سوى هاتين الروايتين، بل ذكرها بدون هذا التعليق، بل بعض الروايات المرسلة اخذ بها. لذلك هذا التقسيم ينفعنا كثيرا في حل الاشكال.

الاستفادة من عبارة " اول ما فيه انه مرسل " للرد على نظرية قطعية الكتب الاربعة ونظرية الرجوع إلى الكتب المعتبرة:

الفات: إن عدم العمل بالمراسيل وارسال الطوسي لذلك إرسال المسلمات دليل على عدم قطعية الكتب الاربعة لكثرة المرسلات فيها، والتي يستبعد جدا وجود قرائن خاصة في كل حديث يؤدي إلى قطعية صدوره، وتخدش بنظرية العمل بالكتب المعتمدة دون الالتفات إلى السند. وهذه النظرية هي التالية: اننا لا نعمل على الاسناد، هذا نتركه، بل نعمل على الكتب، الرواية إذا وجدت في كتاب محترم عملنا به، فالشيخ الصدوق (ره) يقول: هذه الاحاديث اخذتها من كتب عليها المعوّل واليها المرجع. فيصبح الكتاب هو الاساس وليس السند.

واجبنا: ان مراد الشيخ الصدوق (ره) ان هذه الكتب محترمة في الجملة وليس في كل مفرداتها. وهذا النص من الشيخ الطوسي (ره) " اول ما فيه انه مرسل " تدل اولا: ان ليس جميع الكتب قد تمّ اعتبار ما روي فيه إذ الكتب المعتمدة التي أخذت منها المجاميع الحديثية بالعشرات والمرسلات فيها كثيرة، ومنها موجود في التهذيبين. وثانيا: هذه النظرية ان العمل بالمرسل ساقط والمرسلات موجودة في هذه الكتب المحترمة التي رواها الشيخ الصدوق بالمئآت هي تدل على انه لا يمكن العمل بنظرية ان الكتب هي الاساس، مثلا: ان هذا الحديث موجود في قرب الاسناد لعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن جعفر ثقة، وقرب الاسناد من الكتب المحترمة وهذا كاف، وهذا سمعته، نقول نعم ان هذا مؤيّد وإذا كان هناك قرائن اخرى على الكتب كأن يعرض على الائمة الطاهرين (ع) نقول نعم اما نفس كلام الشيخ الصدوق فهو ليس قرينة وليس دليلا على اعتبار جميع روايات هذه الكتب.


[1] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ح58، ص43.
[2] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج4، ح5، ص27.