الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     ملخص ما مضى.

     الاشكال على الطوسي بمرسلتين عن ابن ابي عمير غير معتبرتين.

     الطعون على المرسلة الاولى: أ- اسقاطها بالارسال. ب- مرسلة لابن ابي عمير معارضته.ج- اعراض الفقهاء عنها.

     المرسلة الثانية: رواية السائبة سواء في العتق.

ملخص ما مضى: ذكر السيد الخوئي (ره) على قاعدة مشايخ الثقات اشكالان اساسيين: اولا: ان الشيخ الطوسي (ره) بنفسه اخترق القاعدة عندما رفض بعض الروايات لأن مرسلها ابن ابي عمير. وثانيا: ان نفس الشيخ الطوسي روى عن ابن ابي عمير روايات عن كذابين معروفين بالكذب. وقبل الاشكالين ذكر نقطة مهمه وهي ان هذه القاعدة حدس من الشيخ الطوسي (ره) وليس نقلا عن حس. واجبنا على هذه النقطة في الدرس السابق.

الجواب على الاشكال الاول: نبدأ بالاشكالين الرئيسيين للسيد الخوئي (ره):

وهو ان الشيخ الطوسي (ره) نفسه مدعي هذه القاعدة بان مراسيلهم كمسانيدهم يخترق هذه القاعدة بقوله عن بعض مراسيل ابن ابي عمير ان اول ما فيه انه مرسل وهذا لسان قدح.

مناقشة الروايتين:

نقل الشيخ الطوسي روايتين مرسلتين عن ابن ابي عمير واسقطهما عن الاعتبار معللا بكونهما مرسلتين. قائلا: " فأول ما فيه أنه مرسل " وظاهر هذا التعليل القدح بحجّية الرواية بالإرسال، مع أن المرسل هو ابن أبي عمير؟!.وهذا ما اشكل عليه السيد الخوئي (ره) وغيره.

ويلاحظ على الرواية الأولى: الطعن بالإرسال. ما في تهذيب الاحكام ج1 من ابواب الاحداث الموجبة للطهارة:

فأما ما رواه محمد بن أبي عمير قال: روي لي عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أن الكر ستمائة رطل. فأول ما فيه أنه مرسل غير مسند، ومع ذلك مضاد للاحاديث التي رويناها، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا، ويحتمل أن يكون الذي سأل عن الكر من البلد الذي عادة أرطالهم ما يوازن رطلين بالبغدادي فأفتاه على ما علم من عادته ويكون مشتملا على القدر الذي قدمناه في الكر. [1]

استطراد: في اختلاف المفهوم من اللفظ بحسب اختلاف الاعراف:

هناك مسألة في مباحث الالفاظ: وهي أن السائل إذا كان من بلد يختلف فيه المفهوم عن بلد الإمام (ع)، واختلاف الاعراف موجود في المفهوم والكيفيات والكميّات، كما في الفقه أنه لا ربا في المعدود، بل الربا في الموزون والمكيل. اما إذا كان الشيء في بلد يباع عدا وفي بلد يباع وزنا، كالجوز والبيض، هل هذا يعدّ من الربويات الذي لا يجوز فيه البيع والشراء لأنه بيع ربوي؟. هذه المسألة موجودة، هل أن الامام (ع) يتكلم بعرف بلد المتكلم أو بحسب عرف الامام (ع) أي بحسب البلد التي يكون فيها، لأنه ليس هناك عرف خاص بالإمام (ع)، فلو اختلف أهل المدينة عن أهل الكوفة بشيء وجاء مدني إلى الامام (ع) بالكوفة، هل الأصل أن يتكلم معه بعرف أهل المدينة أم أهل الكوفة؟ لذلك ورد في رواية تقدير الكر بستماية رطل وهي تختلف عن بقيّة الروايات بألف ومئتي رطل وهي قريبة لروايات التقدير بالحجم والسعة، أي بثلاثة أشبار ونصف، وثلاثة أشبار ونصف، وهي أقرب من الست مئة، الظاهر في هذه المسألة هو حمل جواب الامام على المفهوم في بلد السائل، لان المطلوب من المسؤول أن يبيّن للسائل. ولذلك احتمل الشيخ الطوسي (ره) في مقام الجمع بين الروايتين أن يكون السائل من البلد الذين عادة ارطالهم ما يساوي الرطلين بالبغدادي.

وفي مقام الطعن على الرواية ذكر الشيخ (ره) ثلاثة أمور:

اولا: فأول ما فيه أنه مرسل غير مسند.

ثانيا: ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها.

ثالثا: ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا.

ولنشرع ببحث هذه الطعون:

الطعن الاول: اولا: كلمة " فأول ما فيه " هل هي طعن وخدش، أم هي مجرد عرض واقع بأن الرواية مرسلة؟

نقول: هذه الكلمة ظاهرة في الطعن والخدش وليست في مقام العرض.

تناقض العِدَّة مع التهذيب:

الظاهر من الشيخ (ره) في التهذيب أنه لا يأخذ بمراسيل ابن ابي عمير، وفي العدّة يقول إن مراسيله معتبرة كمسانيده، هذا تناقض وتناف بين الكلامين.

قد يقال من باب دفع دخل: أن روايات كثيرة بالعشرات رويت مرسلة فلا يخدش برواية أو روايتين، فما من عام إلا وقد خصّ، فليكن من باب التخصيص. [2]

ولكن الإنصاف أن يقال: إن اللسان ليس لسان تخصيص فالتعبير بقوله: " فأول ما فيه أنه مرسل " لسان طعن بالرواية بالإرسال، وهذا تناف وتعارض بين كلامه في العدّة وبين كلامه في التهذيب، مع العلم والانتباه أن بين كتابة العدّة والتهذيب حوالي خمسة واربعين سنة، أي حين كتب العدّة كان في الثمانينات مرحلة النضوج الكامل، أما في التهذيب فكانت مرحلة جمع وحفظ للروايات وكانت بتكليف استاذه الشيخ المفيد (ره) على ما يظهر من بعض كلماته (ره).

الطعن الثاني: عرض الروايات المضادة: " ومع ذلك أنه مضاد للأحاديث التي رويناها " وهي في التهذيب: فأما ما يدل على كمية الكر: فما أخبرني به الشيخ أيده الله تعالى عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شيء ألف ومائتا رطل.

فأما الأخبار التي رويت مما يتضمن التحديد بثلاثة أشبار والذراعين وما أشبه ذلك، فليس بينها وبين ما رويناه تناقض، لأنه لا يمتنع أن يكون ما قدره هذه الاقدار وزنه ألف رطل ومائتا رطل، وأنا أورد طرفا من الاخبار التي تتضمن ذكر ذلك، فمنها:... [3]

الشيخ يعتبر المرسلة الثانية:

نذكر هذه الروايات لوجود نقطة مهمّة وهي أن الرواية المضادة هي مرسلة ايضا عن ابن ابي عمير، يقول: " عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا وقد اعتبرها الشيخ (ره) رغم انها مرسلة وحينها كيف قدمت رواية مرسلة على رواية مرسلة ايضا؟

في هذه الرواية الأولى المضادة لم يعلّق الشيخ (ره) بشيء، لم يذكر أنه مرسلة، لم يذكر هنا الإرسال وذكره في الرواية الثانية؟

الطعن الثالث: " ومع ذلك لم يعمل عليه احد من فقهائنا " أي بأن الكر ست مئة رطل، وهذا طعن بالرواية بأن الفقهاء أعرضوا عنها، وهذا بيان لأسباب الضعف بهذه الرواية.

فالروايات التي فيها " أنه أول ما فيها أنه مرسل " هما روايتان عن ابن أبي عمير.

إلى هنا ننتهي من الطعون الثلاثة على المرسلة الاولى.

المرسلة الثانية: ما ورد في الاستبصار، والتهذيب.

الاستبصار: - فأما ما رواه محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: السائبة وغير السائبة سواء في العتق. فأول ما فيه أنه مرسل، وما هذا سبيله لا يعترض به على الأخبار المسندة، والثاني أنه ليس في ظاهر الخبر أن ولاء السائبة مثل ولاء غيرها وإنما جعلهما سواء في العتق ونحن نقول بذلك فمن أين انهما لا يختلفان في الولاء، والذي يكشف عما ذكرناه. [4]

التهذيب: - واما ما رواه محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: السائبة وغير السائبة سواء في العتق.

فأول ما فيه أنه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة.

والثاني: انه ليس في ظاهر الخبر أن ولاء السائبة مثل ولاء غيرها وإنما جعلهما سواء في العتق ونحن نقول بذلك فمن أين انهما لا يختلفان في الولاء! ؟ [5]

هتان الروايتان التي ذكرهما الشيخ الطوسي (ره) ما هو الاشكال فيهما واين الطعن وهل هما يعارضان القاعدة أو لا يعارضان؟.

 


[1] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ح58، ص43.
[2] هنا في هذا المقام رددنا بقاعدة ليست موجودة في الكتب استكشفناها من ملاحظة التعبيرات العرفية، فاسسناها وبنينا عليها وهي " متى يصح التخصيص " قلنا ان أي عام اخترقته يجب أن اخترقه بسقوط ملاك الحكم، او وجود ملاك مزاحم. العام لا يخصص إلا بخروج بعض الافراد اما بسقوط الملاك أو مزاحمة ملاك آخر لملاك بعض افراد العام، من قبيل: " أكرم العلماء " ملاكه مثلا تشجيع العلم، وعندما اقول إلا الفساق يعني ان الفاسق ايضا عالم وإذا اكرمته يتحقق الملاك وهو التشجيع على العلم، ولكن هناك تشجيع على الفسق ايضا وهذا اخطر من التشجيع على العلم حينئذ يخرج من العام، فهنا للخروج لا بد من وجود ملاك آخر فيجتمع الملاكان الضدان في فرد واحد.
[3] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ح52، ص41.
[4] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج4، ح5، ص27.
[5] تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج8، ح165، ص257.