الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     رأي السيد الخوئي (ره) واشكالاته على الشيخ الطوسي (ره).

     السيد الخوئي يرى أن هذه القاعدة بكل فروعها حدسية.

     اشكالات السيد الخوئي على القاعدة.

     رد اشكالات السيد الخوئي (ره).

نكمل الكلام في التوثيقات العامة والكلام في قاعدة مشايخ الثقات أي المشايخ الذي روى عنهم ثقات لا يروون إلا عن ثقة، ذكر هذه القاعدة الشيخ الطوسي (ره) في " العدّة " وهم صفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم. وذكرنا ان هذه القاعدة تسقط بأمرين: الاول ان يكون هناك اخبار مضاد وهو نص آخر بانهم عرفوا انهم يروون عن ثقة وغير ثقة وانهم يروون عن ضعاف. الثاني ان يكون هناك استثناء بلا مبرر عقلائي ولا احتمال مبرر.

6- رأي السيد الخوئي (ره): [1]

ابطل السيد الخوئي (ره) الدعوى بحجة أن كلام الشيخ هو اجتهاد منه (حدس) ولم يثبت عن نقل بان هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، فكل من يروي عنه ابن ابي عمير هو ثقة إلا ما خرج بدليل. هذه القاعدة حدسية، وليست عن حس من الشيخ الطوسي (ره)، فالنقل منه نقل حدسي، أي من اجتهاده، وذكرنا ان اجتهاد الرجل نحترمه لكن اجتهاده حجة عليه لا علينا. الشيخ الطوسي نقضنا أراءه في الفقه مثلا في اولياء العقد في عقد النكاح، لأنه اجتهاد منه، نعم نقله حجة علينا ولذلك روايات التهذيب والاستبصار حجة علينا لأنها رواية الثقة.

ثم أشكل السيد الخوئي على الشيخ الطوسي عدة اشكالات على هذه القاعدة بعد ابطاله لها وانها عن حدس وليس عن حس:

أ- دعوى التسوية لم تثبت اذ انها لو كانت صحيحة لكانت أمرا متسالما ولذكرت في كلام القدماء بينما لا نرى لها عندهم عينا ولا اثرا.

ب – اعتبر السيد الخوئي (ره) أن اصل دعوى الشيخ ومنشأها هو ابو عمرو " الكشي " الذي يقول في عبارته " اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء وتصحيح ما يصح عنهم "( اصحاب الاجماع ) إذن هي اجتهاد من الشيخ الطوسي، ومن خلال كلام الكشي خرج بهذه القاعدة.

ج – الشيخ الطوسي نفسه خالف هذه القاعدة عندما روى عن ابن ابي عمير او غيره وقال بما مضمونه " انه اول ما فيه انه مرسل ..." فيها لسان توهين وتضعيف، وبالتالي الشيخ خدش القاعدة التي تبناها.

د – نفس ابن ابي عمير واضرابه يروون عن الضعفاء، وهؤلاء الضعفاء ضعفهم الشيخ الطوسي نفسه.

إذن هناك خمسة اشكالات من السيد الخوئي: اولا ان هذه قاعدة حدسية لا حسية، ثانيا: دعوى التسوية ليس له عين ولا آثر عن القدماء، ثالثا: اعتبر ان منشأها الكشي أي انها اجتهاد منه، رابعا: ان الشيخ خالف هذه القاعدة حيث قال في بعض مرسلات ابن أبي عمير ان اول ما فيه انه مرسل، خامسا: انه روى عن الضعفاء.

وسوف نتعرض لكل واحدة من هذه الاشكالات:

أ – عدم ثبوت دعوى التسوية عند السيد الخوئي (ره).

محور إشكال السيد الخوئي (ره) على القاعدة بأنها حدس واجتهاد من الشيخ الطوسي (ره) وليس نقلا حسيا عن فقهاء الطائفة. فإن كان نقلا منه فهو حجة علينا لان نقل الثقة حجة، وان كان اجتهادا منه فاجتهاده حجة عليه وليس ملزما لنا.

ويصرّح السيد الخوئي (ره) بكون نقل الشيخ الطوسي حدسيا لا حسيا حيث يقول ما نصه: ولكن هذه الدعوى باطلة، فإنها اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم. وهذا لا يتم.

ويقول أيضا في نفس الصفحة: ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها....

ويقول السيد الخوئي ايضا في مقام الاشكال النقضي: ذكرها النجاشي أيضا في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكَها، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة (من ذاكرة ابن ابي عمير لأنه سجن وتلفت كتبه)، وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب، لذكرت في كلام أحد من القدماء لا محالة، وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر. [2]

وفي مقام نقاش هذا الكلام نقول:

كلام الشيخ الطوسي في " العدة " ينحل الى ثلاث دعاوى، نحن نريد ان نرى ماذا قال الشيخ الطوسي في " العدّة "

هل يدل كلام الشيخ الطوسي على ما ذكره السيد الخوئي، الذي أراه أن السيد (ره) حمّل الشيخ ما ليس ظاهرا من كلامه، وفسّره على ما فهمه. نعيد كلام الشيخ الطوسي للتذكير قال في العدّة: " وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبى عمير وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد، ابن أبى نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عن من يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذا عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم. فأما إذا لم يكن كذلك، ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة، فإنه يقدم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلا أن يدل دليل على وجوب العمل به. [3]

وإذا تأملنا في كلام الشيخ (ره) نراه ينحل الى ثلاث دعاوى:

الأولى: إن هؤلاء الثلاثة وغيرهم (واضرابهم) من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به.

الثانية: إن الطائفة سوّت بين مسانيدهم ومراسيلهم، بحيث أن مرسلاتهم تعارض مسانيدهم ومسانيد غيرهم.

الثالثة: إن التسوية مستندة الى الدعوى الاولى وذلك لقوله (ره): " لأجل ذلك سوت الطائفة ".

هل كل هذه الدعاوى نقل من الشيخ (ره) عن حس منه واجتهاد، أو أن إحداها او بعضها كذلك ؟.

دعوى التسوية حدس، اما دعوى " لا يروون إلا عن ثقة " فهي عن حس. لذلك يمكن التفصيل في كلام الشيخ الطوسي، وكلامه دقيق، ونجد في كلامه ان التسوية مستند إلى الاولى، بعني حدس منه، اما الاولى " عرفوا انهم لا يروون إلا عن ثقة " فهي عن حس.

فالظاهر من كلام السيد الخوئي (ره) اعتبار كلتا الدعويين عن حدس واجتهاد من الشيخ (ره)، وهذا ليس صحيحا منه (ره) فليست كلتا الدعويين عن حدس.

فهو يقول: ولكن هذه الدعوى باطلة، فإنها اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم. وهذا لا يتم.

إذن هو اعتبر أن الدعوى الاولى أي " لا يروي إلا عن ثقة "، أمر اجتهادي مستنبط من الدعوى الثانية وهي التسوية.

ويقول أيضا في مقام التأكيد على أن دعوى الطوسي حدسية في نفس الصفحة: ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها - ....

ويقول أيضا: وثانيا: فرضنا أن التسوية المزبورة ثابتة، وأن الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة،..[4]

من هذه العبارة نرى أن السيد الخوئي (ره) استفاد أن الدعوى الثانية منشؤها الدعوى الاولى، وهذا يظهر بعض التنافي بين العبارتين، بين هذه العبارة والعبارة الاولى. أولا قال أن الدعوى الاولى دليلها الثانية، وثانيا يقول بأن الثانية دليلها الاولى.

لكن الذي يجمع هذا الكلام بغض النظر عن التنافي أن الدعويين أمران حدسيان اجتهاديان استنباطيان بحسب رأيه الشريف.

غدا نكمل الكلام ونعلق عليه.


[1] السيد الخوئي (ره) وهو من اعلام هذا الفن وله كتاب " معجم رجال الحديث " وميزة الكتاب بغض النظر عن الجامع انه ميّز طبقات الرجال.
[2] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص61 .
[3] العدة في اصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج1، ص154.
[4] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص62 .