الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات

مشايخ الثقات.

     الاستثناء هو خروج بعض افراد العام عن حكمه لا عن موضوعه.

     تسقط القاعدة بعوامل سقوط الخبر الحسّي.

     الاول: وجود المعارض.

     الثاني: خروج بعض الافراد من دون مبرر، ولذا فالرواية عن بعض الضعاف لا تسقط القاعدة.

كل عام وانتم بخير بمولد رسول الرحمة في الرواية التي تقول بولادته في الثاني عشر من ربيع الاول.

نكمل الكلام في قاعدة مشايخ الثقات، وذكرنا وجود قاعدتين مشايخ الثقات وقاعدة اصحاب الاجماع، اصحاب الاجماع هم ثمانية عشر " أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم " ومشايخ الثقات هم صفوان وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ولذلك سويت مراسيلهم بمسانيدهم.

والفرق بين القاعدتين باختصار أن الاولى – اصحاب الاجماع – متوجهة نحو الرواية قال: " اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم "، ناظرة في ظاهر لفظها للمنقول. أما قاعدة مشايخ الثقات فهي ناظرة إلى الراوي، " هؤلاء ثقات لا يروون إلا عن ثقة ". ووصلنا في بحثنا لمسألة اصحاب الاجماع إلى ان المراد هو بيان علو شأنهم وجلالة قدرهم وهؤلاء معروفون انهم ثقات، والقاعدة زيادة في التوثيق وبيان الجلالة وذلك بناء على ما وصلنا اليه. اما بعضهم قال بان مجرد وصول السند إلى احدهم اصبحت الرواية صحيحة " تصحيح ما صح عنهم "، قلنا ان هذه الكلمة ظاهرها التصحيح لكن بقرائن عديدة وصلنا إلى ان المراد من هذا التصحيح جلالتهم ووثاقتهم وليس تصديق الرواية. إذن نص الكشي بدوا ناظر إلى الرواية، بينما قاعدة مشايخ الثقات " صفوان لا يروي إلا عن ثقة " ناظرة للراوي.

الفرق الثاني: ان منشأ قاعدة اصحاب الاجماع هو عمرو بن عبد العزيز الكشي، هو الذي قال: " ان العصابة اجمعت على ستة نفر من اصحاب الامام الباقر (ع) وستة نفر من اصحاب الصادق(ع) وستة من اصحاب الكاظم والرضا(ع)، الثمانية عشر. وأما منشأ قاعدة مشايخ الثقات فهو ما ذكره الشيخ الطوسي (ره) في " العدة " والنجاشي.

ما يبطل القاعدة:

القاعدة ذكرها الشيخ الطوسي (ره) في " العدّة " قال: " عرفوا بانهم لا يروون إلا عن ثقة، لذلك سوت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم "، يعنى ان هؤلاء: صفوان، وابن ابي عمير والبزنطي واضرابهم مثل يونس بن عبد الرحمان لا يروون إلا عن ثقة، هذه قاعدة عامة وقلنا ان معنى القاعدة انها اصل يرجع إليه عند الشك، فلو ورد شخص مجهول في سند مثل زيد الزراد لم يأت فيه توثيق ولا تضعيف، نطبق القاعد عليه بان ابن ابي عمير روى عنه فنوثقه، وكذلك موسي بن بكر نطبق القاعدة عليه فنوثقه هكذا، وليس معنى القاعدة انه لا يمكن ان يروي عن ضعيف وإلا أصبحت نصا في العموم.

نعود لنذكر ببحث مهم ان هذه القواعد بشكل عام هذه العمومات كيف تبطل؟ لو قلت لك " اوفوا بالعقود " او عمومات الناس، كيف تسقط هذه العمومات؟ الخبر بالعام أو الخبر بالمطلق كيف يسقط؟ فكذا الانشاء المتعلق بالعام أو بالمطلق كيف يسقط؟

العمومات على قسمين: قسم متعلق لحكم شرعي، وقسم متعلق لحكم عرفي.

ما كان شرعيا يسقط بمسقطات العرفي وزيادة، وما كان عرفيا يسقط بالمسقطات العرفية التي سنذكرها.

اما العمومات الشرعية مثلا: " اوفوا بالعقود "، " يا ايها الناس عليكم بأنفسكم " " خذوا زينتكم عند كل مسجد " مطلق العقود ومطلق الناس ومطلق الزينه، هذه المطلقات والعمومات كيف تسقط؟

والمسقطات الشرعية تزيد عن العرفية بالعرض على كتاب الله " فما خالف قول ربنا لم نقله "، مسقطات العمومات الشرعية هي عبارة عن المسقطات العرفية زائد كتاب الله والسنة المعتبرة، والقواعد المسلمات، أي لا يجوز للحكم العام أن يخالف المسلمات الشرعية فإن خالفا سقطت العمومات.

اما المسقطات العرفية: أي بغض النظر عن المسقطات الشرعية، مثلا: متى يسقط قولي إذا اخبرتك ان فلان لا يدخل محلا يباع فيه الخمر؟ يسقط الخبر بامرين:

الاول: إما بان يردني عموم آخر معارض بان فلان يدخل مكانا يباع فيه الخمر من شخص ثقة، خبران متعارضان من شخصين ثقات. وهنا في مسألتنا لا يوجد نص آخر يقول ان ابن ابي عمير وأضرابه يروون عن الثقات والضعاف، فالمسقط الاول غير موجود.

أما الثاني: ان يردني استثناء خرج عن الحكم لكن بغير مبرر عقلائي ولا احتمال المبرر، خروج الفرد عن الحكم شيء طبيعي من قبيل: " اكرم العلماء " عام مخصص " إلا زيدا "، فزيد عالم، ومصلحة الاكرام موجودة لكن معناها ان في اكرام زيد جهة ومفسدة مضاده للإكرام فلا يجب اكرامه، يخرج الفرد عن عموم العام. في " اكرم العلماء " في اكرام كل عالم مصلحة، فإذا اكرمت عالما تتم المصلحة لكن هناك بعض العلماء إذا اكرمتهم هناك جهة اخرى تعارض ملاك المصلحة بان يكون مثلا انسانا فاسقا او ظالما فإذا اكرمته تكون قد شجعت الناس على الفسق والظلم. هذا الفرد بيّنته اللغة العربية بالتخصيص " اكرم العلماء إلا زيدا " فـ " إلا " ليس لها دخالة في الموضوع " العلماء " لكن لها دخالة في اخراج بعض افراد الموضوع " زيد " عن حكم العام، وهذا الفرد انما يخرج مع وجود جهة اخرى، مثلا: اذا قلت لك ان زيدا رجل صالح لا يدخل محلا يباع فيه الخمر، فلو رأيت زيدا يدخل محلا يباع فيه الخمر، وهنا يرد السؤال: هذا الدخول من زيد للمحل هل يسقط العموم الذي ذكرته بان لا يدخل أي محل يباع في الخمر أو لا؟ متى يسقط؟ والجواب انه يسقط إذا لم يكن هناك مبرر عقلائي، اما إذا وجد المبرر وعرفت ان دخل لإنقاذ حياة طفل، حينئذ تبقى على العموم لان من نقل انه لا يدخل محلا يباع فيه الخمر انسان ثقة فيبقى العموم على عمومه والخبر على خبريته ونأخذ بالخبر ويكون صحيحا.

المهم ان العموم الوارد في الخبر إن كان قد خرج منه بعض الافراد لمبرر عقلائي فهذا لا يسقط العموم ولا يسقط الخبر عن صدقه، بل نقول احتمال المبرر كاف لعدم اسقاط الخبر لان المخبر ثقة. ولذلك مجرد خروج فرد او افراد عن حكم العام لمبرر أو احتمال مبرّر لا يعني سقوط العام إلا إذا صار من باب تخصيص الاكثر.

ولذلك ما اورده اكثر علماء الرجال الذين رفضوا القاعدة او اشكلوا عليها، كيف صفوان وبن ابي عمير والبزنطي لا يروون إلا عن ثقة وقد وجدناهم يروون عن غير الثقات بل يروون عن الضعاف بل عن الكذابين. فلو قطعنا ان بعض من رووا عنهم كذابون مثل وهب بن وهب فهل تسقط القاعدة؟ فاحد اشكالات السيد الخوئي (ره) ان ابن ابي عمير روى عن وهب بن وهب وبريه ان القاعدة سقطت. لكن إذا احتملنا ان ابن ابي عمير روى عن وهب لاسباب اخرى فمع وجود المبرر العقلائي لا تسقط القاعدة.

وباختصار: إذا كان هناك في الاستثناء أي استثناء المنقول عن حس وليس عند حدس، إذا لم يكن هذا الاستثناء عن مبرر عقلائي، تسقط القاعدة اما إذا كان عن احتمال مبرر عقلائي فلا تسقط القاعدة.

ونعيد بيان ذلك:

نقول: لا تنقض القاعدة ولا يبطل العمل بها إلا بأحد أمرين:

    1. وجود معارض، كنقل ثقة يباين هذه القاعدة كما لو ذكر احد الثقات بأن هؤلاء عرفوا بالرواية عن الثقة والضعيف. وهذا المعارض غير موجود.

    2. عدم وجود مبرر للنقل عن ضعيف مع ثبوت ضعفه وعدم احتمالا المبرر احتمالا عقلائيا، لان الرواية عن ضعيف يقطع بكذبه ومع عدم احتمال مبرر يوجب الخدش بالقاعدة.

ولا يقال:- بعض من قال بصحة القاعدة -: ان الرواية عن ضعيف او اثنين لا يوجب الخدش بالعموم " فانه ما من عام إلا وقد خص "، بل ان كل عام لا يمكن الاخذ بعمومه إلا بتمامية مقدمات الحكمة، ومقدمات الحكمة هي بعد ثبوت العنوان ثلاثة:

    1. أن يكون في مقام البيان. 2- وأمكن أن يبيّن. 3- ولم يبيّن.

ومعنى أنه في مقام البيان أنه في مقام بيان حتى العموم، بيان انطواء الافراد كلها تحت حكم العام، فلو أن فردا واحدا لا يريد اكرامه ولم يستثنه لم يكن حكيما بل يكون قد اوقعني في الجهالة وهذا منه سفاهة، ولذلك عليه أن يبيّن ويستثني، إذن يجوز للمتكلم والمخبر أن يستثني لكن عليه بيان الاستثناء فأما أن يستثني هو شخصيا أو يتكل على غيره في الاستثناء، ومع عدم الاستثناء وكون العموم مرادا. يسقط الخبر بالعموم عن صدقيته. نعم احتمال الخلاف لا يسقطه.

وملخص الكلام: إن الاشكال الذي ذكروه على القاعدة وهو أن هؤلاء الثلاثة رووا عن عدّة ضعاف، لا يتم ولا يسقط القاعدة إلا مع عدم وجود مبرّر لذلك ولو احتمالا عقلائيا يعتدّ به.

غدا ان شاء الله عز وجل نأتي إلى رأي السيد الخوئي (ره) ونبيّن اين الخلل في كلامه.