الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات

مشايخ الثقات.

     مقدمة.

     كيف يسقط العموم؟

     معنى القاعدة وثمرتها.

     أهمية القاعدة.

     أصل القاعدة وتاريخها.

     الفرق بينها وبين قاعدة " أصحاب الاجماع" .

بدأنا بالقواعد العامة للتوثيق، أي بالتوثيقات العامة وبدأنا بقاعدة " أصحاب الاجماع " لانها قاعدة اساسية، وفرَّع بعضهم عنها قواعد اخرى وهي قاعدة " مشايخ الثقات"، وذكرنا الفرق بينهما بان اصحاب الاجماع هم الثمانية عشر أو التسعة عشر مع الاختلاف في بعض الاسماء، اصحاب الامام الباقر والصادق والرضا والكاظم عليهم السلام، الذين " اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم "، وانتهينا إلى رأي موافق للكثيرين ان معنى هذه القاعدة ليس سوى تصديقهم وبيان جلالتهم ولا يعني انهم لا يروون إلا عن ثقة، ولا يعني ان جميع رواياتهم صحيحة.

تاسيس قاعدة: كيف تسقط العمومات:

ذكرنا شيئا مهما عند البحث في قاعدة اصحاب الاجماع وهو أن العمومات كيف يمكن إسقاطها،[1] ففي المثال الذي ذكرته عندما اقول:" كل محل يباع فيه الخمر لا يدخل اليه فلان " هذا عموم، وهذا العموم كيف اسقطه؟ هل يجوز الاستثناء منه؟ القاعدة: كل عام يجوز الاستثناء منه، فانه ما من عام إلا وقد خص. لكن الاستثناء لا يكون من الموضوع بل يكون بخروج بعض افراد الموضوع عن الحكم بسبب وجود ملاك آخر في الفرد المستغنى يزاحم بملاكه ملاك الموضوع. في المثال فلان لا يدخل إلى محل بيع الخمور إلا إذا اراد انقاذ طفل، هنا يوجد ملاك آخر وهذا لا يكون دخيلا بالموضوع بل يكون اخراج بعض افراد الموضوع من حكمه بسبب وجود ملاك آخر مزاحم، لا بسبب انتفاء ملاك الموضوع، بل بسبب وجود ملاك آخر مزاحم، فنقدم الأهم ملاكا، وهذا امر موجود بكثرة في عالمنا الخارجي حتى قيل ما من عام إلا وقد خص. ولذلك قلنا ان العام إذا خصص بمبرر عقلائي أو احتمال المبرر العقلائي فلا مشكلة، اما إذا خصص من دون مبرر يسقط العموم كليا، فحينئذ في المثال كل محل يباع فيه الخمر لا يدخل اليه فلان الخبر سقط ونقول ان هذا الخبر غير صحيح وغير تام.

القاعدة الثانية التي سنبحث بها هي " مشايخ الثقات "، سميناها بهذا الاسم لان هؤلاء الثقات ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي واضرابهم مشايخهم ثقات، اي انهم هم لا يروون إلا عن ثقات، والمراد من " أضرابهم " مثل يونس بن عبد الرحمن. هذا هو الفرق بين القاعدتين وفي النتيجة يوجد مسألة مهمة جدا، لذلك نشرع بهذه القاعدة فنقول بعد الاتكال على الله.

قاعدة مشايخ الثقات: وهي أن محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحي واحمد بن محمد بن ابي نصر البنزنطي وامثالهم لا يروون و لا يرسلون الا عن ثقة و التسوية بين مراسيلهم ومسانيدهم.

1- معنى القاعدة وثمرتها.

2- اهميتها.

3 – اصلها وتاريخها.

4- التفريق بينها وبين قاعدة اصحاب الاجماع.

5- ما يبطل القاعدة.

6 – رأي السيد الخوئي (ره).

7 – المختار.

1- معنى القاعدة وثمرتها:

هذا عام " كل من يروي عنه ابن ابي عمير هو ثقة"، ومعنى العموم هو إن هؤلاء الثلاثة وأضرابهم لا يروون ألا عن ثقة. بمعنى ان الأصل والقاعدة في كل من يروي عن هؤلاء هو الوثاقة، ولا مانع من خروج بعض الافراد، وليس كل الافراد ولا معظمهم، وإلا اصبح من باب تخصيص الاكثر. ولماذا لا مانع لانه عندما اقول " اكرم العلماء " هناك ملاك في كل عالم، ملاك في المفهوم جعل الحكم ينصب عليه، قد يأتي احيانا بعض الافراد قد يثبت ملاك اخر يزاحم ملاك اكرام العلماء فيخرج الفرد عن الحكم لكن لا يسقط الملاك ولا يسقط العموم فيبقى عاما ولا مانع من استثناء بعض الافراد، نعم هذا الفرد الذي يستثنى يجب ان نبحث عن دليل لاخراجه، أي ان الخروج يحتاج إلى دليل، وليس معناه انه لا يمكن ان يروون عن ضعيف. ونقول هذا الكلام لان بعضهم كالسيد الخوئي (ره) اسقط القاعدة وأحد أدلته أنهم يروون عن ضعاف.

والثمرة: بناء على القاعدة نستطيع توثيق المجاهيل والمهملين ومن يحتمل ضعفه من شيوخ هؤلاء، وبعبارة اخرى كل من لم يثبت ضعفه، من قبيل زيد الزراد الذي لم يأت فيه تضعيف ولا تكذيب، مجهول، له كتاب لكن ابن ابي عمير قد روى عنه، لو تمّت هذه القاعدة نستطيع ان نوثق زيد الزراد أو موسى بن بكر أو غيرهما. العشرة الذي ذكرهم السيد الخوئي انه ضعاف سنستعرضهم ونرى ان في كل من روى عنه ابن ابي عمير من الكذابين يوجد احتمال مبررٍ عقلائي لرواية ابن ابي عمير عنه. هذا الاحتمال لا يسقط العموم ولا يكون دليلا على اسقاط هذه القاعدة، نعم إذا روى ابن ابي عمير عن شخص واحد من دون مبرر تسقط القاعدة، الاحتمال هنا كاف في اسقاط القاعدة.

2- اهمية القاعدة:

ويترتب على القاعدة الأخذ بمراسيل ابن ابي عمير وامثاله تماما كما يؤخذ بأسانيده وايضا وثاقة من روى عنه هو وامثاله، فتأتي أهمية القاعدة - فيما لو تمت - بالأخذ بعشرات الروايات بل بالمئات وهذا يعني أن تلك الروايات اصبحت معتبرة وبالتالي فهي مصدر كبير للتشريعات والاحكام الفقهية، وإذا لم تتم سقطت معها العشرات من الروايات عن الاعتبار. كمثال على ذلك رواية زيد الزراد التي استدللنا بها على ان الأم هي صاحبة النطفة في مسألة طفل الانبوب والتلقيح الاصطناعي هل الأم هي صاحبة البويضة أم هي الحامل، الرواية واضحة في ان الأم هي صاحبة البويضة لكن زيد الزراد مجهول ومهمل فاسقطوا هذه الرواية عن الاعتبار. إذا تممنا القاعدة بان ابن ابي عمير روى كتابا عن الزراد، يعني هو من مشايخه وابن ابي عمير لا يروي إلا عن ثقة، فاثبتنا وثاقته بالقاعدة وبذلك اثبتنا صحة الرواية واعتبرناها وذهبنا إلى ان صاحبة البويضة هي الأم.

إذن لهذه القاعدة اثر كبير في الاستنباط لذلك اخذت حيزا مهما من الكلام بين الفقهاء.

3 – اصل القاعدة:

لعلّ اساس القاعدة نصان من الشيخ الطوسي (ره) والشيخ النجاشي.

كلام الشيخ الطوسي في كتاب العدة وهي آخر بحوثه نجتزأ منها هذه العبارات:

في مقدمة العدة في مسالة خبر الواحد والروايات التي يؤخذ بها، ومعروف ان الشيخ الطوسي (ره) نقل الاجماع على حجية خبر الواحد.

يقول: " وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبى عمير وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد، ابن أبى نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عن من يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذا عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم. فأما إذا لم يكن كذلك، ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة، فإنه يقدم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلا أن يدل دليل على وجوب العمل به. [2]

النجاشي وهو من المعاصرين للشيخ الطوسي، له نفس دعوى التسوية، لكنه ذكرها في خصوص محمد ابن ابي عمير وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها .ويظهر من عبارة السيد الخوئي (ره) في معجم رجال الحديث تعميمها لكل مشايخ الثقات، الا ان ذلك لم يثبت.

يقول السيد الخوئي (ره): أولا: بأن التسوية المزبورة لم تثبت، وإن ذكرها النجاشي أيضا في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة، وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب، لذكرت في كلام أحد من القدماء لا محالة، وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر. [3]

4- الفرق بينها وبين قاعدة اصحاب الاجماع:

فرق بين قاعدة اصحاب الاجماع وبين قاعدة المشايخ الثقات أن الاجماع متوجهة بلفظها للمروي، والثانية للراوي فان الاولى متوجهة نحو الرواية وتصحيحها اي تصحيح ما ينقل عن اصحاب الاجماع، اما قاعدة المشايخ الثقات فهي بصدد اثبات امرين:

أ- توثيق من رووا عنه (ابن ابي عمير وامثاله).

ب- الاخذ بمراسيلهم كأسانيدهم.

الفرق من حيث المنشأ:

- منشأ قاعدة الاجماع هو ما ذكره الكشي.

- منشأ قاعدة مشايخ الثقات كلام الشيخ الطوسي (ره) في العدة والنجاشي في رجاله.

ماذا يبطل القاعدة ان شاء الله نكمل في الدرس القادم.

 


[1] استطراد: الفرق بين البحث والتدقيق وبين التحقيق: نحن في الدرس نأتي إلى الادلة في البداية ولا أتي إلى الاقوال إلا في النهاية. في الابحاث الاكادمية العالية يؤتى بالاقوال ثم أدلتها ثم يرجح احد الاقوال، وهذا من دون ان نشعر يجعل الباحث اسير الاقوال وليس موجها من قبل شخصه وفكره ومنطقه. هذا النموذج جيد وموجود حاليا لكني لا اقتنع به، وشبيهه في عدم القناعة في طريقة البحث عندما نبدأ بتأسيس الاصل في المسألة فهو من دون ان يلتفت يجعل الباحث او الطالب يبدأ وكان هناك شيء مؤمن فيصبح لا شعوريا يذهب إلى الاصل. والمفروض يجب ان يبحث عن الظهورات والادلة اولا، ثم يصل إلى البحث عن الاصل وذلك كما ذكرنا في المنهجية: علم، علمي، اصل لفظي، اصل عملي. هذه هي المنهجية المتبعة استنباطا لكن عمليا ولا شعوريا نبدأ بالاصل.
[2] العدة في اصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج1، ص154.
[3] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص61.