الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اصحاب الاجماع.

التوثيقات العامة، أصحاب الاجماع:

- الاحتمالات الثلاثة لعبارة: " تصحيح ما يصح عنهم "، جلالة الراوي، صحة المروي، توثيق من يروى عنه.

-بيان كلام السيد الخوئي (ره) في رد القول الثالث.

-الموافقة على الرد الاول وهو عدم ظهور اللفظ في ذلك. وعدم الموافقة على الثاني.

-مسألة مهمة: متى يكون الاستثناء من العام تخصيصا ومتى يكون إسقاطا؟

-إنما يكون اسقاطا مع وجود مبرر عقلائي للاستثناء.

التطبيق على الرواية عن ضعاف وعدم اسقاط الرواية عن ضعاف لهذا العموم.

نعود لمعنى كلمة " تصحيح ما يصح عنهم " وحجية هذا الاجماع المنقول: " اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ".

اما كلمت " تصحيح ما يصح عنهم " فقد قلنا ان فيها ثلاثة احتمالات. الاول: توثيق او تصحيح الراوي بمعنى جلالة قدر الراوي. الثاني: تصحيح المروي، أي تصحيح كل ما يصل اليهم. الثالث: توثيق أو تصحيح ما يروون عنه، من قبيل " لا يروون إلا عن ثقة ".

ذكرنا ان الاحتمال الاول هو ما سنعتمده في بيان هذه المسألة أي ما يصح عنه، واقصينا احتمال وثاقة كل مروي وكنا نتكلم في الاحتمال الثالث تصحيح ما يصح عنهم الذي هو بقوة لا يروون إلا عن ثقة.

السيد الخوئي (ره) نفى هذا الاحتمال لأمرين: الاول: قال ان هذا خلاف ظاهر اللفظ. الثاني: ان هؤلاء رووا عن ضعاف، من قبيل وهب بن وهب الكذاب. هذه القاعدة مخترقة بقرينة واقع الامور.

إذن يوجد دليلان على بطلان الاحتمال الثالث في معنى كلمة " تصحيح ما يصح عنهم " وهما عدم ظهور اللفظ في ذلك، ثانيا الرواية عن ضعاف.

فإذا بطل المعنى الثاني إي المروي وبطل المعنى الثالث " لا يروون إلا عن ثقة " تعين تفسيره في الاول في بيان جلالتهم.

اما بطلان الاحتمال الثالث " لا يروون إلا عن ثقة "، بحسب إبطال السيد الخوئي (ره) له والابطال بدليلين: الدليل الاول نسلم به، وهو ان كلمة " تصحيح ما يصح عنهم " ليست ظاهرة بمعنى توثيق من يروون عنه.

اما الدليل الثاني، وهو الرواية عن ضعاف: فنقول: إن هؤلاء الثمانية عشر قد رووا عن الضعاف بلا شك، الصغرى نسلم بها لكن الكبرى لا نسلم بها. ليس لانه كل رواية عن ضعيف تؤدي إلى اسقاط القاعدة وبطلانها.

قبل ان نبين هذه المسألة لا باس ببيان مقدمة لم تطرح كمسألة لكنها مسألة مهمة ليس فقط في مطلبنا في علم الرجال بل وفي وغيره، مهمة في علم الاصول اكثر من علم الرجال وهي:

متى تسقط العمومات؟ من قبيل إذا قلت لك " اوفوا بالعقود " ثم تبين انه هناك عقد وعقد وعقد لا يجب الوفاء بها، هل يسقط العام؟ بعبارة اخرى: العمومات متى تسقط، متى يكون الإستثناء تخصيصا ومتى يكون اسقاطا. هذه مقدمة لا بد منها قبل ان نبين كلام السيد الخوئي (ره).

فنتساءل: متى يكون الاستثناء من العموم مسقطا له؟ ومتى يكون تخصيصا له؟

وفي التطبيق هنا: هل رواية بعض أصحاب الاجماع عن الضعفاء يسقط عموم انهم لا يروون إلا عن ثقة كما ذكر السيد الخوئي (ره).

فمثل عموم: " كل من روى عنه زرارة ثقة "، هل يسقط هذا العموم روايته عن أحد الضعفاء؟

مقدّمة:

وقبل بيان المسألة والمختار فيها لا بد من مقدمة وهي: إن المتكلم عندما يصدر عنه حكم منصب على موضوع عام لا بد من ملاحظة ملاك يكون هو سبب الحكم ، فلا بد من وجود الملاك في كل فرد من أفراد العام، ومن هنا يأخذ العقلاء بأصالة العموم لظهور اللفظ في كل أفراده ولو أراد المتكلم بعض الافراد دون الاخرى لوجب عليه بيان ذلك، وحينئذ يكون الاستثناء قيدا للموضوع.

فلو قلت " أكرم العلماء وأردت خصوص العدول لوجب عليّ ان أقول: " أكرم العلماء العدول ". والا أكون مقصرا في البيان.

بعد ذلك: لو قال الآمر " أكرم العلماء " ثم قال: " لا تكرم زيدا منهم " وكان استثناء متصلا لا منقطعا [1] ، فان خروج زيد ليس خروجا موضوعيا، أي لم يخرج عن كونه من العلماء، بل هو خروج حكمي، أي خروج عن حكم الاكرام رغم انه عالم. فعنوان العالم يصدق عليه، وبالتالي يصدق عليه ملاك الحكم، لان مصلحة الحكم وملاكه تدور مدار العالمية، نعم خرج عن حكم الاكرام لوجود ملاك آخر مزاحم لملاك الحكم، ككونه فاسقا مثلا. ولذا فمصلحة الاكرام زاحمها مفسدة تكريم الفاسق فخرج عن الحكم مع بقائه عالما، أي خروج عن الحكم مع بقاء الموضوع.

ولذا، لا يصح الاستثناء من العام في المخصص غير المنقطع إلا مع وجود مزاحم. هذا بالنسبة للمتكلم.

اما بالنسبة للسامع فيصح الاستثناء عنده مع احتمال المبرّر العقلائي للاستثناء، وإلا سقط العموم عند السامع واعتبر المتكلم كاذبا.

والنتيجة: انه مع احتمال المبرّر العقلائي لرواية زرارة مثلا عن الضعاف لا يسقط الإخبار بعموم " كل من روى عنه زرارة فهو ثقة ".

نعم مع عدم وجود مبرّر يسقط العموم المنقول.

وهذا مطلب لم أجد - على حد علمي - من بيّنه واتكل عليه في مقام الجواب.

وقد أجاب بعضهم بأن " ما من عام إلا وقد خصّ " فرواية أحد أصحاب الاجماع عن ضعيف أو ضعيفين لا تخدش بعموم " كل من روى عنه فهو ثقة "، وهذا شأن العمومات.

لكن هذا الجواب ضعيف جدا، ومردود بما ذكرنا من أن التخصيص والاستثناء ولو بفرد واحد غير جائز إلا مع احتمال المبرّر العقلائي ومع عدمه يسقط ويكشف عن كذب القائل.

أمثل لكم مثالا: لو قلت لكم :إن الشيخ فلان لا يدخل إلى محل يباع فيه الخمر، ثم إنك رايته يدخل إلى أحد محلات بيع الخمور، ألا ترى في نفسك أستغرابا وتعجبا فتتساءل: كيف قال لي فلان بان هذا الشيخ لا يدخل محلا يباع فيه الخمر؟!

فإذا لم تجد عنوانا مجوزا للدخول كانقاذ مالٍ أو طفلٍ أو غير ذلك، ولو احتمالا، نحكم بكذب هذه المقولة – أي أن الشيخ فلان لا يدخل محلا يباع فيه الخمر –.

إذن الاستثناء من العام في المتصل النحوي تارة يسقط العام إذا لم يكن بمبرر ومسوغ، وتارة لا يسقطه ان كان مع احتمال الخلاف.

بعد هذه المقدّمة نعود للسيد الخوئي (ره) ونقول: إن الاشكال الذي ذكرته على من فسّر عبارة: " تصحيح ما يصحّ عنهم " بكونهم لا يروون إلا عن ثقة غير تام، لان جميع الضعاف الذين روى عنهم هؤلاء يوجد احتمال مبرّر للنقل عنهم، فمثلا أن تكون الرواية عن شخصين أحدهما هذا الضعيف والآخر ثقة، فقد يكون ابن أبي عمير متكلا على الآخر ، كما في رواياته عن يونس بن ضبيان، وغير ذلك مما سنذكره مفصلا في بحثنا عن مشايخ الثقات.

والنتيجة: إن المراد من عبارة " تصحيح ما يصح عنهم " هو المعنى الثاني أي بيان جلالة هؤلاء وبيان قدرهم في الرواية والفقه، وان الفقه يدور مدارهم إلى حدّ كبير، وإلا لما قام للفقه عمود ولم يخضرّ له عود.

واما النقطة الثانية وهي حجية هذا الاجماع المنقول، غدا ان شاء الله نبينه وننتهي إلى ان قاعدة اصحاب الاجماع قاعدة لا تتم في توثيق المروي، ولا في توثيق من يروى عنهم، بل معناها بيان جلالتهم وعظمة قدرهم لا اكثر ولا أقل، وبذلك ننتهي من القاعدة الاولى الاساسية وهي اصحاب الاجماع، لننتقل منها إلى قاعدة مشايخ الثقات.

 


[1] استطراد: استثناء متصلا لا منقطعا في النحو لها معنى وفي الاصول لها معنى آخر. في النحو الاستثناء المتصل مقابل المنقطع، حيث يكون المستثنى فردا أو جزءا من المستثنى منه، مثل: "جاء الناس إلا زيدا ". اما الاستثناء المنقطع فالمستثنى لا يكون من المستثنى منه كما في قولهم: " ما فيه من الناس أحدا إلا زيدا. اما في علم الاصول فالاستثناء المتصل فهو ما لم يتم له ظهور ويكون قبل نهاية الكلام ويقابله المنفصل.