الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اصحاب الاجماع.

التوثيقات العامة، أصحاب الاجماع:

     النكتة في تقديم بحث أصحاب الاجماع على غيره.

     من هم اصحاب الاجماع.

     الاحتمالات الثلاثة لعبارة: " أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم " وهي: صحة الرواية، وجلالة الراوي، وتوثيق من يروون عنه.

ذكرنا اننا في دراسة علم الرجال سنبحث في الكتب الرجالية القديمة، ستة كتب بحثنا باطلالة عليها بحيث نستفيد منها في دراستنا لعلم الرجال وهي: فهرست الشيخ الطوسي، ورجال الطوسي، واختيار معرفة الرجال للكشي، ورجال النجاشي، والغضائري، والبرقي. وقلنا ان البرقي ليس له قيمة علمية لكونه مجرد سرد اسماء، والغضائري لم يثبت ان هذا الكتاب الذي بين أيدينا له، رأيي الشخصي انه كتاب موضوع مكذوبا على لسان الغضائري وان كان ابن طاووس هو الذي تبناه وصححه وذكرنا ذلك بالتفصيل سابقا.

بعد الانتهاء من الاطلالة على الكتب سنبدأ بالقواعد لان التوثيقات تارة توثيقات خاصة، وتارة توثيقات عامة.

التوثيقات الخاصة كـ " افيونس بن عبد الرحمان ثقة اخذ عنه معالم ديني " رواية خاصة بانسان معيّن ترجع إلى الاخبار والاثباتات. وهناك توثيقات عامة ليس لها حصر يمكن ان تصل إلى الخمسة عشر، وهي قواعد عامة محتوية على ضابطة تؤدي إلى توثيق مجموعة. بداية سنبدأ بأصحاب الاجماع، مشايخ الثقات، رجال الطوسي، رجال النجاشي، كل من روى عن احمد بن محمد بن عيسى، كل من روى عنه الزعفراني، كل من روى عنه الطاطري، كل من ورد في كتاب علي بن ابراهيم، كل من ورد في كتاب المزارات لابن بابويه، إلى آخره.

سنبدأ بأصحاب الاجماع لأمرين:

الاول: ان مسألة اصحاب الاجماع مسألة ذات اهميّة قصوى، ثمانية عشر رجلا يدور عليهم رحى الفقه والاستنباط، ستة من اصحاب الصادق (ع) والباقر (ع)، وستة من اصحاب الكاظم (ع)، وستة من اصحاب الرضا (ع).

ثانيا: لان المسألة التي تلي مسألة اصحاب الاجماع هي مسألة مشايخ الثقات في هذه المسألة بعضهم استند على مسألة أصحاب الاجماع. وكثير من علماء الرجال خلط بين القاعدتين. قاعدة "مشايخ الثقات" سميت القاعدة بهذا الاسم لنميز هذه المسألة عن قاعدة اصحاب الاجماع، والمشايخ الثقات هم صفوان وابن ابن عمير والبزنطي، والشيخ الطوسي (ره) يقول: " واضرابهم ممن لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ".

البحث في اصحاب الاجماع يختلف جذريا عن البحث في مشايخ الثقات، ويختلف في النتيجة بين المسألتين، ولذلك جعلناهما مسألتين ولكل منها بحث وغاية وكيفية معالجة، ولان الثانية مستندة على الاولى كما عند السيد الخوئي (ره) الذي لم يرض بالقاعدة الثانية كما لم يرض بالقاعدة الاولى، ولما كانت الثانية مستندة إلى الاولى عند الاكثر اخرنا بحث مشايخ الثقات. كان من المفروض ان نبدأ بمسألة توثيق كل من روى عن الصادق (ع) رغم اهميتها حيث قالوا اربعة آلاف محدث كلهم ثقات، لكن اخرناه لسهولة توهينها وانه ليس هناك اجماع عليها بل هناك اعراض عنها إلا عند بعض الاشخاص الذين اعتبروا ان كل اصحاب الصادق (ع) ثقات. ومسألة ان كل رجال النجاشي ثقات الذي لم يتطرق اليها إلا متأخرا.

أصحاب الاجماع:

وهو عنوان حديث لثمانية عشر رجلا " أجمعت العصابة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم ". وعبرنا بهذا التعبير انه في الستة الاولى قال: " اجمعت العصابة على تصديقهم " وفي الاثني عشر الباقين عبر بـ " تصحيح "، وسنرى انه هل يوجد فرق بين التعبيرين او لا؟

وابتدأنا بهذا التوثيق العام لأمرين:

الاول: أهميّة البحث، فقد قال المحّدث النوري (ره) إنه من مهمات هذا الفن، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو ما يجري حكمها. ( مستدرك الوسائل ج 3 ،ص 757 ).

والامر الثاني: هو ارتباط التوثيق العام الثاني الذي سنتعرض إليه تحت عنوان مشايخ الثقات به واستناده إليه على قولٍ.

وسنفرق بين بحثين: البحث الاول: أصحاب الاجماع. والبحث الثاني: مشايخ الثقات.

أما العنوان الاول فالأصل فيه ما ذكره الكشي في رجاله، يقول الحر العاملي في خاتمة الوسائل:

الفائدة السابعة:

في ذكر أصحاب الاجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم والذين عرفت عدالتهم بالتواتر فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة.

قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ، وبريد (ابن معاوية)، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستة زرارة وقال بعضهم: مكاني أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري. انتهى.

نلاحظ هنا انه قال: " اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء "، كلمة " تصديق " تختلف عن كلمة " تصحيح "، كلمة " تصديق " بيان لجلالتهم وتصديقهم.

ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم والامر بالرجوع إليهم تقدم بعضها في كتاب القضاء.

ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير (الفطحي)، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام.

ثم قال بعد ذلك: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر اخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير

وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب وقال بعضهم مكان فضالة عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى. انتهى.

وذكر أيضا أحاديث في حق هؤلاء والذين قبلهم تدل على مضمون الاجماع المذكور.

فعلم من هذه الأحاديث الشريفة دخول المعصوم بل المعصومين عليهم السلام في هذا الاجماع الشريف المنقول بخبر هذا الثقة الجليل وغيره.

وقد ذكر نحو ذلك بل ما هو أبلغ منه الشيخ في كتاب العدة وجماعة من المتقدمين والمتأخرين، وذكروا أنهم أجمعوا على العمل بمراسيل هؤلاء الاجلاء وأمثالهم كما أجمعوا على العمل بمسانيدهم، ويأتي أيضا ذكر جماعة من أصحاب الاجماع . [1]

ومن عبارة " وذكروا أنهم أجمعوا على العمل بمراسيل هؤلاء الاجلاء وأمثالهم كما أجمعوا على العمل بمسانيدهم " التي ذكرها الحر العاملي نستكشف انه يتحدث عن مسألة مشايخ الثقات، واعتبر ان مسألة اصحاب الاجماع ومسألة مشايخ الثقات مسألة واحدة، وذكرت هذا الكلام لنعلم انهم ربطوا بين المسألتين وسنفرق نحن بينهما.

وهنا ملاحظتان:

الاولى: إن هذا العنوان " اصحاب الاجماع "لم يذكره الكشي بل ذكرهم بعنوان " تسمية الفقهاء ".

الثانية: إنه جعل مسألتي اصحاب الاجماع ومسألة مشايخ الثقات مسألة واحدة بحيث كانت الثانية مؤكدة للأولى برايه (ره).

والكلام يقع في نقطتين: الاولى في معنى قول الكشي " تصحيح ما صح عنهم ". والثانية في حجية هذا الاجماع المنقول.

أما النقطة الاولى: فالاحتمالات في معنى " تصحيح ما يصح عنهم " ثلاثة:

الاول: تصحيح المروي، أي المتن، فبمجرد وصول السند إلى أحدهم عمل بالرواية كائنا ما كانت، سواء كانت مسندة أم مرسلة أم مرفوعة أم مقطوعة، وسواء كان في سندها ضعيف أم مجهول أم عادل أم فاسق أم منحرف أم ثقة أم غير ذلك.

الثاني: توثيق الراوي وبيان جلالته، وتصديقه في حكايته وانه سمع ممن رواه عنه. وحينئذ لا يكون تصديقا وتصحيحا للمروي، بل علينا أن نبحث عن السند وعن أدلة على حجية الرواية.

الثالث: تصحيح ما صحّ عنهم بمعنى توثيق من يروون عنه، فكأنه قال: " لا يروون إلا عن ثقة ".

والانصاف: أن التعبير " تصحيح ما يصح عنهم " ظاهر في المعنى الثاني أي في المروي، إلا أن هذا التعبير لم يرد في الطبقة الاولى حيث يقول الكشي: " أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء من أصحاب ابي جعفر وأصحاب أبي عبد الله (ع) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: افقه الاولين ستة ....." . لكن لا بد من إقصاء هذا الاحتمال لعدة أمور:

منها: ما ذكرناه من التعبيرين " تصحيح ، وتصديق "، والظاهر أن المراد واحد، وهو بيان لجلالتهم ورفعتهم واعتماد الفقه عليهم.

ومنها: ما ذكره السيد الخوئي (ره) عن صاحب " رياض المسالك " السيد علي الطباطبائي (ره) حيث يقول السيد الخوئي في المعجم: قال أبو علي في المقدمة الخامسة من رجاله عند تعرضه للاجماع المدعى على تصحيح ما يصح عن جماعة: ( وادعى السيد الأستاذ دام ظله - السيد علي صاحب الرياض - أنه لم يعثر في الكتب الفقهية - من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات - على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح).

بهذا الكلام يكون قد دفع احتمال تصحيح المروي.

يكمل السيد الخوئي: أقول: لابد أن السيد صاحب الرياض أراد بذلك أنه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدم على العلامة - قدس سره -، وإلا فهو موجود في كلمات جملة من المتأخرين كالشهيد الثاني والعلامة المجلسي والشيخ البهائي. ويبعد أن يخفى ذلك عليه. [2]

غدا الدراسي ان شاء الله نكمل.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص79، ط الاسلامية.
[2] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص59.