الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

38/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : ادلة النافين للحاجة إلى علم الرجال.

     ذكر كلام اصحاب الكتب الاربعة المدَّعى دلالته على قطعية صدورها، وهي الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه.

كان الكلام في الحاجة إلى علم الرجال وقلنا انه بداهة لا بد من علم الرجال ولا بد من النظر فيه، واتينا بالادلة العامة، المهم المرحلة الثالثة قالوا ان علم الرجال لا حاجة لنا به اصلا لان الكتب الاربعة كلها قطعية الصدور وهذا ما ذهب اليه الكثير من الاخباريين كصاحب الوسائل (ره).

الكتب الاربعة: الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه. هذه الكتب الاربعة كلها صحيحة لذلك لا حاجة لعلم الرجال، هكذا قالوا.

أدلة النافين للحاجة لعلم الرجال:

الدليل الاول: قطعية صدور الكتب الاربعة، وهذا الدليل يحتاج إلى تتمة وهي: وجود الاحكام الشرعية بأجمعها وأكملها في روايات الكتب الاربعة، وإلا، فمع احتمال وجود احكام شرعية أخرى فلا يتم الدليل لوجوب البحث في غير هذه الكتب، مما يلزمه البحث في احوال رجال الحديث وفي الاسناد.

ما الدليل الذي ساقوه على قطعية الكتب الاربعة؟

الدليل على ذلك ان اصحاب الكتب الأربعة قد شهدوا بصحة الروايات الواردة فيه في ديباجة الكتب:

فقد قال الكليني: في أول كتاب الكافي في جواب من التمس منه التصنيف: " وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين، والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنة نبيّه ". [1]

وقال الصدوق في ديباجة " من لا يحضر الفقيه ": إني لم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته، واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدّس ذكره، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع. [2] وقد سمعت من بعض الاصوليين رأيا يتبناه نتيجة هذا الكلام من الشيخ الصدوق وهو صحة وصدور كل الروايات الموجودة في كتاب من لا يحضره الفقيه، سواء أكانت مأخوذة من الكتب الأربعة أو من عيرها، وذلك لقوله (ره): انه أخذ رواياته من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع.

واما الشيخ في العدّة فقد ذكر أن ما رواه من الروايات مأخوذ من الأصول المعتمد عليها، وكلمة " معتمدة " تدل على الشياع.

ويذكر في الاستبصار كلاما طويلا لخصه صاحب الوسائل:

وقال الشيخ في كتاب العدة وفي الاستبصار كلاما طويلا ملخصه: أن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة

أقسام: منها ما يكون الخبر متواترا.

 

ومنها ما يكون مقترنا بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر [3] .

ومنها مالا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به. [4]

وأن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضا.

ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته [5] وأن كل خبر عمل به في كتابي الاخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة.

وذكر في مواضع من كلامه أيضا أن كل حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة، وقد صرح في كتاب العدة بأنه لا يجوز العمل بالاجتهاد ولا بالظن في الشريعة، وكثيرا ما يقول في التهذيب في الاخبار التي يتعرض لتأويلها ولا يعمل بها: هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علما ولا عملا، فعلم أن كل حديث عمل به فهو محفوف بقرائن تفيد العلم أو توجب العمل. [6]

لنبحث معنى كلمة صحة، وهي لبّ المطلب ومفصله: الصحة لها ثلاثة احتمالات: الاول بمعنى الصدور، الثاني بمعنى المعتبر والحجة، والثالث بمعنى ما اخبر به عدل عن عدل وهو مصطلح المتأخرين.


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص8.
[2] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص3.
[3] إذن التواتر شيء والمقطوع الصدور بسبب القرينة شيء آخر. اذكر هذا الكلام تعليقا على ما ذكر في بعض الكتب الحديثية الفقهية من ان التواتر هو القطع بالصدور، فمثلا: ورود ستة روايات عن اصحاب الصادق (ع) بنفس المضمون. لكن قلنا ان هذا اصطلاح ولم يرد في أي نص، ويبدو ان هذا ليس هو اصطلاح التواتر، والتواتر: هو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب. وذكرنا ذلك مرارا. اما إذا كان من جهة واحدة يكون خبر واحد ظني لكن باعتبار وجود القرائن حوله وهي كثرته مثلا او ان المخبر راقٍ جدا كزرارة ومحمد بن مسلم مثلا، هذه الكثرة والاسناد العالي تصنع اطمئنانا او قطعا بالصدور.
[4] وجوب العمل به وليس الصدور.
[5] وهذا مطلب يؤدي بنا إلى معرفة ما معنى " الصحة ". ولـ " الصحة " لها ثلاثة معانٍ عند القدماء: الاول: الصدور. الثاني: الحجة. الثالث: الذي ينقله عدل عن عدل، اصطلاح العلامة (ره) الذي أخذه عن استاذه ابن طاووس كما قيل. سنبحث ما المراد من الصحة في كتاب الكافي (ره) " الصحيحة عن الصادقين "، ما المراد من كلام الشيخ الصدوق " من لا يحضره الفقيه ". انتم حملتم كلمة " صحيحة " على الصادر، لكن هناك ثلاثة معانٍ.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص64، ط الاسلامية.