الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

38/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: علم الرجال.

الحاجة إلى علم الرجال.

الحاجة إلى علم الدجال في خبر الواحد غير القطعي:

قبل الشروع نقول ان كل المطلب وهو الحاجة إلى علم الرجال وعدم الحاجة متوقف على كلمة واحدة. نحن قلنا في علم الاصول هناك مسائل كبرى وكذلك في علم الفقه والفلسفة والفيزياء والكيمياء واكثر العلوم تكون هناك مسائل كبيرة والكلام حولها كثير لكن يوجد فيها مفصل واحد بسيط إذا التفت له جيدا يحل المسألة كلها.

مسألة الحاجة إلى علم الرجال مفصلها واحد وهو التالي: ما هو معنى كلمة " صحيح " عند القدماء خصوصا عند الشيخ الكليني والطوسي والصدوق.

كلمة " صحيح " فيها ثلاثة معان. الصحيح: بمعنى الصادر الثابت، والصحيح بمعنى الحجّة، والصحيح بمعنى تقسيم العلامة أي إذا حققنا معنى الصحيح ما اخبر به عدل عن عدل. كل مسألة الحاجة إلى علم الرجال تدور مدار هذه النقطة فقد لاحظت أنها المفصل.

نحقق معنى الصحيح نصل إلى كل ما ذكروه في الحاجة إلى علم الرجال أو عدمها من اخباريين وغيرهم [1] .

قبل الشروع سنقسّم الخبر، الخبر على ثلاثة أقسام: متواتر، ومحفوف بقرينة قطعية وغيرهما.

أما المتواتر فتعريفه: هو إخبار جماعة يمتنع اجتماعهم عقلائيا على كذب، كأن يكون من جهات مختلفة أو اطراف متعادية، او مسافات شاسعة بحيث يستبعد عقلائيا لقاؤهم وغير ذلك [2] .

ولذلك يخرج عن التواتر إخبار جماعة من طرف واحد، مثلا: لو كانوا كلهم من تلامذة الامام الصادق (ع) ستة اخبار من الصحاح كخبر زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهم من الاعلائيين، قد اقطع حينئذ لكن هذا بناء على هذا التعريف ليس تواترا لانهم من طرف واحد.

وقد وجدت في بعض الكتب الفقهية من يصف الحديث الوارد عن خمسة أو ستة طرق من جهة واحدة يصفه بالتواتر، وهذا غير تام بحسب تعريف التواتر. نعم قد يفيد ذلك الاطمئنان بالصدور، لكن الاطمئنان بالصدور شيء وكونه خبرا متواترا بحسب الاصطلاح شيء آخر.

وأما المحفوف بالقرينة، فهو ما اكتنف الخبر بما يجعله مقطوعا وقد مثل له صاحب المعالم (ره) بخبر مجهول مثلا: أنّ ابنة الملك ماتت، فيخرج السامع من بيته ليرى السواد والبكاء يعم الشوارع، فيقطع حينئذ بصحة الخبر.

القطع بصحة الخبر شيء والتواتر شيء آخر، قسمان لمقسم واحد وهو الخبر المقطوع الصدور .

واما غيرهما فهو الخبر الواحد الذي نبحث عن حجيته وهو الذي لا يؤدي إلى قطع.

ونعود إلى الحاجة إلى علم الرجال ونقول:

في الأصل: لا شك ولا ريب في الحاجة إلى علم الرجال إلى تحقيق أحوال الرواة، وهذا ديدن العقلاء، فانهم وإن قلنا بأنهم يأخذون بالخبر الموثوق لكن وثاقة الرواية تأتي غالبا من وثاقة الراوي، وهو قرينة مهمّة [3] ، فلا بد من البحث عند من سيرته الذاتية بما يخدم هذه الجهة.

ونذكر ما استدلوا به باختصار ولن نطيل لبداهة الحاجة إلى ذلك في الاصل:

من الادلة: عدم جواز العمل بالظن، ونعلم أن خبر الواحد يؤدي إلى الظن بحصول مضمونه، إلا في حالة واحدة وهي وجود قرائن تجعله قطعي الصدور.

وقد وردت آيات متعددة في النهي عن العمل بغير علم كقوله تعالى: ) ولا تقف ما ليس لك به علم ( [4] وقوله: ) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( [5] .

كذلك الروايات الكثيرة في النهي عن العمل بغير علم، انظر إلى كتب الاحاديث كالوسائل في كتاب القضاء باب 10، 11، 12، من ابواب صفات القاضي وغيرها.

وهذه الادلة وإن كانت تمنع من العمل بخبر الواحد الثقة لأنه ظني الصدور إلا انه لا مانع من حجية بعض اصناف الخبر إذا قام الدليل على حجيته، للإحاطة بمسائل الحلال والحرام، ومن باب تقديم الخاص على العام، كحجية خبر الواحد، والظواهر، والشهرة بناء على تمامية دليل الحجية.

لا يقال: عن الآيات عام غير قابل للتخصيص.

قلنا: بناء على شمول الآيات للأحكام الفقهية الفرعية وعدم اختصاصها بالعقائد – كما ذهب إلى ذلك بعضهم – وهو الصحيح، لإطلاق الظن، فإن ما قام عليه الدليل أصبح من الحق، وذلك من باب الورود.

ومن الادلة: الأمر بالرجوع إلى سيرة الراوي في الاخبار العلاجية: كما ورد في الوسائل ج 18كتاب القضاء باب 9 من ابواب صفات القاضي ح1 عن الصادق (ع) في رواية عمر بن حنظلة: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى أن قال: فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلف فيهما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ [ حديثنا ] فقال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر قال : فقلت :............... [6]

نعم هناك اشكال ان هذه الرواية وردت في القضاء وليس في الروايات، لكن نعلم ان القضاء كان بالروايات مباشرة كما في سؤال ابن ابي ليلى لأحد اصحاب الامام (ع) عندما سأله رجل عن كون عدم إنبات الشعر على العانة عيبا اولا، فيعجز عن ذلك، فيقصد أحد اصحاب الامام (ع) ويسأله، " ما عند صاحبكم " أي ليس هناك مسافة بين الراوي والامام (ع).

ومن الادلة: وجود وضاعين كذابين مدلسين بين الرواة:

عدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] من اللطيف ان بعض الاصوليين يقول انه اصبح يعتقد انه ليس فقط الكتب الاربعة حجة بل حتى غيرها من الكتب المعتبرة التي عليها المعول واليها المرجع كلها حجة ولا داعي لعلم الرجال كليا. ونحن سنبيّن اننا سنحتاج إلى علم الرجال حتى في الكتب الاربعة.
[2] كنت أثناء درسنا في النجف الاشرف اعطي مثالا على ذلك الحرب التي كانت بين البعثيين وايران، فلو فرضنا ان اذاعتهم واذاعة الايرانيين وعدة اذاعات اتوا بنفس الخبر حينئذ تقطع بان الخبر صحيح، والسبب في ذلك، لانه اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم عقلائيا على الكذب.
[3] لانه احيان تخالط وترابط بين الوثاقة والثقة وبه اصبح الخبر موثوقا، والسبب في ذلك ان الانسان عندما يخبر كثيرا وعدّة مرات بخبر صحيح يتلبس بالوثاقة، من قبيل الحداد واللبان. الحداد لكثرة مقاربته وعمله بالحديد اخذ اسمه وصار حدادا وكذلك اللبان والحلاب وغيرهم. الثقة سمي ثقة لانه اخبر عدّة مرات باخبار صحيحة فصار يسمى ثقة من الوثاقة. ولذلك البحث عن شخص انه ثقة حتى اصل لإطمئنان بوثاقة الخبر.
[4] سورة الاسراء، آية 36.
[5] سورة يونس، آية 36.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص75، وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها، باب9، ح1، ط الاسلامية.