الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

37/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: علم الرجال.

مقدمة تفيد بصيرة.

تتمة الفرق بين علم الرجال وعلم السيرة وعلم التراجم وعلم التاريخ.

الفرق بين علم الرجال وعلم الدراية وعلم الحديث.

أما علم التراجم: فهو البحث في أحوال أشخاص لهم ميزة ودور إجتماعي أو ثقافي أو سياسي، ممن لهم أثر في مجتمعهم من حيث العلم أو السلطة أو الفن، كالفقهاء والأدباء والمميزين في بقية العلوم والسلاطين.

ولذلك كان البحث في علم التراجم عن الأشخاص من حيث دورهم، أما البحث في الوثاقة والصدق والكذب والعدالة وغير ذلك مما له دخالة في الأخذ بأخباره فليست من العلم إلا أن يكون له دخالة في الدور.

وقد كان علم التراجم وعلم الرجال متداخلين، فكان أصحاب الكتب يدرجون الرواة مع العلماء والفقهاء والشعراء

كما فعل ابن شهراشوب في كتابه " معالم العلماء ". ولم ينفصل العلمان ويتمايزا إلا في العصور المتأخرة، حيث ألف الشيخ المحدث الحرّ العاملي (ره) كتابان أحدهما في الرجال وهو في " خاتمة الوسائل "، وآخر في التراجم وهو " أمل الآمل في تراجم علماء جبل عامل " وقد توفي الحرّ العاملي (ره) سنة 1104ه . وانفصل العلمان فألف السيد الخوئي (ره) كتاب " معجم رجال الحديث " وهو في الرجال، وألف السيد محسن الأمين كتاب " أعيان الشيعة " وان تضمن الرواة وهو في التراجم، وقلنا انه لا مانع من ان يكون هناك مسألة واحدة تبحث في علمين طالما أدت الغرضين، مثلا: ابو جعفر المنصور الدوانيقي السلطان المعروف كان ايضا من الرواة يروي عن الامام الصادق (ع)/ فيمكن بحثه في علم الرجل هل هو ثقة يأخذ بروايته أو لا؟ ويبحث في علم التراجم في احواله كون ان له دورا سياسيا، ويمكن ان يبحث في التاريخ لما له من علاقات عامة وله اثر في الشعوب والوقائع والاحداث، ويبحث ايضا في علم السيرة لبحث شخصيته. والسيد الخوئي والسيد الأمين يكاد يكونا متعاصرين. وهكذا ألف المحدث القمّي كتاب " الكنى والألقاب " في التراجم .

أما علم التاريخ: فالغرض منه بحث حال الأشخاص أو الشعوب من حيث العلاقات العامة، والتأثير في الوقائع والاحداث العالمة.

 

وما يمكن تسجيل في موضوعات ومحمولات هذه العلوم الأربعة:

1-النسبة بين موضوعاتها هي العموم والخصوص من وجه كما في التراجم والرجال، والعموم والخصوص المطلق كما في السيرة والتراجم. وقد يكون موضوع واحد يشترك فيه جميع هذه العلوم وهو كثير، فمثل الشريف الرضي (ره) أو أخيه المرتضى (ره) يدرس في علم الرجال كراوٍ، وفي علم التراجم كشخصية لها دور أدبي، وفي التاريخ كشخصية لها دور سياسي - نقيب الطالبيين -، وفي علم السيرة كشخص له أحوال تهمّ الكاتب. فلا صحة لما قيل باتحاد علمي التراجم والرجال موضوعا.

2- من حيث المحمول فكذلك.

3-من حيث الغايات فهي تختلف اختلافا واضحا كما بيّنا ان غاية علم الرجال غير التراجم وغير علم السيرة وغير علم التاريخ.

الفرق بين علم الرجال وعلم الدراية وعلم الحديث:

علم الرجال: يبحث عن أفراد السند من كل ما يؤثر في الأخذ بالرواية.

وعلم الدراية: هو ما يبحث عن السند على نحو المجموع وتقسيماته بما له أثر في الأخذ بالرواية فيقسم إلى: معتبر وغير معتبر، أو إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف وغير ذلك من التقسيمات.

وبعبارة مختصرة: موضوع علم الرجال هو الأفراد، وموضوع علم الدراية هو المجموع وهو علم آلي يخدم غيره.

وهنا أتوقف عند بعض الأعلام الكبار المعاصرين حيث يقول في كتابه: " كليات في علم الرجال ": " علم الرجال والدراية كوكبان في سماء الحديث، وقمران يدوران على فلك واحد، يتحدّان في الهدف والغاية وهو خدمة الحديث سندا ومتنا. غير أن الرجال يبحث عن سند الحديث والدراية عن متنها، وبذلك يفترق كل عن الآخر، افتراق كل علم عن العلم الآخر بموضوعاته.

وإن شئت قلت: إن موضوع الاول هو المحدّث والغاية التعرف إلى وثاقته وضعفه ومدى ضبطه، وموضوع الثاني هو الحديث، والغاية التعرف على أقسامها والطواريء العارضة عليها ". [1]

نلاحظ هنا: أن الضمير في " عليها " يعود للأحاديث، وقد سبق منه القول بأن الدراية هو البحث عن متن الأحاديث. والبحث عن المتن ليس من الدراية، المتن الذي نفهمه هو النص، والنص شأنه شأن اللغة، والشبهات هنا مفهوميّة نطرق باب الشارع فان لن نجد نطرق باب العرف فان لم نجد نطرق باب اللغة فان لم نجد ناخذ بالقدر المتيقن.

نعم قد يكون المراد من الضمير في " متنها " متن السند، أي السند بما هو مجموع، وهذا صحيح، ولكنه تعبير غريب، أو أنه زلة قلم منه أطال الله عمره الشريف.

ثم إنه يقول: " افتراق كل علم عن العلم الآخر بموضوعاته ".

ونلاحظ: اننا ذكرنا أن المائز بين العلوم هي الأغراض لا الموضوعات، ولا مانع من اختلاف الموضوعات في العلم الواحد مع اتحاد الغرض. وقلنا سابقا أنه لا يشترط في العلم ان يكون له موضوع واحد، على خلاف صاحب الكفاية (ره)، ولا مانع من تعدد الموضوعات، ولا داعي لبحث اتحادها، وبحث الموضوع الكلي الجامع بينها " لأن الواحد لا يصدر إلا عن واحد ". والمهم هو الغرض الواحد الذي يجمع مسائل متشتته، جزئية او كليّة، وقد يكون موضوعات متعددة.

نعم ما ذكره (جزاه الله خيرا) من كون علم الرجال والدراية كوكبان في سماء الحديث، وانهما علمان آليان لخدمة علم الحديث فهو صحيح، كما أن علم الحديث آلة لخدمة علم الفقه. العلوم سلّم يخدم بعضه البعض، مثلا: علم المنطق لخدمة الفلسفة، والفلسفة لخدمة الأصول، والأصول لخدمة الفقه، والفقه العلوم كلها تخدمه وهو لا يخدم أي علم آخر.

والنتيجة: أن هذه العلوم مختلفة، والمسائل فيها متمايزة، وإن ذكرت بعض المسائل من علم الرجال في كتب علم الدراية، كالبحث عن مشايخ الثقات، إلا أنه استرسال أو استطراد من صاحب الكتاب مما يراه نافعا، تماما كمن يبحث مسألة فقهية كأصالة عدم التذكية في علم الأصول، وكما ذكرنا في مسألة مقدمة الواجب بحثنا مسألة ان التيمم والغسل هل يجب ان يكون لها غاية او لا؟ هل هما عبادة لنفسها او لا؟ هل هما مثل الوضوء يصح الاتيان بهما للكون على طهارة؟ هل هناك غسل او تيمم للكون على طهارة كما في الوضوء المستحب النفسي. هذه المسألة فقهية لا علاقة لها بالأصول، السيد الخوئي (ره) ذكرها، وذكر الدليل مختصرا وهو ان التيمم والغسل ايضا يمكون ان يكونا للكون على الطهارة الحاقا لكون التيمم احد الطهورين، فبإطلاقها امكن ان يكونا على الطهارة.

والذي أعتقده كاستشراف لمستقبل علم الرجال، أنه سيولد منه علم آخر وهو قواعد علم الرجال. لان علم الرجال قسمين: قسم يبحث عن أحوال الرواة كأشخاص كأفراد، فهو يبحث عن الجزئيات، وقسم يبحث عن القواعد العامة فيه، كتوثيق شيخوخة الاجازة، وتوثيق مشايخ الثقات، وأل زرارة، وأل بني فضال هل كلهم ثقات؟ وغير ذلك من القواعد، تماما كما ولد علم الأصول من علم الفقه الذي بدأ بالبحث عن أحكام المكلف وتدريجيا لوحظ ان هناك قواعد عامّة، وبدأت عمليا تنفصل القواعد العامة عن الخاصة إلى ان تأسس علم جديد وهو علم الاصول، لذلك قال السيد الصدر (ره) انها مشتركات " العناصر المشتركة "، وقلنا ان هذا لزوم ما لا يلزم، لكنه غالبا عمليا كذلك. قد يكون مسالة واحدة لها اثر ونتيجتها تقع في طريق الاستنباط وليست من علم الفقه بل من علم الاصول. واتوقع في علم الرجال ان يحصل نفس الشيء من انقسامه لقسمين: قسم يبحث في الافراد وقسم يبحث في القواعد العامة نتيجتها تنفعنا في البحث عن أحوال الافراد.

غدا ان شاء الله نكمل ونبحث الحاجة إلى علم الرجال.

 


[1] كليات في علم الرجال، الشيخ جعفر السبحاني، ج1، ص16.