45/11/28
الموضوع: الأصول العملية، البراءة.
• حديث الرفع يشمل خصوص الآثار المترتبة على المكلف بما هو مكلّف، دون الآثار المترتبة على أمور أخرى وإن كانت حاصلة بفعل المكلّف.
• لو أكره أو أجبر أو اضطر إلى الإفطار في شهر رمضان وترك الصوم، فترتفع المؤاخذة، ولا يرتفع وجوب القضاء لان وجوب القضاء موضوعه الفوت وليس الإفطار.
• حديث الرفع واشباهه وارد مورد المنّة، وذلك للحن الخطاب، فلا يشمل ما ليس فيه منّة.
• تطبيقات منها: عدم رفع المستحب والمكروه، وعدم رفع صحة العقد المضطر اليه.
في التنبيه الخامس قلنا أن حديث الرفع يشمل خصوص الآثار المترتبة على المكلف بما هو مكلّف، دون الآثار المترتبة على أمور أخرى وإن كانت حاصلة بفعل المكلّف.
ذكرنا مثالا وهو أنه لو أكره على تنجيس يده، وقلنا باختصار أن موضوع النجاسة في حل الاشكال هو ان النجاسة مستندة للملاقاة المستندة أي موضوع التنجس هو الملاقاة وليست مستندة لعمل المكلّف.
ومثال آخر: لو أكره أو أجبر أو أضطر إلى الإفطار في شهر رمضان وترك الصوم، فقد يقال بارتفاع وجوب القضاء، لان القضاء مترتب على ترك المكلّف للصوم هذا أثر أول. وهناك أثر ثاني هو المؤاخذة.
قد يقال: من حديث الرفع انه رفع عن امتي ما اضطروا اليه يرتفع جميع آثار الإفطار حتى القضاء، مع انهم اجمعوا على وجوب القضاء. ووجهة نظر هذا القول امران: الاجماع وذهب اليه الشيخ النائيني (ره).
والوجه الآخر لحل الاشكال كلام السيد الخوئي (ره)، بان الإفطار له اثران: الأثر الأول رفع المؤاخذة بسبب عصيان الشارع بالافطار، والاثر الثاني هو القضاء الذي هو ليس من اثار الإفطار بل من آثار الفوت. أي إذا صدق الفوت صدق وجوب القضاء فلا يشمله حديث الرفع لانه ليس من فعل المكلّف بنفسه، نعم المكلف سبب لثبوته وتحققه.
التنبيه السادس: إن الحديث واشباهه ورد مورد المنّة على المكلفين، فلا يشمل ما ليس فيه منّة.
بيانه بالمثال: إذا أتلف شخص مال آخر عن طريق الخطأ، ونعلم أن من آثار الإتلاف وجوب الضمان على المتلِف، فهل يرتفع بحديث الرفع؟
والجواب: أنه لا يرتفع، فهو وإن كان فيه منّة على المتلِف بالكسر، إلا أنه لا منّة فيه على صاحب المال المتلَف له المال فيجب ان يعوّض، وبالتالي ترتفع المؤاخذة لان في رفعها منّة على المتلِف، ولا ترتفع عنه لانه ليس فيها منّة على صاحب المال بل ضرر عليه. بالتالي حديث الرفع لا يشمل هكذا فعل، وحقوق الناس امر اعتباري بيد الشارع رفعها ووضعها وقرارها، بحديث الرفع رفع ما كان تحت يد الشارع من احكام ومن جملتها حق الناس، لكن حق الآخرين من الناس ليس فيه منّة في رفعه لذلك حديث الرفع لا يشمله.
بعبارة أخرى: المنّة هي في رفع حقوق الله عز وجل، وليس هناك من منّة في رفع حقوق الناس، لان المنّة تكون على المتلِف أي على طرق واحد، ويبقى الطرف الثاني، وحديث "الرفع رفع عن امتي ..." يشمل الطرفين أي كل الأمّة.
ومن التطبيقات: هل يشمل الحديث المستحبات؟
الرفع يشمل رفع جميع الاحكام، سواء كانت واجبة، أو مستحبة، فإذا شككت في استحباب الغسل ليلة القدر، فلو شك بحديث رفع استحباب الغسل من باب عموم الآثار والاحكام، لكن هل في رفع الاستحباب منّة؟
الجواب: انه ليس في رفع الاستحباب منّة، بل الرفع فيه تفويت فرصة للثواب، إذ ليس في المستحب مشقّة أو همّ أو مسؤولية أو مؤاخذة عند تركه ليكون الرفع منّة على المكلّف فلا يكون فيه منّة على المكلّفين.
فيصبح حديث الرفع بالنسبة للمستحبات لغوا، فلا معنى لرفع الحكم ورفع المسؤولية والمؤاخذة على امر هو تحصيل حاصل. ونفس الأمر يشمل الفعل الذي فيه كراهية، فمع تجنب الأمر المكروه لك الاجر، ففي رفعه تفويت للثواب والأجر أيضا. ولذلك قالوا ان حديث الرفع خاص برفع المؤاخذة بالالزاميات الحرام والواجب.
ومن التطبيقات: عدم رفع صحة بيع المضطر، إذ لا منّة فيه.
مثلا المضطر لبيع أرضه ليعالج زوجته أو ولده، "فرفع عن امتي ما اضطروا اليه ..." هل يرفع صحة البيع؟
الجواب بالنفي لان حديث الرفع لا يشمل هكذا مورد، الحديث يشمل المشكوك مثل ما لا يعلمون، اما الاضطرار، فلو ارتفعت صحة البيع المضطر، وقلنا ببطلان البيع لحديث الرفع، فحينئذ، المضطر للبيع لا يستطيع ان يبيع لعلاج ولده، مع العلم ان البيع لقضاء حاجة المحتاج.
فإذن إذا كان ما اضطروا من باب المنّة على المكلفين، فلا معنى هنا في مثالنا ان نقول من المنّة بطلان هذا البيع، نعم يصح البطلان في ما استكرهوا عليه إذ فيه منّة.
بقي شيء وهو من اين أتت المنّة في حديث الرفع:
نقول: هناك تعبير عند العلماء "لحن الحديث" و "لحن الخطاب" و التعبير بـ "رفع المنّة" فبرفع عن امتي نفهم اننا لسنا مسؤولين، وخذوا سعتكم، فالسعة على الناس منّة على المكلفين مقابل حق الطاعة والإلزام، فرفع الإلزام لو كان عقلا فرفعه منّة، هذا الشيء نعبّر عنه بلحن الخطاب. [1]
لذلك نقول أن الروايات الواردة من حديث الرفع وغيرها لحن خطابها رفع المنّة.