45/11/18
الموضوع: الأصول العملية، البراءة.
• من روايات البراءة، احاديث: "رفع عن امتي ما لا يعلمون".
• ذكر بعض روايات الرفع ومحاكمة الاسانيد.
• تقريب الاستدلال بها.
بعد التذكير بما مرّ، ومن روايات البراءة الشرعية، أحاديث: "رفع عن أمتي ما لا يعلمون".
سنتوسع قليلا بالبحث في هذه الرواية لأهميتها في التفريعات، هل الرفع للأحكام التكليفية فقط، أو للأحكام الوضعيّة، أو رفع المؤاخذة فقط، وهل تثبت حكما أو لا؟ وهل تشمل الموضوعات والاحكام أو لا؟ وغير ذلك.
ففي الوسائل: ح 1 - محمد بن علي بن الحسين في (التوحيد والخصال) عن أحمد بن محمد بن يحيى (ثقة)، عن سعد بن عبد الله (ثقة)، عن يعقوب بن يزيد (ثقة)، عن حماد بن عيسى (ثقة)، عن حريز ابن عبد الله (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق "الخلوة خ ل" ما لم ينطقوا بشفة. [1]
من حيث السند: صحيح.
من حيث الدلالة: الحسد امر نفسي موجود والمطلوب ان نتغلّب عليه، وان نعالجه لأنه مرض، لكنه ليس تحت قدرة المكلّف دائما وما هو تحت قدرة المكلف هو التغلب على الجوارح وليس على الجوانح، فلا تدع الحسد يتغلب على الجوانح، ولذا ورد في بعض الروايات: "فإذا حست فلا تبغ".
وفي الحديث 3 – محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وضع عن أمتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد. [2]
من حيث السند: مخدوش فهو مرفوع.
وفي الحديث 2 - محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أبي داود المسترق عن عمرو بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" وقوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. [3]
من حيث السند: المعلى بن محمد لم يثبت توثيقه عندنا وإن وثقه بعضهم [4] ، ويقول النجاشي مضطرب الحديث وكتبه قريبة.
أبو داوود المستشرق واسمه سليمان بن سفيان: ثقة نقل الكشي توثيقه عن العياشي عن ابن فضال -من باب التوثيقات الخاصّة-.
والحسين بن محمد: الظاهر أنه الحسين بن محمد بن عمران الذي هو من أشياخ الكليني (ره) ووثقه النجاشي. [5]
فالرواية ساقطة عن الحجية بالمعلى بن محمد، إلا أن النجاشي لما وصف كتبه بالقريبة فهذا يعني أن مضامينها في ضمن الجو العلمي لمذهب أهل البيت (رع)، فيمكن الاستفادة من هذا المضمون لتفسير الروايات الأخرى. فقوله (ع) : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" وقوله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" وكانه فسّر الرفع في الرواية برفع المؤاخذة بالآية بقوله تعالى: "ربنا لا يؤاخذنا". وهذا يعيننا على تفسير الرواية لمعرفة ماذا رفع هل رفعت الاحكام، التكليفية أو الوضعية وغير ذلك، أي ما هو المرفوع.
هذه الرواية وان كانت ساقط عن الحجية لكن مضمونها قريب من القواعد، فنستطيع ان نستفيد منها في تفسير المرفوع ما هو، أي ما هو متعلّق الرفع؟
أما من حيث الدلالة: فالاستدلال بفقرة: "ما لا يعلمون". ونلاحظ هنا أن ثلاث فقرات يمكن أن تشمل بإطلاقها الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية وهي: النسيان والخطأ وما لا يعلمون، والفقرات الأخرى مختصّة بالموضوعيّة بالفعل وهي: "ما لا يطيقون، وما اكرهوا عليه، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق"، فهذه الفقرات مختصة بالشبهات الموضوعيّة، إذ لا معنى لان يكون الحكم الشرعي مما لا يطاق أو من المضطر إليه، فالحكم انشاء خفيف المؤنة، أما الثقيل المؤنة فهي الأفعال الخارجية.
وتقريب الاستدلال بالرواية على اصل البراءة: إن الاحكام الواقعية مرفوعة في مرحلة الظاهر لا واقعا، أي لم ترفع واقعا، بل تبقى في اللوح المحفوظ والواقع، إلا انه بالنسبة للمكلّف الجاهل تكون مرفوعة وتكن حالة شك حينئذ تبدأ مرحلة الظاهر لا الواقع أي رفع الأثر اعتبارا بلسان رفع موضوعه، فالحكم موجود واقعا وليس بيد الشارع رفعه كما في المثال: "لا علم بلا عمل" العلم موجود وجدانا وتكوينا والمرفوع هو رفع الأثر بلسان رفع موضوعه.