الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية.

     هل اصل الطهارة امارة أو أصل عملي؟

     رّد السيد الخوئي (ره) الثالث على صاحب الحدائق (ره)، وهو الاشكال بعدم الفرق بين صيغة "كل شيء لك طاهر" وبين "كل شيء لك حلال". والتعليق على ذلك.

     رد السيد الخوئي (ره) الرابع وهو موثقة الساباطي بوجوب إعادة الصلاة وعدم طهارة الثوب بعد العلم بالنجاسة. والتعليق على ذلك.

     النتيجة: ما ذكره البحراني (ره) مقبول.

 

نكمل الكلام في أصالة الطهارة هل هي أصل أم امارة؟ هل هي حكم كلي لموضوع كلّي؟ وأين يمكن ان تبحث فبي الأصول أو في الفقه.

وبعد التذكير بردود السيد الخوئي (ره) على صاحب الحدائق (ره) نكمل الكلام في الرد الثالث والرد الرابع.

واما ردّ السيد الخوئي (ره) الثالث فيقول: "وثالثاً بأن ما أفاده (قدس سره) إذا كان تماماً في قوله «الماء كله طاهر...» أو «كل شيء نظيف...» فلماذا لا يلتزم به في قوله (عليه السلام) «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (الوسائل 17: 89 / أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4، 25: 118 / أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 7، 24: 236 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 64). بأن يدعى أن الحرمة ممّا لا واقعيـة له، وإنما هي أمر اعتباري اعتبرها الشارع بعد العلم بها، ومن البعيد جدّاً أن يلتزم بتوقّف الحرمة على العلم بها. مع أن وزانه وزان قوله «الماء كله طاهر».

بعبارة اخرى: السيد الخوئي (ره) يتسائل ما الفرق بين "كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر" وبين "كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام"، هذا يعنى ان الحليّة المجهولة تنطبق عليه آثار الحليّة المعلومة، مثلا: لو اشترى شخص شاة ولا يعلم انها حرام أو حلال، ثم تبيّن انها ليست له. فبناء على هذه القاعدة يصبح مجهول الحليّة كمعلوم الحليّة فكل نمائها له، لانه وقع في زمن المجهوليّة. فالسؤال من السيد الخوئي (ره) لصاحب الحدائق (ره) لماذا في الطهارة حكمت بحكم ولم تحكم به في الحليّة؟

والجواب: تختلف الروايتان، فالأولى تقول: "فإذا علمت فقد قذر" وهذا مفقود في رواية الحليّة "كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام". نعم لو كان للروايتين مفهوم واحد، ومع ذلك اختلف الأمر بين الطهارة والحليّة فإشكال السيد الخوئي (ره) في محلّه.

واما ردّ السيد الخوئي (ره) الرابع فيقول: على أنّا لو سلمنا كلا الوجهين وبنينا على صحة انطباق الروايات الواردة في معذورية الجاهل على ما نحن فيه، وعلى أن النجاسة إنما تثبت بالعلم بها،...

بعبارة اخرى: أي إذا انطبقت الرواية يصبح مجعول النجاسة إذا توضأت به أي الماء، يكون الوضوء صحيحا إلى ان يعلم بالنجاسة فيصبح الوضوء باطلا، فلا يجب عليه لا اعادة الصلاة ولا الوضوء، نعم يجب الوضوء للصلوات الآتية. نكرر ونقول ان كلام صاحب الحدائق بالرغم انه خلاف المشهور لكنه مقبول.

ردّ السيد الخوئي (ره): أيضاً لا يمكننا الالتزام بما أفاده في المقام (أي لا يجب اعادة الصلاة)، وذلك للنص الخاص الذي دلّ على وجوب إعادة الصلاة أو قضائها فيما إذا توضأ بالماء النجس جاهلاً، ومع وجود النص الصريح كيف يمكن العمل على طبق القاعدة،....

نقول: ان كلام السيد الخوئي (ره) صحيح من ناحية التخصيص، لكن الغاء القاعدة ليس بصحيح، بل القاعدة تبقى سارية في أمور اخرى باستثناء ما ورد في الرواية التالية.

ردّ السيد الخوئي (ره): وهو موثقة عمار الساباطي «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الاناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة، فقال إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه، ثم يفعل ذلك بعدما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة. وإن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من ذلك الماء شيئاً وليس عليه شيء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه.

ثم قال: لعلّه أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» (الوسائل 1: 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1).

فانّ تعليله الحكم بقوله «لأنه لا يعلم متى سقطت فيه» كالصريح في أنه لو كان علم سقوطها فيه قبل الوضوء أو الاغتسال أو غسل الثوب وجبت عليه إعادة الوضوء والصلاة ولزم أن يغسل ثيابه وكل ما أصابه ذلك الماء، وإنما لم يجب عليه ذلك لاحتمال وقوعها في الماء في تلك الساعة التي رآها.

فالمفهوم من الرواية ان زمن وقوع الفأرة في الاناء هو الميزان وليس العلم بوقوع الفأر في الاناء.

أي ان المسألة متى وقعت وليس متى علم.

الرواية معتبرة وموثقة ويجب أن نعمل بها، هي الرواية تخرق القاعدة لذلك السيد الخوئي اعتبرها الردّ الرابع.

ردّ السيد الخوئي (ره): ثم إن الرواية تعم ما إذا انكشفت نجاسة الماء قبل خروج وقت الصلاة وما إذا كان الانكشاف بعد خروجه، وذلك لقوله «قد توضأ من ذلك الاناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه» لأن الوضوء مراراً، أو الاغتسال وغسل الثياب كذلك ـ لعطفهما على الوضوء مراراً ـ قبل خروج وقت الصلاة مما لا يتحقق عادة.

(ليس هناك داع للإستدلال بكلمة مرارا لان الدليل اعم فالمسألة مرتبطة بالزمن إما قبل الصلاة أو بعد الصلاة، نعم هي مؤكدة).

ردّ السيد الخوئي (ره): والعجب منه (قدس سره) كيف لم يلتفت إلى وجود النص في المقام والتزم بما نقلناه عنه.[1]

والجواب: أننا نلتزم بالرواية الصحيحة المعتبرة من وجوب غسل الثياب وغسل كل ما أصابه ذلك الماء وإعادة الوضوء والصلاة، أما بقية الاحكام مثل جواز بيع الماء المتنجس فيبقى على الجواز (بناء على حرمة بيع المتنجس) ولا تسقط القاعدة التي استنبطها البحراني من الرواية الأولى، ونقول ان الرواية الثانية تخصص القاعدة بهذه الامور.

نعم لو اثبتنا وحدة المناط بين احكام النجس، لمّ ما ذهب إليه المشهور.

والنتيجة: إن أصل الطهارة هو حكم كلي لموضوع كلّي، فالموضوع هو: وجود الدم في الماء القليل والعلم به، والحكم هو جواز بيعه، وكذلك بقيّة الاحكام من عدم غسل الثياب، ولا عدم إعادة الوضوء لو لا النص. أي انها من باب الحكومة، أو سكاكيّة، في توسيع الموضوع من قبيل "الطواف صلاة"، والكلام سليم حتى لو كان هناك ردّ على السكاكي. ففي مسألتنا " يجب الوضوء بالماء الطاهر" و "الماء الطاهر هو ما لم تعلم انه قذر"، أي ان الطاهر يشمل الطاهر الواقعي والطاهر المجهول النجاسة، صار الحكم أوسع من الموضوعين، فيصبح عندنا قاعدة عامّة: "الطهارة التي هي موضوع الاحكام تشمل معلوم الطهارة ومجهول النجاسة" فأصبحت عبارة عن حكم كلّي وهو صحّة كليّ الوضوء وصحة الصلاة لموضوع كلّي، ولذلك لا تعتبر أصلا عمليا، وينبغي درسها في الفقه،

من هنا كانت أصالة الطهارة قاعدة وامارة وليست أصلا عمليا.

ومن هنا نجد الفرق بين ثبوت الطهارة بالاستصحاب، وبين ثبوتها بأصل الطهارة.

أصل الطهارة قاعدة تبيّن الحكم الوضعي فهي أمارة، اما الاستصحاب وظيفة عمليّة لا تثبن لوازم أخرى.

 


[1] ان الفقيه يجب ان يفحص بالمقدار العقلائي لتحصل الحكم، ويمكن أن لا يصل لدليل، مثلا: بالنسبة إلى حجاب المرأة هناك مضمون رواية انها تتحجب عندما تبدأ ترك الصلاة، أي بداية الحيض، فيجب الحجاب حينئذ. سند الرواية مقبول لا باس به. هذه الرواية لم يلتفت اليها احد الاخوة الفقهاء بالرغم ان النص كان موجودا، فما العجب في ذلك. فآلاف الروايات ليست حاضرة في الذهن، وان أقول لا اعلم لا يترتب عليه شيء نعم عليه ان يستفرغ الوسع لتحصيل الدليل.