45/06/25
الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد من الأخبار:
• من الادلّة على الحجيّة الأخبار.
• مدارس حجية الخبر ثلاث وليس اربع.
• الطائفة الرابعة يحتمل عدم دلالتها على حجية خبر الواحد، بل الامر بالنشر كي يكون مقدّمة لتحصيل العلم.
• اقسام التواتر، والخلاف بين النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره) حول وجود التواتر الإجمالي، ورأي السيد الأستاذ.
بعد تلخيص ما مرّ وقلنا ان كل الادلّة عبارة عن استعمال وليس عبارة عن كشف، نكمل الكلام في الأدلة على حجية خبر الواحد من الاخبار، وقلنا ان هناك ثلاث مدارس لاعتبار الحديث:
المدرسة الأولى مدرسة الكتب، فلمجرّد ان يكون الحديث في كتاب معتبر مثلا في كتاب "عقاب الاعمال" للشيخ الصدوق (ره) اعتبر الحديث حتى لو كان سنده ضعيفا وكان ناقله كذابا. وكمثال في مسألة الرضاع انه يجوز للحامل المقرب أو للمرضعة ان تفطر إذا اثر الصوم سلبا على غذاء الولد. وهناك رواية سندها ضعيف في كتاب "عقاب الاعمال" وهي انه إذا كان هناك مرضعة أخرى فلا يجوز لها ان تفطر. رغم ان السند ضعيف الكثيرون عملوا بالرواية وافتوا بعدم جواز الإفطار إذا كان هناك مرضعة أخرى. وأيضا مع العلم ان هناك حديثا: "ما من لبن افضل للرضيع من لبن امه"، فمع ان الرواية في "عقاب الاعمال" لم يذكر سندها ولا ادري إن كان سند آخر، فلمجرد انها في هذا الكتاب فمن الصعب تجاهل روايات الكتاب، لذلك عمل بالرواية الكثيرون.
بعبارة أخرى: المقتضي لحجية الخبر هو وجوده في كتاب معتبر.
المدرسة الثانية مدرسة السند، والتي انا اختارها واعتبر ان المدرسة الأولى مجرّد مؤيّد لما ورد: "ان الحديث من كتب عليها المعوّل واليها المرجع" هذه مؤيدات، لكن نحن نذهب لمحاكمة السند، فإذا كان قويا نأخذ به وإذا كان ضعيفا لا نأخذ به أيا كان الكتاب بشرط ان يكون راوي الكتاب ثقة.
وبعبارة أخرى: المقتضي لحجية الخبر سنده.
المدرسة الثالثة مدرسة المضمون، فالاعتبار بحسب مضمون الرواية.
فمن جهة دلالة الروايات على حجية خبر الواحد، نقول ان الدلالة نحتاج اليها إذا كان السند صحيحا يعني ان المقتضي لحجية الخبر موجود، وقد يكون المانع موجودا أيضا لو من حيث الدلالة كما في "إذا خالف قول ربنا لم نقله" و " ما خالف الكتاب لم نقله" و "خذ ما اشتهر بين اصحابك" وغير ذلك.
اما في مسألة الوثوق بالرواية أو الحديث، أي كون المعتبر في حجيّة الخبر هو وثاقة الرواية لا وثاقة الراوي، فهذا لا يعتبر مدرسة أخرى. فقد قلنا ان الخبر على قسمين: مقطوع الصدور وغير مقطوع الصدور.
ومقطوع الصدور قسمان: المتواتر والمحفوف بقرينة قطعيّة.
فالموثوق بالصدور صار من المحفوف بالقرينة التي تورث قطعا، أي صار الحجّة هو الوثوق وليس كون الخبر خبر واحد، والكلام في حجيّة خبر الواحد الظني.
وقلنا سابقا اني أذهب إلى ما ذهب اليه السيد المرتضى (ره) وهو" "ان خبر الواحد ليس حجّة إلا إذا أدى إلى اطمئنان". هذا صحيح ونسلّم به لكن مع تعديل بسيط وهو انه غالبا عند البشر خبر الثقة يؤدي إلى وثوق. [1]
هذا من جهة دلالة حجية الروايات على حجية خبر الواحد، لكن الروايات المذكورة في الباب يحتمل دلالتها على وجوب الحفظ والنشر والكتابة لتحصيل العلم بالصدور كما في عرض كتاب الحلبي على الائمة (ع)، لان الطائفة الرابعة هي الاخبار الواردة بحفظ الروايات واستماعها وضبطها وكتابتها، وهي على السنة مختلفة. اعتبروا ان هذه الروايات دليل على حجية خبر الواحد. وكما ذكرنا سابقا ان احتمال تراكم هذه الروايات قد يؤدي إلى الوثوق، وان كان السيد الخوئي (ره) كان يقول: "ان ضم اللا حجّة إلى اللا حجّة لا يؤدي إلى حجّة"، لكن احيانا التراكمات والمؤيدات الكثيرة، ما عبّر عنه السيد الشهيد الصدر (ره) "حساب الاحتمالات" يؤدي إلى وثوق.
نذكر بعض من هذه الروايات من الطائفة الرابعة لما فيه من فوائد أخرى.
في الصحيح: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله جل ثناؤه: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" ؟ قال: هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه. [2]
من حيث السند: صحيح معتبر.
وفي الصحيح: ح 2 – محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس. [3]
وهذا الحديث سينفعنا، لذلك صاحب الوسائل (ره) في الخاتمة يقول ان أكثر الاخبار نقلت بالمعنى.
قد يقال: إن الاستدلال على حجيّة خبر الواحد بخبر الواحد واضح؟ وهذا دور واضح الفساد.
فإنه يقال: إن الاستدلال هو بالخبر المتواتر على حجية خبر الواحد.
بيانه: التواتر على ثلاثة أقسام:
تواتر لفظي: وهو اتفاق جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب على نقل خبر بلفظه. كحديث الغدير: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
التواتر المعنوي: وهو اتفاقهم على نقل مضمون واحد، مثل نقل بطولات علي (ع) التي نقلت بالفاظ مختلفة لكن المضمون واحد.
التواتر الاجمالي: هو القطع بصدور بعض الروايات من مجموعة على نحو الاجمال. لذلك بعضهم في دليل الانسداد الصغير قال: ان ضمن هذه الروايات الموجودة بين ايدينا نقطع بوجود بعضها فيؤدي إلى حجية الخبر.
وقد يستعمل التواتر الاجمالي مكان التواتر المعنوي أو العكس، والسبب ان هذه التعاريف وبيان الالفاظ ومعانيها لم يصدر عن مجمع علمي صدر منه اتفاق على اصطلاح خاص، بل هناك علماء افاضل كتبوا، ومن كتاباتهم على نحو الوضع التعييني نتج بعض الاصطلاحات الخاصّة. مثلا: "بناء العقلاء" استعمل بعدّة معان، احيانا بمعنى السيرة واحيانا بمعنى الحكم، مع العلم ان هناك فرقا شاسعا بين الحكم وبين سيرة العقلاء، لكن لكثرة الاستعمال حصل نقل من المعنى القديم اللغوي إلى المعنى الجديد الاصطلاحي.
وقلنا أن هناك معنى آخر للتواتر وهو "قطعي الصدور" وقلنا أن هذا المعنى ليس تواترا، وقطعي الصدور على قسمين: المتواتر والمحفوف بالقرينة. فقطعي الصدور يكون محفوفا بقرينة قطعية تؤدي إلى قطع.
نعود، المحقق النائيني (ره) أنكر التواتر الاجمالي، بدعوى أننا لو وضعنا كل خبر على حدة لما كان قطعي الصدور بل هو ظني.
وأجابه تلميذه السيد الخوئي (ره): بأن أخذ كل خبر على حدة لا ينافي قطعية صدور بعضها.
أقول: هذا راجع إلى معنى التواتر، فإن قلنا بأنه اتفاق جماعة يمتنع عقلائيا تواطؤهم على كذب، فلنفي التسمية بالتواتر مجال واسع. فلا وجود حينئذ للتواتر الاجمالي، وقلنا انه ليس للكثرة قيمة في التواتر بل المناط أن أقطع بسبب اتفاق جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب حتى لو كانا اثنان وكل واحد منهما بجانب بخلاف ما اذا كانا بجانب واحد فلا يكون تواتر.
وإن قلنا بأنه ما كان قطعي الصدور، فهو متواتر لا شك في ذلك. والأمر سهل بعد أن قطعنا بحصول القطع بالصدور.