44/03/22
الموضوع: القطع:
• الحل بالنسبة لحرمة الفعل المتجرّى به بعنوانه الأوّلي: ما نذهب إليه هو أن الأحكام تابعة للمصالح تارة في متعلّقاتها مثل: "صوموا تصحوا"، وتارة في نفس الجعل مثل الأوامر الامتحانيّة واحكام الحدود والقصاص.
ملخص ما مرّ: ان هناك ثلاثة عوالم فلا نخلط بينها: عالم تعلّق الحكم، وعالم الامتثال، وعالم العقاب والثواب.
ففي عالم المتعلّق التكاليف هي تابعة للمصالح والمفاسد سواء كان في متعلّقاتها أو في الجعل، وفي عالم الامتثال يأتي الاختيار وعدمه وله مقدماته من التصوّر والتصديق والشوق والمحرّك، وفي عالم الثواب والعقاب يتبع الجرأة على المولى والانقياد له، ففي الانقياد ثواب وفي الجرأة عقاب، فلا علاقة لحرمة الفعل بالجرأة وعدمها.
فمع التفكيك بين هذه العوالم ينتفي الإشكال.
لكن في الجواب الحلّي إشكال: وهو أنه مبني على أن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها. هناك كلام في ان التكاليف تتعلّق في متعلّقاتها أو في الجعل.
ان قلنا انها تتبع للمصلحة والمفسدة في متعلقاتها لا علاقة للقطع أصلا، المحرّم هو الخمر وليس المقطوع الخمريّة.
لكن بناء على ان الاحكام تابعة لمصلحة في الجعل، فان هذا الجواب بالنسبة للتفكيك الذي ذكرناه غير تام، لان الأثر لو كان في الجعل، أي في نفس إنشاء الحكم، لما تمّ الأثر إلا مع العلم والقطع بالحكم.
مثلا ففي الأوامر الامتحانيّة لا مصلحة في نفس متعلق الحكم، بل المصلحة في الجعل، أي إنما أنشئ الحكم ليعرف المولى مقدار طاعة العبد له. ولا يتمّ هذا الأثر بدون علم وقطع العبد بالحكم.
الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها أو في جعلها؟
ولا بأس بليّ العنان باختصار لبيان ما نراه في هذه المسألة، لان بعضهم ذهب إلى ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها، وبعضهم ذهب إلى ان المصالح والمفاسد في نفس جعل الحكم:
يقول الفقير إلى رحمة ربه والسداد: إن المصلحة والمفسدة قد تكون في المتعلّق، كالمثال المذكور ففي قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ نستظهر أن الأثر وهو النهي عن الفحشاء والمنكر أثر لنفس الصلاة، لا لما قطع بأنه صلاة ولو لم يكن صلاة في الواقع، بل في أكثر الأوامر والنواهي، ففي الحديث الشريف: " صوموا تصحوا " ظاهر في كون المصلحة في نفس الصوم، أي لما اكتملت المصلحة في الصوم، ألزم الله به عباده. وهكذا.
وتارة أخرى تكون المصلحة في نفس الجعل، كمعظم إن لم يكن كل القصاص والحدود. ففي قوله تعالى: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ [1] نستظهر أن المصلحة من تشديد هذه العقوبة هي ردع الناس عن السرقة، لليقين بأن قطع اليدين لا مصلحة فيه بذاته، بل إنما شدّد الله عز وجل العقاب ليمتنع الناس عن ذلك. وحينئذ لا مانع ابدا من جعل الحكم، وبعد ذلك لا نجد أي مصداق له في الخارج، لخوف الناس من هذا العقاب. ولعلّ هذه هي الحكمة من تشديد الشرط في إثبات الزنى ايضا، وأنه بأربعة شهود، وان يراه الشاهد كالميل في المكحلة، بحيث يصبح من العسير والصعب إثبات المصداق. فتكون المصلحة في الجعل وامتناع الناس عن ذلك لا يكون إلا مع العلم بالقصاص. [2]
هذا كله بالنسبة لتحريم المتجرى به بالعنوان الاولي.
قلنا اننا في التجري سنبحث في مقامين: أولا: هل الفعل المتجرّى به حرام؟
ثانيا: هل التجرّي نفسه حرام؟ وهل يستحق العقوبة أو لا؟
لا يزال الكلام في المقام الأوّل وهو ان نفس الفعل المتجرّى به حرام، اما البحث في ان نفس التجري حرام، فهو مقام آخرى.
في المقام الاوّل ما نتصور انه حرام، تارة نتصوره انه بالعنوان الأولى، حيث قيل انه حرام بالعنوان الثانوي بعنوان انه مقطوع به، بعنوان القطع، بملاك ان قبح النفسيّة وخبث السريرة وقبح التمرّد يسري إلى الفعل، فإذا صار الفعل قبيحا وقلنا أن " ما حكم به العقل حكم به الشرع " بهذه الملازمة أصبح حراما شرعا.
اما بالنسبة لتحريم المتجرّى به بالعنوان الثانوي: فقد يدّعى حرمة الفعل المتجرى به بملاك التمرّد على المولى.
واستدل له بوجوه: الأول في كيفية بيان القبح.