40/05/23
الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.
الواجب التخييري:
نكمل الكلام في التخيير وقلنا انه قسمين: تخيير عقلي، وتخيير شرعي.
والتخيير العقلي ما يحكم به العقل، هو تخيير في عالم الامتثال بين افراد الكلي.
والتخيير الشرعي فهو ما يحكم به الشارع، فيكون في عالم الاثبات والبيان. وهو امر واقع ظاهرا، كالتخيير في خصال الكفارة، وخصال الديّة، وفي الكفارة اما صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو اطعام ستين مسكين، او الديّة، دية القتيل (قتل النفس المحرّمة) اما عشرة آلاف درهم أو الف دينار أو مائتي حلّة أو مائة ابل أو مأتي بقرة.
فالتخيير بين خصال الكفارة ليس تخيرا عقليا ظاهرا بل هو تخيير شرعي، نعم إذا كان المطلوب في الواقع هو الجامع بينها (القيمة مثلا) وهذه تطبيقات، فالمطلوب واحد وليس اطرافا متعددة، وبهذا يكون التخيير عقليا واقعا.
وقد اختلفت الانظار في توجيه التخيير الشرعي، كيف يكون المردد موجود في التخيير الشرعي؟ افعل هذا أو هذا والمردد لا وجود له في الخارج إلا في الذهن.
يقول الشيخ الآخوند في كفاية الاصول: " إذا تعلّق الامر باحد الشيئين او الاشياء، ففي وجوب كل واحد على التخيير بمعنى عدم جواز تركه إلا إلى بدل أو وجوب الواحد بعينه أو وجوب كل منها مع السقوط بفعل احدهما، أو وجوب المعيّن عند الله ؟ اقوال:" [1] هذه اربعة تعاريف وبعضها تعريف باللوازم.
ونقول وقد اخذنا سبيل الاختصار: ان التخيير واقع عرفا وشرعا، والشارع لم يخرج عن السلوك العرفي في اصدار الاوامر. نرى ان الآمر العرفي في مقام البيان يقول: افعل هذا او ذاك. فيكون متعلّق الامر هو عنوان انتزاعي من كليهما، إذ قد لا يكون بينهما جامع حقيقي. وهذا العنوان هو عنوان احدهما المنطبق على كليهما عند الامتثال. المردد لا وجود له في الخارج لكن العنوان انتزاعي جامع وليس مرددا بينها فيمكن امتثاله بتحقيق منشأ انتزاعه. [2]
ولو فرضنا وجود جامع حقيقي بينهما واطلب الجامع اصبح هذا تخييرا عقليا، هذا بحده أو هذا بحده، اريد احد الفردين هذا هو التخيير الشرعي. فإذا كان هناك جامع حقيقي بينهما قد يقال انا انتزع الجامع انتزاعا واطلب الجامع، وعندما يتعلق الحكم بينهما فيكون قد تعلق بالجامع هذا هو التخيير العقلي. صاحب الكفاية (ره) يقول: لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، هذه استخدمها في عدّة مواضع، قال ان الآمر انما يأمر لغرض والغرض الواحد يصدر عن واحد وهذا الواحد هو الجامع بينهما. مثلا: الكفارة هناك غرض وهو ستر الذنوب أو محق الذنب مثلا، هذا الغرض يتحقق عن جامع وهو شيء واحد، الشارع قال: اما واما واما، فيكون قد بيّن الاطراف التي يكون بها الجامع.
فان هذا الجامع لا ندركه، فيتدخل الشارع لبيان اطرافه، فلا يكون تخييرا عقليا، إذ في التخيير العقلي يدرك العقل الاطراف، ومع إدراك العقل للاطراف يكون بيانها لغوا محضا، او ارشاديا للاطراف المحققة للجامع، واما لابدية وجود الجامع عقلا فلا أثر لها في مقام الامتثال وفهم المتعلّق، وهذا يكفي في المقام.
وقد ورد التخيير الشرعي في موارد عديدة منها:
قوله تعالى: ﴿ لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [3] .
وفي حديث للامام الصادق (ع) في الوسائل: ﴿كل شيء في القرآن " او " فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء ﴾ [4]
هذا التخيير تخييرا شرعيا.التخيير بين الاقل والاكثر وهل يمكن عقلا التخيير بين الاقل والاكثر او لا؟ غدا نكمل ان شاء الله تعالى.