الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     المختار في مسألة العبادات المنهي عنها.

     نظرة جديدة في معنى العبادة ترفع كثيرا من الشبهات وتحلّ عدة مسائل.

     المثال العرفي على الوقوع وهو مثال العضدي والحاجبي.

     اشكال صاحب الكفاية على المثال في محلّه.

     تغيير المثال بمثال آخر وهو: لو أمره بخياطة ثوبه ونهاه عن التصرف.

كان الكلام في العبادات المنهي عنها وانما عرّج عليها صاحب الكفاية لانهم قالوا ان الدليل على امكان اجتماع الامر والنهي هو الوقوع، وقد وقع شرعا ووقع عرفا. اما شرعا ففي العبادات المنهي عنها، وأما عرفا كما لو خاط الخادم ثوبا لمولاه، وهو مثال العضدي والحاجبي عندما قالوا بجواز الاجتماع. وبينا كلام صاحب الكفاية عندما قسّم العبادات إلى اقسام ثلاثة، وكلام النائيني (ره) وذكرنا انه يقول بان هذه العبادات في طول واحد، اما صاحب الكفاية يقول انها في عرض واحد وذكرنا ما نختاره نحن.

المختار في مسألة العبادات المنهي عنها: بعد أن بنينا على كون العبادة مفهوما عرفيا وهو فعل خاص بين العبد والمعبود، ولا دخل لقصد القربة في مفهوم العبادة لا من قريب ولا من بعيد، ولا لداعي الامر، ولا خوفا من ناره، ولا طمعا في جنته، ولا غير ذلك من المعاني التي كثيرا ما تقترن بالعبادة. بل العبادة هي عبارة عن فعل من العبد باتجاه معبوده – فعل خاص وحركة خاصة افعال خاصة- وذكرنا مثالا: تأملوا في عبادة العبد للوثن ليس دائما يكون فيها قصد القربة ولا طلب حاجة. حتى الدعاء ليس هناك داعي الامر قطعا إذ لا أمر من الوثن، هناك حالة ذكر من العبد إلى هذا المعبود. حتى في الصلاة عندنا كمسلمين، الصلاة الواجبة والاجزاء الواجبة ليس فيها دعاء بل هي تسبيح لله سواء أكان ذلك في الركوع أو السجود أو القيام فقط في الفاتحة فانها قراءة وليس من باب الدعاء، نعم في التشهد طلب الصلاة على محمد وأل محمد .

دور الامر بالعبادات: الصلاة علاقة، والاوامر تبين المطلوب " صلوا كما رايتموني اصلي" وليس كما يحلوا لكم أو كما ورثتموه فانه يسقطها كصلاة. الامير (ع) يقول عن الصلاة:" الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك"، ولو كان الطمع في الجنة أو الخوف من النار جزءا من المفهوم لما صحت حتى الصلاة والعبادة حتى من الامام علي بن ابي طالب (ع)، نعم غالب البشر انما يصلون لناحية نفعية " لان معظم البشر يعملون بداعي الربح والمنفعة، وهذا فرق اساسي بين المولى وغيره في الدوافع للعمل.

فإذا كانت العبادة كذلك، فلا فرق بين تعلّق النهي بالتعبدي أو تعلقه بالتوصلي، ولا يدل النهي على فساد العبادة بذاته، كما سنبّن المسألة جيدا إن شاء الله في مسألة: دلالة النهي على الفساد. كذلك بنحل إشكال الشيخ الانصاري المشهور في أخذ قصد الامر في متعلّقه الذي يلزم منه أخذ المتقدم في المتأخر وغير ذلك. هذا هو المثال الشرعي الذي ذكروه على ان افضل دليل على الامكان هو الوقوع، اما الوقوع اما شرعا وهو النهي عن العبادات.

المثال العرفي على جواز اجتماع الامر والنهي: وهو دليل الحاجبي والعضدي، يقول صاحب الكفاية (ره): ومنها ان أهل العرف يعدّون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرّم مطيعا وعاصيا من وجهين، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي، فلو خاطه في ذلك المكان عدّ مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وفيه مضافا للمناقشة في المثال بانه ليس من باب الاجتماع ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة وجودا اصلا [1] كما لا يخفى.

وجه عدم كون المثال من باب الاجتماع: وذلك ان الكون هو من مقولة الأين، والخياطة إما من مقولة الفعل إذا كانت بمعنى إدخال الإبرة في الثوب أو دخولها، وإما من مقولة الكيف إذا كانت بمعنى الحاصل من الدخول. ولا تجتمع المقولتان المتأصلتان في امر واحد.

نقول: الجواب على الاشكال على المثال: أما المثال فيمكن تغييره وذلك فيما لو أمر المولى خادمه بخياطة ثوب ونهاه عن التصرف في فناء مكان خاص، فهذا لا شك في الاتحاد وجودا في الخارج لكون التصرف فعل والخياطة فعل. بناء على كون إدخال الابرة أو دخولها. والفرق بين هذا المثال ومثال العضدي هو أن العنوان المنهي عنه في مثال العضدي هو الكون في المكان، او في هذا المثال فهو التصرف في فضائه.

الجواب الثاني: وأما الدليل العقلي على الامتناع فهو غير تام كما بيّنا، فالامثلة لا بد فيها من تأويل. من قبيل تأويل: " يد الله فوق ايديهم " " تبارك وجه ربك " " وجاء ربك والملك ". لكن لما دل الدليل العقلي على نفي الجسمية لا بد حينئذ من تأويل هذه الالفاظ. طبعا هذا بناء على أن الموضوع له لفظ اليد والوجه هو العضو لا القدرة.

يكمل صاحب الكفاية: المنع إلا عن صدق أحدهما ، إما الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الامر ، أو العصيان فيما غلب جانب النهي ، لما عرفت من البرهان على الامتناع . نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات ، وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها ، إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض (عليه) ، كما تقدم [2]

توضيح الفقرة الأخيرة: قالوا ان الثمرة في العبادات وهي انه على القول بجواز اجتماع الامر والنهي تصبح العبادة المأمور بها لوجود الامر بها. أما إذا قلنا بعدم جواز الاجتماع أي بالامتناع وغلبنا جانب الامر تصح العبادة. وإذا قلنا بعدم الجواز وبالامتناع وغلبنا جانب النهي تفسد العبادة لان النهي عن العبادة يقتضي فسادها.

نقاش كلام صاحب الكفاية: هذا كلام صاحب الكفاية (ره) اولا: المثال الذي اعطاه الحاجبي والعضدي هو انه لو امر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص. يعني ان هناك عنوانين: العنوان الاول: الخياطة، والعنوان الثاني: الكون. قالوا انه إذا كانت الخياطة بمعنى الادخال والدخول فهو فعل، وإذا كان بمعنى الهيئة الحاصلة فهي كيف، اما الكون في المكان فهو من مقولة الأين ولا تجتمع مقولتان.

فلماذا نتبع مثال العضدي والحاجبي؟ فلنعط مثالا آخر يمكن اتحاد ااعنوانين فيه.

المثال الصحيح: المثال يمكن تغييره: وذلك فيما لو امر المولى خادمه بالخياطة ونهاه عن التصرف في فضاء ما وهو فعل. صار عندي عنوانان عنوان الخياطة وهو من مقولة الفعل أو الكيف وعنوان التصرف الذي هو من مقولة الفعل، ولا مانع من اجتماع العنوانين واتحادهما خارجا لانهما من مقولة واحدة.

حينئذ هذا الاشكال على المثال يرتفع لان الخياطة من مقولة الفعل والتصرف من مقولة الفعل أيضا، فاصبح العنوانان من مقولة واحدة وهي الفعل وحينئذ لا اشكال في المثال. واما الدليل العقلي على الامتناع يجب تأويل هذه الاشياء وهذا عندك. اما نحن فقد تم الدليل عندنا على الجواز. بقي الكلام في التفصيل بين حكم العقل بالجواز وحكم العرف بعدمه، أي الجواز عقلا والامتناع عرفا وهو المنسوب إلى المحقق الاردبيلي (ره) وربما يستدل عليه بان العقل يحكم بالجواز للأدلة التي ذكرناها، ولكن العرف يفهم التعارض بين الامر والنهي. ونحن قلنا ان الاحكام متعلقة بالطبائع، والطبيعة لا يسري الحكم منها إلى الفرد، مثلا: لا تصل في الارض المغصوبة، عنوان الصلاة مأمور بها وعنوان الغصب منهي عنه واجتمعا في معنون واحد. الحكم يبقى في الطبيعة ولا يسري إلى الفرد ابدا، يعني الفرد لا يمكن ان يكون متعلّقا للحكم ابدا لا بذاته ولا سريانا. هذا كلام المحقق الاردبيلي (ره) غدا نبينه ونبيّن ما فيه.

 


[1] حيث اننا اشترطنا في جواز اجتماع الامر والنهي ان يجتمعا في معنون واحد وجودا وهو واحد.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخرساني، ج1، ص166.