الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
39/07/10
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: اجتماع الامر والنهي.
• تعرض صاحب الكفاية (ره) لأدلة الجواز.
• الدليل العبادات المكروهة، والعبادات المستحبة.
• الجواب الاول إجمالي، وهو لا بدية التأويل بعد ثبوت الامتناع.
بعد تمامية مقدمات ان الاحكام متعلقة بالطبائع وليست متعلقة بالافراد. وبعد الذهاب إلى ان الطبائع غير موجودة في الخارج. وبعد ِإلى ان المبغوضية والمحبوبية لا تكون في الأفراد بل للطبائع ايضا، انت عندما تبغض زيدا لانه فاسق انت تبغض الفسق ولا يزال البغض موجودا في الفسق وليس في زيد، فلا يزال البغض في الطبيعة والنهي في الطبيعة، والامر لا يزال في الطبيعة والحب في الطبيعة. هذه النقطة التي قد غفل عنها الكثير من الاصوليين حيث كانت المشكلة عندهم: كيف تجتمع المحبوبية والمبغوضية. المبغوضية لا تزال في الطبيعة والمحبوبية لا تزال في الطبيعة فاين اجتماع الامر والنهي في واحد؟! نعم في مقام الخرج والامتثال اجتمعا في معنون واحد.
وقلنا ان هناك فرقا بين عالم التعلق وعالم الامتثال، وقد بيّنا هذه المسألة بما لا مزيد عليها، عالم تعلق الاحكام شيء وعالم الامتثال شيء آخر، هما عالمان وليسا عالما واحدا. إذا تمّ كل هذا وصلنا إلى ما يلي: إذا احتمل جعل الحكمين جاز اجتماع الامر والنهي، نعم إذا علمنا بوجود حكم واحد حينئذ ننظر إلى الأدلة فيقدم أحدهما على الآخر من باب التخصيص او التقييد او الحكومة أو الورود، او تقديم الاظهر على الظاهر، وقد يكون تقديم الناسخ على المنسوخ، وإلا ذهبنا إلى العام الفوقاني، وإلا ذهبنا إلى الأقوى مناطا، وإلا ذهبنا إلى الاصل العملي.
صاحب الكفاية (ره) تعرض لأدلة الجواز بعد ما ذهب إلى الامتناع، قال هو: انه لا يجوز اجتماع الامر والنهي في واحد ابدا، يمتنع ذلك عقلا، ثم يتطرق إلى بعض ادلة الجواز، ولا باس بالتطرق اليها.
صاحب الكفاية يتطرق إلى ثلاثة ادلة للجواز ويرد عليها:
العبادات المكروهة: الاول: من استدل بجواز اجتماع الامر والنهي قال: ان جواز الاجتماع لو لم يجز عقلا لما جاز شرعا ولما وجد مثله في الشرع، وهذا موجود في العبادات المكروهة مثلا: " لا تصلّ في الحمام " هذه صلاة مأمور بها وايضا منهي عنها لكن كل في الامر انه نهي كراهتي، والنهي الكراهتي مثل النهي التحريمي، لان الاحكام الخمسة متضادة. و كالصيام في السفر، لا يجوز الصيام في السفر " ليس من البر الصيام في السفر "، الصوم في السفر مأمور به لانه صوم ومنهي عنه لانه في سفر، امر ونهي قد اجتمعا في واحد وهذا في الشرع موجود، ولو امتنع عقلا لامتنع شرعا. هذا احد ادلة الجواز وهي العبادات المكروهة.
العبادات المستحبة: بل ايضا العبادات المستحبة، مثلا: يستحب صوم يوم الغدير او النصف من شعبان، فلو فرضنا انه لم يبق مجال في النصف من شعبان لان عليه صوم شهر واجب فوجب عليه صوم هذا اليوم قضاء عن شهر رمضان لتضيق الوقت وهو ايضا مستحب، وكيف يجتمع الاستحباب مع الوجوب؟ ايضا هنا تضاد، التضاد يمنع اجتماع الاستحباب مع الوجوب، والاستحباب مع الاباحة، والاباحة مع الكراهة، والوجوب مع الوجوب، فإن تضاد الاحكام يمنع اجتماع الاحكام مع بعضها البعض، لان الاحكام الخمسة متضادة ولا تجتمع. إذن مرد بعض العبادات المكروهة، وبعض العبادات المستحبة هي واجب ومستحبة ايضا ويعطي امثلة على ذلك كالصلاة في المسجد، وهذا واضح في جواز اجتماع الامر والنهي في واحد. هذا هو الاستدلال الاول الذي تعرض له صاحب الكفاية وهو يجيب على ذلك بجوابين: احدهما اجمالي والاخر تفصيلي.
الجواب الاول الجواب الاجمالي: اما الاجمالي بان يقول: بعد ما ثبت امتناع اجتماع الامر والنهي في واحد عقلا، أي محال ان يجتمعا في واحد، فلا بد من تأويل كل ما يرى ظاهره بذلك من قبيل: الآيات القرآنية إذا ورد بعض ما يوهم التجسيم " يد الله فوق ايديهم " لا بد من تأويل بعد ما ثبت عقلا ان الله عز وجل ليس له يد جسمانية [1] . إذا ثبت عقلا امتناع شيء فلا بد من تأويل وهذا لا يحتاج إلى كلام. ومثال آخر واحد زائد واحد يساوي اثنين إذا اتيت بشبهة أنها تساوي ثلاثة ولا استطيع ان اردها، اقول: انا عاجز عن ردها، لكن ليس معنى ذلك انها صحيحة، بل هي شبهة مقابل بديهة، اذا كان بديهة واضحة فلا يمكن ان اتخلى عنها لاجل شبهة. بل ينبغي أن أقول حينئذ ان هذا الاشكال قوي ومتين لكن لا اعرف كيف الخروج منه، الاشكال على شيء ليس دليلا على تامة على نقضه او أي بنحو العلة التامة، فقد يكون له ردّ ولكن لم أجده.
ثم ان صاحب الكفاية بعد ما بيّن عدم تعدد العنوان بتعدد المعنون ذهب إلى الامتناع، في فرد واحد لا يجتمعان. فهو إما حرام وإما واجب والممكن إما ممتثل وإما عاص. ثم بعد الامتناع يورد بعض ادلة الجواز ويقول:
ثم إنه قد استدل على الجواز بأمور:منها: إنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي، لما وقع نظيره وقد وقع، كما في العبادات المكروهة، كالصلاة في مواضع التهمة [2] وفي الحمام والصيام في السفر وفي بعض الأيام.
بيان الملازمة: إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعددهما، لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد، بداهة تضادها بأسرها [3] ، والتالي باطل، لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب، في مثل الصلاة في الحمام [4] ، والصيام في السفر [5] ، وفي عاشوراء ولو في الحضر [6] ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب، في مثل الصلاة في المسجد أو الدار. [7]
هذا دليل الجواز، فظاهره يجوز اجتماع الامر والنهي في واحد بهذه الامثلة. ثم يقول: غدا ان شاء الله الجواب اجمالا وتفصيلا. واجمالا يعني إذا كان ممتنعا عقلا فلا بد من تأويل هذه الموارد. وأما تفصيلا فسيبيّن التفصيلات. [8]