الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     استعراض كلام الشيخ النائيني (ره) في المحاضرات.

قلنا ان الشيخ النائيني (ره) لاحظ شيء في مسألة ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون او لا؟ كانما يريد ان يبيّن ان المعنون متعدد، فلاحظ ان المشتقات لا يتعدد فيها المعنون، اما المبادئ فيتعدد فيها المعنون. لكن لماذا لان المبادئ موجودة بوجود فعلي ولا ينطبق بعضها على الآخر في الخارج. اما المشتقات رغم الوجود الفعلي لها ولكن احدها ينطبق على الاخر. اي ان المشتقات في الخارج موجودة متحدة بينما المبادئ تتعدد، وإذا تعددت في الخارج يكون الامر متعلقا باحدها والنهي متعلقا بالاخر.

إذن على الحيثية التعليلية لا بد إلى الذهاب إلى الامتناع، وعلى الحيثية التقييدية لا بد إلى الذهاب إلى الجواز. هذا ملخص راي الشيخ النائيني (ره).

نكمل قراءة ما ذكره السيد الخوئي (ره) في المحاضرات:

فالنتيجة : هي أن الجهات في صدق العناوين الاشتقاقية بما أنها جهات تعليلية فتعددها لا يوجب تعدد المعنون في الخارج. [1] ومن هنا يكون التركيب بين العنوانين الاشتقاقيين: كالأبيض والحلو والمصلي والغاصب وما شاكلهما في مورد الاجتماع اتحاديا، لفرض أن المعنون واحد وجودا وماهية، والتعدد إنما يكون في العرضين القائمين به.

وأما إذا كان العنوانان من العناوين الذاتية: كالعلم والشجاعة والقدرة وما شابه ذلك فمن الطبيعي أن تعددها يوجب تعدد المعنون في الخارج، ضرورة أن الجهات فيها تقييدية، فلا يعقل اتحاد العنوانين منها خارجا، ولا يمكن أن يكون التركيب بينهما اتحاديا، بداهة [2] أن التركيب الاتحادي إنما يعقل بين جزءين يكون أحدهما قوة محضة والآخر فعلية كذلك كالمادة والصورة. وأما الاتحاد بين أمرين فعليين فلا يعقل، لوضوح أن كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى.

وعلى هذا الضوء فلا محالة تكون جهة الصدق في صدق كل من تلك المبادئ جهة تقييدية. ومن الواضح أن الجهة التقييدية توجب تعدد المعنون خارجا، مثلا: ما ينطبق عليه عنوان العلم غير ما ينطبق عليه عنوان العدل في الخارج، لاستحالة اتحادهما فيه [3] ، غاية الأمر أنهما يكونان متلازمين في الوجود في مورد الاجتماع.

والوجه في ذلك: هو أن المبدأ المأخوذ بشرط لا بما أنه ماهية واحدة وحقيقة فاردة فلا محالة يكون محفوظا بتمام ماهيته أينما سرى وتحقق، ضرورة أن الصلاة الموجودة في الدار المغصوبة متحدة في الماهية والحقيقة مع الصلاة الموجودة في غيرها ، وكذا البياض الموجود في الثلج - مثلا - في المكان المغصوب متحد في الماهية والحقيقة مع البياض الموجود في العاج أو نحوه ، وكذا الحال في بقية المبادئ ومنها: الغصب فإنه ماهية واحدة أينما سرى وتحقق، أي: سواء تحقق في ضمن الصلاة أم في ضمن فعل آخر.وعلى هذا الأصل فلا محالة يكون التركيب بينهما - أي: بين الصلاة والغصب مثلا - في مورد الاجتماع انضماميا، نظير: التركيب بين الهيولي والصورة، ويستحيل اتحادهما في الخارج ليكون التركيب بينهما اتحاديا، لما عرفت من استحالة التركيب الحقيقي بين أمرين فعليين.

وبكلمة أخرى: أن الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى، وهي مقولة الأين. ومن المعلوم أن المقولات أجناس عاليات ومتباينات بتمام الذات والحقيقة، فيستحيل اندارج مقولتين منها تحت مقولة [4] ، فإذا كانت الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى يستحيل اتحادهما في الوجود الخارجي واندراجهما تحت مقولة ثالثة. .........

وبكلمة أخرى: أن جهة الصدق في العناوين الاشتقاقية بما أنها جهة تعليلية فلا يوجب تعددها تعدد المعنون في الخارج، وجهة الصدق في المبادئ بما أنها جهة تقييدية فلا محالة تعددها يوجب تعدد المعنون فيه. ............. فالنتيجة قد أصبحت من جميع ما ذكرناه: أن التركيب بين عنوانين اشتقاقيين تكون النسبة بينهما عموما من وجه في مورد الاجتماع تركيب اتحادي، بمعنى: أن معروضهما في الخارج واحد وجودا وماهية، وإن كان منشأ انتزاعهما متعددا فيه باعتبار أنه لا يمكن انتزاع مفهومين متباينين من شيء واحد.وأما التركيب بين المبدأين تكون النسبة بينهما عموما من وجه في مورد الاجتماع تركيب انضمامي لا محالة، بداهة استحالة انتزاع مفهومين تكون النسبة بينهما عموما من وجه من موجود واحد بجهة واحدة، وإلا لكانا متساويين، فإن ملاك التساوي: هو أن يكون صدق كل منهما على أفراده متحدا مع صدق الآخر على أفراده في ملاك الصدق وجهته، وهذا بخلاف المفهومين تكون النسبة بينهما عموما من وجه فإن جهة الصدق في كل منهما مغاير لجهة الصدق في الآخر. .......................ولأجل ذلك أشكل ( قدس سره ) على المحقق صاحب الكفاية: بأن القول بالامتناع في المسألة يبتني على أن تكون الجهتان في مورد الاجتماع تعليليتين بأن يكون صدق كل منهما معلولا لجهة خاصة قائمة بالمجمع ليكون التركيب بينهما اتحاديالا انضماميا.

ولكن عرفت أن الجهتين في محل الكلام تقييديتان. وعلى هذا فلا مناص من القول بالجواز. [5] ................

وعلى الجملة: فالعنوانان في مورد الاجتماع إذا كانا متأصلين [6] فلا محالة يقتضيان تعدد المجمع فيه وجودا وماهية، فإذا يتعين القول بالجواز.

وأما إذا كانا انتزاعيين أو كان أحدهما انتزاعيا والآخر متأصلا فلا يقتضيان تعدد المجمع أبدا، بل لابد - وقتئذ - من تحقيق نقطة واحدة، وهي: ملاحظة أن منشأ انتزاعهما على الفرض الأول - وهو: ما إذا كان كلا العنوانين انتزاعيا – هل هو واحد في الخارج وجودا وماهية أو متعدد فيه كذلك؟ ومنشأ انتزاع العنوان الانتزاعي على الفرض الثاني - وهو: ما إذا كان أحدهما انتزاعيا - هل هو متحد مع العنوان الذاتي خارجا بأن يكونا موجودين بوجود واحد أو غير متحد معه بأن يكون منشأ انتزاعه مباينا للعنوان الذاتي وجودا وماهية؟ [7]

فعلى الأول: بما أن المطابق لهما واحد في مورد الاجتماع والتصادق فلابد من القول بالاستحالة والامتناع في المقام.وعلى الثاني بما أنه متعدد فيه فلا مانع من القول بالجواز أصلا.وبكلمة واضحة: أن العنوانين المتصادقين في مورد لا يخلوان: من أن يكونا من العناوين الذاتية والمقولات الحقيقية، وأن يكون أحدهما من العناوين الذاتية والآخر من العناوين الانتزاعية، وأن يكون كلاهما من العناوين الانتزاعية ولا رابع في البين.

فالنتيجة: أن الصور في المقام ثلاثة:............... [8]

غدا نكمل ان شاء الله.

 


[1] في المشتقات تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون، وإذا لم يوجب معناه ان المعنون واحد، يعني الامر والنهي اجتمعا في واحد وهي الكبرى المحال.
[2] هذه هي النقطة التي يتكل عليها، انه لماذا المبادئ يكون التركيب انضماميا ؟ لان المبادئ لا يمكن اتحادها.
[3] ولذلك في مبحث المشتق، في المباحث العقلية هناك اشكال: يقال كيف تقولون ان الله صفاته عين ذاته اي ان الله هو نفسه العدل والعلم والقدرة؟.
[4] في كتب الفلسفة او مقدمات الحكمة بشكل عام درسنا ان الاجناس كالاعراض هل لها جنس يجمعها او لا؟ الذي يقول انه ليس هناك اجناس ما هو الجنس المشترك بين الزمان والمكان، او بين الزمان والكيفية او الوضع؟ لذلك بعضهم قال انه في الاعراض ليس هناك اجناس عالية.
[5] صاحب الكفاية (ره) هناك شيء يميّز طريقة تفكيره، يمتاز بشيء مهم انه عندما يبحثها عدّة مسائل اولا يبحث عالم الثبوت عالم الواقع، ثم يبحث في عالم الاثبات. هذه هي منهجيته في بحث المسائل وليست منهجية في ترتيب الابواب كمنهجية القدماء.
[6] يعني ان الاعراض والجواهر من المقولات وهذه متأصلات.
[7] ملخص كلامه الاخير انه إذا كانا متأصلين ذهبنا للتعدد، واذا كانا انتزاعيين أو احدهما انتزاعيا نرى منشأ الانتزاع. إذا اقتضى منشأ الانتزاع المتأصل تعددا فيكون التعدد اما إذا لا فلا يكون التعدد.
[8] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج4 ص252.