الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     إعادة بيان رأي الشيخ النائيني في التفريق بين الحيثية التعليلية فيمتنع اجتماع الامر والنهي والحيثية التقييدية فيجوز.

     في التعليلية يجتمعان في واحد لان المجمع اتحادي، وفي التقييدية لا يجتمعان لان المجمع متعدد وانضمامي.

ان مسألة اجتماع الامر والنهي هي عبارة عن ان مسألتنا التي هي اجتماع عنوانين على معنون واحد، ما هو حكم هذا المعنون؟ هل هي من صغريات كبرى محال وهي اجتماع الامر والنهي في واحد محال، هل مسألتنا من صغريات هذه الكبرى أو لا؟

في إعادة بيان رأي الشيخ النائيني (ره) عندما فرق بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية قال: ان الاعراض موجودة في الخارج وهي لا تنطبق مع الاعراض الاخرى، محال ان يكون عرضان فعليان في آن واحد. مسألة مذكورة في الفلسفة وليست هلوسة، ان الاعراض العشرة التي ذكروها الجوهر والاعراض التسعة الكيف والاين والزمان والمكان والفعل والانفعال وغير ذلك. ونذكر ان الامور اربعة اثنان متأصلان واثنان غير متأصلين. المتأصلان هما الجوهر والعرض وغير المتأصل هما الانتزاعي والاعتباري. المتأصلان مثل زيد وعمر لا يمكن ان يتحدا اتحادا حقيقيا محال، هذا في الجواهر، اما في الاعراض فكذلك لا يتحد البياض مع الطول مثلا اتحاديا حقيقيا. بعبارة اخرى: المقولتان لا تتحدان.

لاحَظَ الشيخ النائيني هذا الفارق بين المتأصلات الخارجية التي لا يمكن ان تكون في الخارج شيئا واحدا وفرق بينها وبين المشتقات التي يمكن ان تكون شيئا واحدا حقيقيا في الخارج، فخرج بهذه النظرية انه هناك حيثية تعليلية وحيثية تقييدية.

معنى الحيثية التعليلية: ومراده من الحيثية التعليلية ليس العلّة المذكورة في الاصول والاصطلاح، ففي الاصطلاح المتداول الحيثية التعليلية من قبيل: " اكرم العالم " اكرمه لانه عالم، لكن هنا سماها حيثية تعليلية أي علّة لثبوت العنوان للمعنون، مثلا: عندما اقول " زيد العالم " كيفيته قيام المبدأ بالذات الذي أدى إلى وصفه بالعالم علّة لصدق العنوان على المعنون. والمعنون هنا واحد حقيقة. اما تعدد المعنون ولكي يصبح هناك معنونان اثنان، يحتاج إلى ان يكون كل منهما متأصلا في الخارج وله فعليته الخاصة. فيصبح هناك وحدة اتحادية في الوصف في المشتق، ووحدة انضمامية في المعنون التي هي حيثية تقييدية في المبدأ، هذا ما لاحظه الشيخ (ره) وغالبا ما يكون كذلك هناك مشتق وهناك مبدأ.

ومن باب توضيح المطلب: تارة عندي مشتق وتارة عندي مبدأ وما شاكله، الوصف حيثية تعليلية كـ " العالم " و المبدأ حيثية تقييدية كالعلم، ونذكر ان مراده من الحيثية التقييدية شيء غير المتداول بين الاصوليين وهو شيء آخر، اصطلاح من عنده هو سماه (ره) في التقييد وفي التعليل. مراده عندما اقول " اكرم العالم " العالم يقوم بالانسان كزيد نوع من القيام المختلف عن غيره تارة تلبس فعلية وتارة استمرارية وتارة بطبعه وتارة تلبس صنعة، كيفية قيام المبدأ بالذات تصنع شيء من الاشتقاق وهو (ره) سماها كيفية تعليلية.

وحتى نوضح الفكرة اكثر نقول: اذا كان حالة وصفية فهي حيثية تعليلية بنظره، اما حالة المبدئية هي حيثية تقييدية وما اشبهها، وهذه المسألة لا علاقة لها لا بأصالة الماهية ولا بأصالة الوجود كما ذكر صاحب الفصول.

ولذلك ملخص الكلام ان المعنون إن كان على نحو الحيثية التقييدية بمعنى ان يكون المتعلّق – متعلق العنوان الامر والنهي – امران خارجيان منضمان بعضهم إلى بعض لان العنوان يؤدي إلى تعدد المعنون، إذا كان كذلك صارت حيثية تقييدية، ومع الحيثية التقييدية المجمع هو عبارة عن اثنين منضمين بعضهما إلى بعض، حالة انضماميّة يصبحان كالمتلازمين، فنعود في المسألة إلى المتلازمين، هل يجوز في المتلازمين ان يكونا محكومين بحكمين متخالفين؟ فاصبح عندي في الخارج مسألة انضمامية من قبيل انضمام الكتاب والقلم لكل واحد حكم لكن كلاهما موجود على الطاولة فيجوز اجتماعهما. هذا في الانضماميين اما في الاتحاديين فاجتماع الامر والنهي في واحد حقيقة، وهذا محال، لذلك عبّر (ره) وقال: ان كان على نحو الحيثية التعليلية صار واحدا لانه واحد لان متعلق الحكمين واحد.

نعود لمحاضرات السيد الخوئي (ره) حيث يقول: فالنتيجة: هي أن الجهات في صدق العناوين الاشتقاقية بما أنها جهات تعليلية فتعددها لا يوجب تعدد المعنون في الخارج. ومن هنا يكون التركيب بين العنوانين الاشتقاقيين: كالأبيض والحلو والمصلي والغاصب وما شاكلهما في مورد الاجتماع اتحاديا، لفرض أن المعنون واحد وجودا وماهية، والتعدد إنما يكون في العرضين القائمين به.

وأما إذا كان العنوانان من العناوين الذاتية [1] : كالعلم والشجاعة والقدرة وما شابه ذلك فمن الطبيعي أن تعددها يوجب تعدد المعنون في الخارج [2] ، ضرورة أن الجهات فيها تقييدية، فلا يعقل اتحاد العنوانين منها خارجا، ولا يمكن أن يكون التركيب بينهما اتحاديا، بداهة أن التركيب الاتحادي إنما يعقل بين جزءين يكون أحدهما قوة محضة والآخر فعلية كذلك كالمادة والصورة. وأما الاتحاد بين أمرين فعليين فلا يعقل، لوضوح أن كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى [3] .

وعلى هذا الضوء فلا محالة تكون جهة الصدق في صدق كل من تلك المبادئ جهة تقييدية. ومن الواضح أن الجهة التقييدية توجب تعدد المعنون خارجا، مثلا: ما ينطبق عليه عنوان العلم غير ما ينطبق عليه عنوان العدل في الخارج، لاستحالة اتحادهما فيه، غاية الأمر أنهما يكونان متلازمين في الوجود في مورد الاجتماع. [4]

يعني كما ذكرنا سابقا تعدد العنوان يستلزم تعدد المعنون، وذكرنا سابقا اننا اسسنا اساس ان الجواز مستند إلى احد امرين هما ان الحكم متعلّق بالطبائع ولا يسري إلى الفرد، وإما ان يسري إلى الفرد ولكن يصبح في الفرد تعدد أي هناك اتحاد انضمامي. كل ما في الامر ان الشيخ النائيني يبيّن كيف يكون الواحد انضماميا، وحاول ان يبيّن انه في المبادئ يكون انضماميا، وفي الاوصاف يكون اتحاديا، فلا يجتمع الامر والنهي.

بالنتيجة: ما صف وما له حوصلة يصبح من باب التعارض وليس من باب اجتماع الذوات فلا يقدم اقوى الملاكين، بينما لو كان المتعلق نفس الصفيف ونفس الحوصلة كان انضماميا وجاز اجتماع الامر والنهي ويقدم الاقوى ملاكا حينئذ، هنا تظهر الثمرة.


[1] عبّر عنه بالعنوان الذاتي ولكن هي المبادئ.
[2] إذا قلنا بوجود العرض في الخارج أي صار عندي اصلان فعليان موجودان في الخارج من قبيل العلم والفسق كلاهما له وجود خارجي خاص.
[3] كل هم الشيخ النائيني ان يبين اين صغرى الكبرى المحال واين تتم الصغرى.
[4] محاضرات في الاصول، سيد ابو القاسم خوئي، ج4 ص252.