الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     الحيثية التعليلية تؤدي إلى القول بالامتناع لكون الاتحاد حقيقيا.

     الحيثية التقييدية تؤدي إلى القول بالجواز لكون الاتحاد انضماميا.

     الحيثية في الاوصاف حيثية تعليلية، وفي مبادئ الاشتقاق حيثية تقييدية.

نكمل الاقوال في مسألة اجتماع الامر والنهي، اجتماع عنوانين على معنون واحد. اليوم نذكر كلام الشيخ النائيني (ره) وهو الذي عليه بعض المحققين من المتأخرين. لاحظ الشيخ النائيني ان اجتماع العنوانين على شيء واحد يكون في المشتقات اما في الافعال ( المبادئ ) فلا. كل ما نريده ان مسألتنا هل هي من صغريات الكبرى المحال التي هي اجتماع عنوانين على معنون واحد محال هل مسألتنا مصداق لتلك الكبرى او لا؟

لاحظ الشيخ أن متعلق التكليف اذا كانا وصفين فلا بد من تصادقهما في شيء واحد وسماها بالحيثية التعليلية، وإذا كانا فعلين فلا يتصادقا وهذه هي الحيثية التقييدية. ومقصوده من الحيثية التعليلية والتقييدية غير ما ذكرناه.

في المشتق: المبدأ والوصف: نذكر بشيء في المشتق ان هناك مبدأ وهناك وصف منتزع من مبدأ مثلا: قاضي وصف منتزع من القضاء، وعالم وصف منتزع من العلم.

فقال الشيخ: إذا كان متعلق الحكم هو الوصف كان حيثية تعليلية وامتنع اجتماع الامر والنهي لكون الاتحاد في المعنون حقيقيا، وإذا كان متعلق الحكم هو المبدأ كان حيثية تقييدية فجاز اجتماع الامر والنهي، لكون الاتحاد انضماميا. ومراده من العلة ليس العلّة الواقعية بل علّة قيام العنوان في المعنون، ليس المراد الملاك وذكرنا امس الفرق بين القيد والعلّة، الفرق بين قولك: اكرم زيدا لانه ماش، وبين قولك: اكرم زيدا ماشيا، واكرم زيدا الماشي، اكرم زيدا إذا كان ماشيا، ذكرنا اربعة تعبيرات، الشرط والوصف قيود والتعليل شيء آخر، اكرم زيدا لانه ماش هذه علّة فيكون المتعلق هو زيد مباشرة. هكذا في الاصطلاح.

في الحيثية التعليلية اتحاد وفي الحيثية التقييدية انضمام: فعندنا إذن امران الامر الاول انه هناك فرق بين المبدأ والمشتق فإذا تعلق الحكم بالمشتق ذهبنا إلى الامتناع، وإذا تعلّق الحكم بالمبدأ (الفعل او المصدر) قلنا بالجواز. الشيخ النائيني (ره) سمى الاولى بالحيثية التعليلية، وسمى الثانية بالحيثية التقييدية. اما بالحيثية التعليلية فواضح إذا كان علتان على معلول واحد هناك اجتماع امر ونهي، اما التقييدية كالصلاة والغصب، الصلاة فعل، والغصب فعل، كلاهما تعلّق به حكم الصلاة تعلق بها الامر والغصب تعلق به النهي، عندما يوجدان في الخارج كل منهما لا ينطبق على الآخر ولا ينطبق احدهما على الآخر، ولذلك الامر اصبح في الصلاة والنهي اصبح في الغصب، والغصب والصلاة لا يمكن انطباقهما على شيء واحد. في الخارج الغصب شيء والمغصوب شيء آخر ذكرنا سابقا مثلا: زيد الابيض، البياض امر حقيقي متأصل في الخارج أي له وجود خاص وليس فانيا في زيد، لكن كل ما في الامر انه لا يمكن وجوده إلا مع زيد، إذن في الخارج امران وليس امر واحد، فتكون الوحدة الخارجية انضمامية، وبالتالي يجوز اجتماع الامر والنهي لعدم اجتماعهما في واحد حقيقة.

راي الشيخ النائيني (ره) يمكن تلخيصه بما يلي: إن الحكم إن تعلق بالمشتق كالعالم والفاسق وكان المشتق علّة لثبوت الحكم للذات وبهذا يكون المجمع واحدا، ومعه لا بد من القول بالامتناع، إذ الذات واحدة وقد اجتمع فيها الامر والنهي في واحد وهذا محال. وعبّر عن هذه الحالة بالحيثية التعليلية، واما إذا كان متعلّق الحكم هو المبدأ، اي المصدر والفعل كالعلم والفسق والغصب والصلاة فهذان لا يمكن اتحادهما ولهما تأصل في الخارج [1] ، ولهذا يكون متعلّق الامر غير متعلّق النهي وحينئذ لا مانع من القول بالاجتماع وقد عبّر عن ذلك بالحيثية التقييدية، وذلك لان التركيب في المجمع حينئذ تركيب انضمامي لا تركيب اتحادي كما في المشتق.

المراد من التعليلية والتقييدية: إذن معنى الحيثية التعليلية ليست بمعنى بيان علّة الحكم المتداول عند الفقهاء، بل بمعنى علّة ثبوت العنوان الاشتقاقي على الذات، ومعنى الحيثية التقييدية ليست بمعنى التضييق في المطلق والمقيد، التي هي بمعنى تضييق متعلق الحكم وسريانه إلى بعض الافراد بدل جميع الافراد في المطلق. اما في مقامنا فالتقييد معناه جعل الحكم تحت ماهيتين مما يوجب تعدد المجمع واقعا وحقيقة.

يقول (ره) نقلا عن المحاضرات: ومن هنا قال ( قدس سره ) : إنا قد ذكرنا في بحث المشتق : أن صدق كل عنوان اشتقاقي على ذات، معلول لقيام المبدأ بها بنحو من أنحاء القيام.

وعلى هذا الضوء فلا محالة تكون جهة الصدق والانطباق في صدق العناوين الاشتقاقية على ذات واحدة، وانطباق تلك العناوين عليها تعليلية لا تقييدية، إذ المفروض أن المعنون واحد ولا تعدد فيه أصلا، لا وجودا ولا ماهية، والتعدد إنما هو في الأعراض القائمة بذلك الموجود الواحد التي توجب انتزاع تلك العناوين في الخارج، فصدق كل عنوان معلول لعرض قائم به. [2]

اي ان هناك ذات واحدة كلا العنوانين قد اجتمعا فيها، بعنوان منتزع من المجمع، فإذن هذه الذات انتزعنا المشتق منها كلاهما ومعه يكون مجمع الامر والنهي واحد وهذا محال. مثلا: ما كثر صفيفه فاكله حرام وما قل صفيفه حل اكله او ما له حوصلة حل اكله. " ما " مشتق، و " الصفيف " مبدأ، " ما صف " مشتق " الصاف " منتزع من هذه الذات بلحاظ قيام المبدأ بها، الذات واحدة انتزع منها هذان الوصفان وسماها بالحيثية التعليلية وقال هذه الذات انتزعنا منها ان ما صف، وانتزعنا منها ما له حوصلة وكلاهما مشتق وليس مبدأ وهذا نوع من الحيثية التعليلية لانه سبب لانطباق العنوان.

فلو قال من الاساس انه إذا كان وصفا امتنع الاجتماع، وإذا كان مبدأ جاز الاجتماع، كان اوضح بكثير، وسنوضح ذلك غدا إن شاء الله تعالى.


[1] قلنا ان الامور على اربعة انحاء: اثنان متأصلان واثنين غير متأصلين. المتأصلان هما الجوهر والاعراض التسعة. وغير المتأصلين هما الانتزاعي والاعتباري.
[2] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج4 ص251.