الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي

     التفريق بين صرف الوجود ومطلق الوجود.

     التفريق بين كون متعلق الترك هو صرف الترك ومطلق الترك.

     احتمالات المصلحة في عالم الثبوت.

     المرتكز العرفي في عالم الاثبات هو كون المتعلق الطبيعة المهملة.

نلاحظ في كلام السيد الخوئي (ره) تركيزه على نقطتين: الاولى: ان ما ذكر من كفاية الفرد الواحد في الامر و لابدية انعدام جميع الافراد في النهي، لا علاقة لها بالامر ولا النهي، بل المسألة متعلّقة بالطبيعة المأمور بها أو المنهي عنها.

والثانية: التفريق بين صرف الترك أي الترك على نحو مهمل، وحينئذ يكفي ترك فرد واحد لتحقق الترك، وبين مطلق الترك الذي يقتضي ترك جميع افراد الترك، يكفي ترك فرد واحد للامتثال.

وبيانه: إن الطبيعة إما أن تكون مجملة من قبيل: " اهلك الناس الدينار والدرهم " أي طبيعة الدينار وليس كل الدنانير ولا حتى بعض الافراد، وإما ان تكون سارية لجميع الافراد.

أما المجملة فان الفرد الواحد يحققها، وعدم الفرد الواحد يعدمها بلحاظ هذا الفرد، ولذا نستطيع أن نقول في " أكرم العالم " إذا كان لم يكن الجميع مرادا، فإذا لاحظنا فردا واحدا فالطبيعة موجودة بوجوده ومعدومة بعدمه.

واما السارية مثل " اكرم العالم " بمعنى كل عالم، فلا بد من الاتيان بجميع الافراد.

ومع التفريق بين الطبيعة المجملة والطبيعة السارية يتبيّن ان لا اصل لما هو المشهور من ان صرف وجود الطبيعة يتحقق بأول الوجود، وصرف تركها لا يمكن إلا بترك جميع افرادها.

ويختصرها السيد الخوئي (ره) بقوله في المحاضرات: " وبكلمة أخرى: أن متعلق الترك ومتعلق الوجود إن كان الطبيعة المهملة فطبعا يكون المطلوب في النهي هو صرف تركها، وفي الأمر صرف وجودها، وقد عرفت أن الأول يتحقق بأول الترك، والثاني بأول الوجود. وإن كان المتعلق الطبيعة المطلقة السارية فلا محالة يكون المطلوب في الأول هو مطلق تركها، وفي الثاني مطلق وجودها. وعليه، فلا محالة ينحل المطلوب - بحسب الواقع ونفس الأمر - إلى مطلوبات متعددة بانحلال أفراد تلك الطبيعة، فيكون ترك كل فرد منها مطلوبا مستقلا، كما أن وجود كل فرد منها كذلك .

فإذا لا محالة حصول المطلوب على الأول يتوقف على ترك جميع أفرادها العرضية والطولية، وعلى الثاني يتوقف على إيجاد جميعها كذلك ".

فالنتيجة قد أصبحت من ذلك: أن المقابل لصرف الوجود هو صرف الترك ، وهو عدمه البديل له ونقيضه ، لا مطلق الترك ، فإنه ليس عدمه البديل له ونقيضه ، ضرورة أن نقيض الواحد واحد لا اثنان ،..... [1]

فرق بين صرف الوجود ومطلق الوجود، الامر والنهي يختلفان في المعنى نعم يتحدان في المتعلق وهو الطبيعة إما ان تكون سارية او تكون مجملة.

وبعبارة اخرى: فرق بين كون المطلوب في النهي صرف الترك وبين ان يكون مطلق الترك.

فان صرف الترك يتحقق بمرة واحدة وبفرد واحد، اما مطلق الترك فلا يتحقق إلا بجميع الافراد طولية وعرضية.

والسؤال: هل يصح ان الامر يقتضي الاتيان بفرد واحد والنهي عن جميع الافراد؟ وما هو المنشأ؟

كذلك الامر بالنسبة للنهي، لان الامر والنهي متقابلان.

ويجيب السيد الخوئي (ره) بما حاصله ان الكلام تارة في مقام الثبوت وتارة في مقام الاثبات.

اما في مقام الثبوت فان قيام مصلحة بطبيعة ما في مقام الثبوت والواقع لا يخلو من إحدى صور أربع:

الاولى: ان تكون المصلحة قائمة في صرف الوجود، بالطبيعة المهملة بغض النظر عن افرادها.

الثانية: أن تكون المصلحة قائمة في الافراد على نحو العموم الاستغراقي.

الثالثة: ان تكون المصلحة قائمة في الافراد على نحو العموم المجموعي.

الرابعة: ان تكون قائمة بعنوان بسيط منتزع من هذه الوجودات الخارجية، كالفوقية المنتزعة التي ليست موجودة في الافراد. هذا في مقام الثبوت.

واما في مقام الاثبات فإن الثلاثة الاخيرة تحتاج إلى قرينة، والمرتكز العرفي عند الناس هو الاول وهو صرف الوجود. مثلا عندما اقول لك " صلِّ " فقد يكون المتعلّق جميع افراد الصلاة وهذا يحتاج إلى دليل، وكذلك الأمر لو كان جميع افراد الصلاة على نحو كل فرد فرد على نحو الاستغراق، المجموع كمجموع يحتاج إلى دليل. كذلك الرابع، فيبقى المرتكز العرفي عند الناس هو الاول.

وفي النهي في مقابلها نفس الصور نكمله غدا ان شاء الله ثم نأتي بالمختار.


[1] محاضرات في الاصول، السيد الخوئي، ج4، ص91.