الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي

-بيان كلام صاحب الكفاية في اربعة نقاط.

-الاشكال على النقطة الاولى وهي المشهور بين القدماء من كون المعنى في الامر والنهي واحد وهو الطلب.

-النهي ناشيء من مفسدة في الفعل لا من مصلحة في تركه.

-فرق بين ان اقول: لا تفعل وبين ان اقول: اترك.

-السيد الخوئي يرى ان النهي موالف من جزأين كالامر: جعل الحرمان من شيء في عهدة المكلف ثم إبرازه.

ملخص كلام صاحب الكفاية في معنى النهي في اربعة نقاط:

النقطة الاولى: لا فرق بين الامر والنهي في شيء إلا في المتعلّق، يعني يتفقان في المبدأ ويختلفان في المتعلّق.

الثانية: إن العقل يحكم باقتضاء فرد واحد في الامر وعدم جميع الافراد في النهي.

النقطة الثالثة: إن الدوام والاستمرار في النهي ناشيء عقلا من أن الطبيعة لا تنتفي إلا بانتفاء جميع افرادها.

النقطة الرابعة: إذا خالف المكلّف وعصى، فلا دلالة بنفس النهي على استمراره وضرورة امتثاله في بقية الافراد، بل لا بد من قرينة على ذلك ولو بإطلاق صيغة النهي.

واشكل على النقطة الاولى: بان وجهه هو كون النهي ناشئا من مصلحة في الترك كما أن الامر ناشيء من مصلحة في الفعل، مع العلم أن النهي ناشيء عن مفسدة في الفعل لا عن مصلحة في الترك. لا يقال: المفسدة في الفعل يلزمها مصلحة في الترك، فانه يقال: لا تلازم بينهما لان المصلحة والمفسدة ضدان وليسا نقيضين، والضدان لا يجتمعان وقد يرتفعا، قد يكون ليس هناك مفسدة وغير معلوم ان هناك مصلحة. مثاله في المعاملات: في كتاب النكاح مسألة هل يشترط في الولي ان يلاحظ مصلحة البنت او يكفي ان يلاحظ عدم المفسدة في الزواج؟ وهناك فرق بين الاثنين كونهما ضدين لا نقيضين.

منشأ قول من ذهب إلى النهي هو الزجر: ما ذكرناه في الاشكال السابق وهو ان النهي ناشيء عن مفسدة في الفعل نهي يقتضي زجرا ومنعا، كما أن المصلحة في الامر تقتضي طلبا. وقد بينا سابقا فساد هذا القول في بحث الاوامر، وكذلك هنا فان الزجر أحد الدواعي، والدواعي تلون الامر او النهي بلونها فيسمى زجرا وبالتالي فهو مصداق للنهي فيكون زجرا بالحمل الشائع صناعي بمعنى فرد من افراد الزجر وليس نفس مفهوم الزجر أو النهي. وهكذا كل الدواعي، فلو كان الامر بداعي فهو تهديد بالحمل الشايع الصناعي، وهكذا بقية الدواعي في الامر والنهي. ومثلنا لذلك مثالا تقريبيا وهو " الحرباء " وهي حيوان يتلون بحسب المكان الذي تكون فيه للدفاع عن نفسها، واللون لا يعني انه هو لونها الاساسي، وصيغة الامر تتلون بلون الدواعي اليها، فإذا كان الداعي الزاميا فتكون مصداقا للوجوب، وإذا كان الداعي تهديديا فيكون مصداقا للتهديد إلى آخره، ووجدوا في الاستعمالات خمسة عشر داعيا. كذلك هنا، الزجر احد الدواعي وليس نفس معنى النهي وليس من اصل المعنى. فلا نخلط بين الملاك والمصلحة والدواعي وبين الموضوع له " المعنى " أي معنى النهي ما هو. الزجر هو احد الدواعي وبالتالي فهو مصداق للنهي وليس معنى النهي وان كان ناشئا عن مفسدة.

هذا كلام القدماء في معنى النهي اما السيد الخوئي (ره) فكان عنده معنى آخر للامر والنهي يختلف عن مشهور القدماء.

تفسير النهي عند السيد الخوئي (ره):

الامر عند السيد الخوئي (ره) مؤلف من جزأين:

الاول: اعتبار الشارع ذلك الشيء في ذمته من جهة اشتماله على مصلحة ملزمة.

الثاني: إبراز ذلك الامر الاعتباري في الخارج بمبرز كصيغة الامر أو ما يشابهها، كما يقول الشاعر:

ان الكلام في الفؤاد    وانما جعل الكلام على الفؤاد دليل.

الامر عند السيد الخوئي (ره) يتم بما يلي: قبل ان يؤمر المكلف تجعل الشارع شيئا في عهدته ثم يبيّن ما في نفسه.

وعلى نمط الامر كان النهي، فهو بالتالي مؤلف من جزأين:

أحدهما، اعتبار كون المكلف محروما وممنوعا عن ذلك الشيء باعتبار اشتماله على مفسدة ملزمة وبعده عنه.

ثانيهما: إبراز ذلك الامر الاعتباري في الخارج بمبرز كصيغة النهي. وعليه فالصيغة أو ما يشاكلها موضوعة للدلالة على ابراز ذلك الامر الاعتباري النفساني، لا للزجر والمنع، نعم هي مصداق لهما.

ولذلك يقول (ره) أن الامر والنهي مختلفان بحسب المعنى. فإن الامر معناه الدلالة على ثبوت شيء في ذمة المكلّف، والنهي معناه الدلالة على حرمانه منه، ومتحدان بحسب المتعلّق، فان ما تعلّق به الامر بعينه هو متعلّق النهي. بناء على هذا المبنى السيد الخوئي يرفض النقطة الثانية، وهي ان الامر يقتضي الفرد الواحد عقلا، والنهي يقتضي انعدام جميع الافراد عقلا.

رفض السيد الخوئي للنقطة الثانية:

ملخص كلامه (ره) ان ما ذكر من كفاية الفرد الواحد في الامر و لابدية انعدام جميع الافراد في النهي، لا علاقة لها بالامر ولا النهي، بل المسألة متعلّقة بالطبيعة المأمور بها أو المنهي عنها.

وبيانه: إن الطبيعة إما أن تكون مجملة أو سارية لجميع الافراد. غدا ان شاء الله نبين كلام السيد (ره).