الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الواجب المؤقت: الموسع والمضيّق.

     الكلام في تفصيل صاحب الكفاية (ره).

     التفصيل بين المقيِّد المتصل والمقيِّد المنفصل، والجواب عليه.

     الاصل العملي: عدم جريان الاستصحاب يكون القيد إما دخيلا في الموضوع وإما دخيلا في المحمول، وعلى كلا الاحتمالين لا تتحد القضيتان: المتيقنة والمشكوكة.

     جريان الاستصحاب فيما لو كان الوقت قيدا للموضوع أو المحمول دون ما لو كان ظرفا.

بعد التذكير بما سبق هناك تفصيل آخر لصاحب الكفاية (ره):

التفصيل بين القيد المتصل والمنفصل: وقد فصل بعضهم بين المقيّد المتصل والمقيّد المنفصل، فحكم بوحدة المطلوب في القرينة المتصلة وتعدده في القرينة المنفصلة

ووجهه ان المقيّد بالمتصل. لا ظهور له في الاطلاق لان الظهور لا يتم إلا بعد تمام الكلام، ولذا يكون متعلّق الامر ظاهرا في المقيَّد والقيد معا، بحيث يكونان معا مطلوبا واحدا، لان الظهور يكون للموضوع بعد تمامية الكلام. [1]

اما المقيَّد بالمنفصل فله ظهور في الاطلاق، وبذلك تكون القرينة المنفصلة غير مقيِّدة لأصل الموضوع، بل تكون مطلوبا آخر وتحمل على تعدد المطلوب، وتكون مبيّنة لكمال الوقت أو غير ذلك من الاغراض العقلائية.

وقد أجاب السيد الخوئي (ره) على هذا التفصيل بقوله: وعلى الجملة: فالقرينة المنفصلة وإن لم تضر بظهور المطلق في الإطلاق إلا أنها مضرة بحجيته [2] ، فلا يكون هذا الظهور حجة معها، لفرض أنها تكشف عن أن مراد المولى هو المقيد من الأول، فإذن لا أثر لهذا الإطلاق أصلا. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: أنها لا تدل على أنه مطلوب في الوقت بنحو كمال المطلوب ليكون من قبيل الواجب في الواجب، وإلا لانسد باب حمل المطلق على المقيد في تمام موارد القيود الثابتة بقرينة منفصلة، سواء كانت زمانا أو زمانية، إذ على هذا لابد من الالتزام بتعدد التكليف، وأن التكليف المتعلق بالمقيد غير التكليف المتعلق بالمطلق، غاية الأمر أن المقيد أكمل الأفراد.

مثلا: الأمر المتعلق بالصلاة مع الطهارة المائية، أو مع طهارة البدن، أو اللباس، أو مستقبلا إلى القبلة، أو ما شاكل ذلك غير الأمر المتعلق بها على إطلاقها، وعليه فلو أتى بالصلاة - مثلا - فاقدة لهذه القيود فقد أتى بالواجب وإن ترك واجبا آخر وهو الصلاة المقيدة بهذه القيود، ومن المعلوم أن فساد هذا من الواضحات الأولية عند الفقهاء، ولن يتوهم ذلك في تلك القيود.

ومن الطبيعي أنه لا فرق بين كون القيد زمانا أو زمانيا من هذه الناحية أصلا، ولذا لو ورد: " أعتق رقبة " مطلقا، وورد في دليل آخر: " أعتق رقبة مؤمنة " لا يتأمل أحد في حمل الأول على الثاني وأن مراد المولى هو المقيد دون المطلق، ولأجل ذلك لا يجزي الإتيان به.

وكيف كان فلا شبهة في أن ما دل على تقييد الواجب بوقت خاص: كالصلاة أو نحوها لا محالة يوجب تقييد إطلاق الدليل الأول، وينكشف عن أن مراد المولى هو المقيد بهذا الوقت دون المطلق، ولا فرق في ذلك بين كون الدليل الدال على التوقيت متصلا أو منفصلا، وهذا واضح.

فالنتيجة: أنه لا فرق بين القرينة المتصلة والقرينة المنفصلة، فكما أن الأولى تدل على تقييد الأمر الأول وأن مراد المولى هو الأمر بالصلاة - مثلا - في هذا الوقت لا مطلقا فكذلك الثانية تدل على ذلك. فإذا ليس هنا أمر آخر متعلق

بالصلاة على إطلاقها ليكون باقيا بعد عدم الإتيان بها في الوقت على الفرض. [3]

هذا كله في الاصل اللفظي، اما الاصل العملي فيقول صاحب الكفاية (ره): ومع عدم الدلالة [4] فقضية أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت، ولا مجال لاستصحاب وجوب المؤقت بعد انقضاء الوقت. فتدبر جيدا. [5]

هذا يعني ان الاستصحاب ليس واردا، لكن كيف ليس واردا؟

ملخصا: الاستصحاب يحتاج إلى قضيتين: قضية متيقنة وقضية مشكوكة. ونحن بدأنا بالاستصحاب لانه لو تمّ لقدّم على البراءة، في الاصول العملية يقدّم الاستصحاب على جميع الأصول لانه اصل محرز. لكن الاستصحاب يحتاج إلى وحدة موضوع ووحدة محمول في القضيتين: المتيقنة والمشكوكة، فمثلا: القضية المتيقنة هي:" الغسل مستحب يوم الجمعة " كلمة " يوم الجمعة " لا تخلو إما ان تكون قيدا للغسل (للموضوع يوم الجمعة) أو هي قيد للمحمول (للواجب)، فيكون دخيلا في القضية، والقضية المشكوكة هي " الغسل مستحب يوم السبت " هذه قضية اخرى انا اشك فيها. إذن اصبح هناك قضيتان: الاولى:" الغسل مستحب يوم الجمعة "، والثانية: " الغسل مستحب يوم السبت " فالاستصحاب لا يجري لانه يشترط فيه وحدة القضيتين في الموضوع والمحمول. فلا معنى ان اجري الاستصحاب فإذا كان " ليوم الجمعة " دخالة في الموضوع والمحمول، هذا يعنى ان له دخالة في تركيب القضية الاولى، فصار القضية المتيقنة غير القضية المشكوكة فلا يجري الاستصحاب. نعم لو لم يكن له دخالة لامكن جريان الاستصحاب كما لو كان ظرفا او حالة ليس له علاقة لا بالموضوع ولا بالمحمول، إذا كان ظرفا تبقى القضية كما هي، الوقت لا علاقة له لا بالموضوع ولا بالمحمول فتتحد القضيتان المتيقنة والمشكوكة حينئذ ممكن للاستصحاب ان يجري.

 


[1] قبل نهاية الكلام قالوا انه خطور او ظهور، واختلاف التعابير لا يضر لأنها هذه ليست عناوين وردت في نص، بل هي اصطلاحات. من المخصص المتصل الموجود لا صلاة هناك اشعار بالعموم لا يتم الظهور الذي هو الصورة المستحكمة إلا بعد نهاية الكلام وهو الحجة. ومثال آخر إذا قال " لا اله " كفر ولا يتم الحكم على الكلام الا بعد نهايته " إلا الله "، حينها تستطيع ان تقول هذا كفر وهذا ايمان. فإذا قال أحدهم " لا إله " فانه لا تستطيع ترتيب الاثر إلا بعد نهاية كلامه.
[2] السيد الخوئي (ره) سيميّز بين الظهور وحجية الظهور. في القرينة المنفصلة هناك ظهور، والقرينة لا تضر بظهور المطلق ولا بعمومه، نعم تضر بحجيته. فكك السيد بين تحقق الظهور وبين حجية الظهور، فليس كل ظهور حجة، بل في القينة المنفصل هناك ظهور للمطلق لكن لا حجية له باعتبار انني بينت مرادي وهو المقيّد.
[3] محاضرات في الاصول، سيد ابو القاسم الخوئي، ج4، ص63.
[4] أي إذا لم نصل لا إلى تعدد المطلوب ولا إلى وحدة المطلوب، ولم نعرف أن الطلب " اغتسل " مطلق وقد بقي على إطلاقه بعد التقييد. من قبيل " اغتسل " " واغتسل يوم الجمعة " نعم يوم الجمعة هو الفرد الاكمل، وهل يدل على بقاء الاغتسال على اطلاقه، فيوم السبت اغتسل أو لا؟ وهذا ايضا يجري في النواهي كـ "لا تشرب اللبن" و " لا تشرب اللبن الحامض " وهو اسواء الافراد.
[5] كفاية الاصول، الشيخ الاخوند الخراساني، ص144.