الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل الاحكام تتعلق بالطبائع أو بالأفراد؟

     رأي السيد الخوئي على عدم وجود ثمرة بناء على مسألة تعلق الاحكام بالطبائع أو بالأفراد.

     استدراك السيد الخوئي (ره) هو ان للمسألة ثمرة في حال جعلت من تطبيقات مسألة جواز حكم المتلازمين بحكمين متضادين.

     تلخيص ما ذكرنا بنقاط.

نذكر بان الشيخ النائيني (ره) في مسألة اجتماع الامر والنهي بنى المسألة على مسألة تعلق الاحكام بالطبائع أو بالأفراد، وذكر الشيخ النائيني ما تداوله الكثيرون من بعده، من انه إذا تعلقت الاحكام بالطبائع فلا بد من الذهاب إلى جواز اجتماع الامر والنهي بمعنى انهما لا يجتمعان في واحد حقيقة، وإذا قلنا بتعلق الاحكام بالأفراد فلا بد من الذهاب إلى امتناع اجتماع الامر والنهي لانهما اجتمعا في واحد حقيقة..

السيد الخوئي (ره) علّق على كلام استاذه ونقل المسألة إلى المشخَّصات، قال: ان الفرد عبارة عن جوهر وعرض، ماهية ومشخصات، ووجود المشخصات يختلف عن وجود الماهية، ووجود الفرد ليس فقط في المشخصات ولكن كل ما في الامر انهما متلازمان ولا بد من وجود مشخَّص. هذا التلازم بين المشخصات والماهية ليس معناه انه نفسه بل معناه انه لا بد لحصول هذه الحصة من الماهية لا من هذا المشخص، وفي هذا الفرد مجرد تلازم، ومعنى التلازم ان لكل واحد من المتلازمين وجوده الخاص. فالمشخص - بناء على تعلق الامر بالطبيعة - لم يتعلق به الامر، لان المشخص وهو في مثال الصلاة في الارض المغصوبة، وهو الغصب لا علاقة له بوجود الحصة في الماهية، وأما بناء على تعلق الامر بالفرد فأيضا المشخص ليس مطلوبا، من قبيل طلب اكرام العالم، الاكرام هو المطلوب أما الزمان والمكان والاضافة والكم والكيف إلى آخره هذه كلها ليست من متعلقات الامر نعلم ذلك بالوجدان، إذن المشخصات لا علاقة لها بالأمر فلا يتعلق بها الامر.

فبناء الشيخ النائيني المسألة على تعلق الاحكام بالطبائع او بالأفراد ليس صحيحا، أي سواء تعلق الامر بالأفراد أو بالطبائع، فعلى كلا القولين المشخصات ليست من متعلقات الامر، هي خارجة عن الامر على كل حال. فإذا كانت كذلك فما الفرق بين تعلق الامر بالطبائع او بالأفراد حتى تبني المسألة على ذلك، هذا تعليق السيد الخوئي (ره) على كلام استاذه.

ثم يقول السيد الخوئي: نعم لو جعلت المسألة من باب جواز ثبوت الحكمين المتضادين على متلازمين فهذا ممكن، أي كون المتلازمين يمكن ان يحكما بحكمين متضادين هذا صحيح وهذه المسألة يمكن ان تكون مبنائية فهذه بثمرة، ونعمت الثمرة، وان هذه المسألة أي تعلق الاحكام بالطبائع او بالأفراد، هذه المسألة يمكن ان نستفيد منها في مسألة المتضادين، وذلك لان المشخصات ملازمة للماهية تلازم لا بد منه، فهل يجوز ان يكون حكم المشخصات تختلفا عن حكم عن حصة الماهية؟ وبيني حينئذ على مسألة تعلق الاحكام بالطبائع او بالأفراد، كما في المثال المذكور الصلاة في الارض المغصوبة، فالصلاة من جهة اباحة المكان وغصبيته لها فردان: الصلاة في ارض مغصوبة، الصلاة في ارض مباحة، أي ان هناك نوعين من الصلاة بالنسبة للغصب والاباحة وكذلك بالنسبة للزمان هناك ايضا افراد وكذلك في الاضافة هناك افراد إلى آخره، اصبحت الحصة الخارجية من الصلاة مأمور بها وجوبا والمشخص الخارجي – الغصب – محرمّ، ونعلم ان الغصب والصلاة متلازمان موجودان معا، فهل يصح في المتضادين المتلازمين حكم بالوجوب وحكم بالحرمة في آن واحد؟

كلام السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: نعم، لو بني النزاع في المقام [1] على أن المتلازمين [2] هل يجوز اختلافهما في الحكم أم لا؟ تظهر الثمرة هنا، فإنه لو بنينا على عدم جواز اختلافهما في الحكم وأن الحكم المتعلق بأحدهما يسري إلى الآخر فلابد من الالتزام بالقول بالامتناع في مورد الاجتماع.

وأما إذا بنينا على جواز اختلافهما في الحكم وعدم سرايته من أحدهما إلى الآخر فلا مناص من القول بالجواز فيه، وهذه نعمت الثمرة.

إلا أن البناء على كون المتلازمين في الوجود لابد أن يكونا متوافقين في الحكم وأنه يسري من أحدهما إلى الآخر خاطئ جدا [3] ، وغير مطابق للواقع قطعا، ضرورة أن الثابت إنما هو: عدم جواز اختلافهما في الحكم بأن يكون أحدهما محكوما بالوجوب والآخر محكوما بالحرمة، وأما كونهما لابد أن يكونا متوافقين فيه فهو لم يثبت قطعا، لعدم الدليل عليه أصلا. فإذن لا يمكن ابتناء النزاع في المسألة على هذا. [4]

نقول: يجوز اجتماع الامر والنهي لانه متعلق بالماهية والمشخصات لا دخل لها، وبكل بساطة الامر يتعلق بالماهية بلحاظ افرادها على نحو الحمل الشائع الصناعي، في النتيجة يكون التعلق بالطبائع، كما سيأتي بيانه عند بحث المسألة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مسألة تعلق الاحكام بالطبائع او بالأفراد وننتقل إلى مسألة النسخ.

ونلخص ما ذكرنا بنقاط:

اولا: ان الاحكام متعلقة بالطبائع بلحاظ افرادها وليس بالأفراد كفرد، أي ان المطلوب إيجاد فرد من هذه الطبيعة.

ثانيا: ان مسألة تعلق الاحكام بالطبائع او بالأفراد لا يبتنى عليها النزاع على خلاف الشيخ النائيني (ره) وموافقة للسيد الخوئي (ره). فعلى كل حال الاحكام متعلقة بالطبائع سواء قلنا انها تعلقت بالفرد او بالطبيعة.

ثالثا: ان المطلوب وجود الفرد سواء قلنا بان الماهية امر انتزاعي لان الامر بالشيء امر بمنشأ انتزاعه او قلنا بالفرد مباشرة، لكن ذكرنا ان المطلوب هو الطبيعة بما هي موجودة في افرادها.

 


[1] تعلق الاحكام في الطبائع او في الافراد وابتنا مسألة اجتماع الامر والنهي عليها.
[2] المتلازمان هما الماهية والمشخصات.
[3] من قبيل: إذا طلعت الشمس فالنهار موجود امران متلازمان في الوجود، فطلوع الشمس ووجود النهار مختلفان، ووجود كل منهما مختلف عن وجود الآخر، لكنهما متلازمان، فهل يمكن توصيفهما بوصفين متضادين. وإن المتلازمين المحكومين أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة إذا اردت ان تطيع هذا الواجب ابتليت بفعل هذا المحرّم، وإذا اردت ان تنتهي عن المحرم ابتليت بترك الواجب.
[4] محاضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للفياض، ج4، ص20.