الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : هل الاحكام تتعلق بالطبائع أو بالأفراد؟

     الشيء ما لم يتشخص لم يوجد.

     الدليل على اصالة الماهية.

     رد الدليل.

     لا ثمرة في البين.

     الثمرة التي ذكرها الشيخ النائيني.

الخامسة: مسألة تعلّق الاوامر بالطبائع لا بالأفراد في مسألة اجتماع الامر والنهي.

ذكرنا ان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، فان زيد لا يمكن وجوده من دون طول وحيز وكيف ووضع وغير ذلك.

هل الطبيعة موجودة في الخارج او لا، بمعنى ان الكلي الطبيعي موجود بوجود افراده او بمعنى وجود افراده؟ وقلنا من باب التذكير اننا عندما نقول الانسان زيد وبكر وعمرو وخالد هناك حصة من الانسان في زيد وحصة من الانسان في عمرو، هل هناك حقيقة وطبيعة في الخارج اسمها انسان ثم تتميز حصصها بالخصوصيات؟ او انه اصلا ليس هناك طبيعة في الخارج هي بل عبارة عن افراد انتزعت منها كلي الطبيعة فالأفراد هي منشأ انتزاع، وهذا ما عبر عنه بأصالة الماهية واصالة الوجود.

الاستدلال على اصالة الماهية:

ولعلّ الدليل الاهم على اصالة الماهية وان الماهية موجودة في الخارج هي الصدق العرفي، فعندما يقال: زيد انسان يقال ذلك بدون أي تكلف، فالإنسان موجود في زيد وينطبق عليه، انطباقا حقيقيا وليس مجازيا وهذا يدل على كون زيد موجودا واقعا في الانسان، وهذا يعني ان الانسان موجود في الخارج وأيضا: استطيع ان اقول ان الانسان موجود في الخارج وبدون أي تكلّف.

نستطيع ان نرد ذلك بان الامر بالشيء امر بمنشأ انتزاعه، وهذا الكلي منشأ انتزاع هذه الافراد، هذه القضايا العملية التي ذكرت وهي زيد إنسان، والانسان موجود، فهذه القضايا محمولة على شدة العلاقة بين الشيء ومنشأ انتزاعه، شدة العلاقة بينهما والملازمة الشديدة بينهما تجعل العرف يشتبه بين المفهوم والمصداق فيظنهما واحدا، فعندما اقول الانسان موجود على وجه الكرة الارضية يعني منشأ انتزاعه موجود وهي الافراد.

وكمثال توضيحي على ذلك: كلمة " الفوقية "، هل تستطيع ان تقول إن الفوقية موجودة في الخارج؟ نعم نستطيع أن نقول ذلك وبدون تكلف، مع العلم باننا نقطع ان الفوقية غير موجودة لانها امر انتزاعي محض. ولذلك هذا الدليل الذي اتكل عليه السيد الخوئي (ره) في اثبات اصالة الماهية وفي اثبات ان الانسان موجود في الخارج يمكن ان يرد وذلك بالالتفات إلى هذه العلاقة المتينة والملازمة الشديدة بين الشيء وبين منشأ انتزاعه. بل إننا نميل إلى انه في الخارج هناك الوجود فقط. ويبقى انه هل نستطيع ان نخرج بنظرية ثالثة ليست هي اصالة الماهية ولا هي اصالة الوجود. [1]

والمريح في ذلك ان مسألة اصالة الماهية واصالة الوجود لا ثمرة لها من الناحية الاصولية، هي مسألة فلسفية اتعبتنا، لكن قد يقال ان لها ثمرة، و الذي يظهر من كلام الميرزا النائيني (ره) جعل ثمرة لها.

إذن هناك كلام ان هذه الحصة الموجودة في الخارج موجودة، أو أنها غير موجودة بل هي مسألة انتزاعية محضة؟

ونحن قلنا ان هذه المسألة لا ثمرة لها اصوليا وذلك لاني عندما اقول لك اوجد لي انسانا، إذا قلنا بأصالة الماهية فالأمر يكون هكذا: أوجد حصة من الانسان في الخارج، يعني بالنتيجة يجب إيجاد الفرد لان الحصة لا توجد حتى تتشخص، ولا تتشخص إلا أن تكون ضمن فرد. وإذا قلنا بأصالة الوجود فالأمر يتعلق بالفرد. فإذن على كلا النحوين يتعلق الامر بالفرد، وبالنتيجة المطلوب هو الفرد بالواسطة على قول وبلا واسطة على قول آخر، فلا تكون هناك ثمرة بالبين لان المطلوب هو الفرد الخارجي على كل حال سواء قلنا بالماهية او بالفرد.

للشيخ النائيني (ره) كلام ذكرته عمدا لانه سيفيدنا في مسألة اجتماع الامر والنهي، قال النائيني ان للمسألة ثمرة وذلك في مسألة اجتماع الامر والنهي، المثال المشهور في اجتماع النهي والامر في شيء واحد الصلاة في الارض المغصوبة، الصلاة بذاتها مطلوبة والغصب حرام، فصار هذا الفرد الذي هو هذا الركوع والسجود وهذه الحركات هو مأمور بها لانه صلاة وهو منهي عنه لانه غصب، اجتمع الوجوب والحرمة في واحد. وطبعا ان اجتماع الامر والنهي في واحد محل عقلا، كيف يمكن ان يكون في الشيء الواحد افعل ولا تفعل، اما هو محال او قبيح يستلزم المحال، بالنتيجة لا يؤمر به. وهذه الكبرى مسلّم بها.

الكلام بين الاصوليين هو: هل اجتماع العنوان في معنون واحد يكون من صغريات تلك الكبرى؟

النائيني (ره) والمظفر في اصوله ذكر انه إذا قلنا بان الاحكام تتعلق بالماهيات والطبائع والعناوين يعني ان الفرد غير مطلوب، فالوجوب للصلاة، والنهي للغصب، ولم ينحدر الوجوب ولا النهي إلى الفرد، فلم يجتمعا في واحد حقيقة فلا اشكال حينئذ لان الاجتماع ليس من صغريات الكبرى المحال.

اما إذا كان الامر والنهي متعلقين بالفرد يكون هذا الفرد متعلقا للأمر ويكون هذا الفرد أيضا متعلقا للنهي عنه، كلاهما اجتمعا في هذا الفرد. النائيني (ره) قال بان هذه ثمرة، وبلا شك ان هذه ثمرة لو تمّت. لذلك نقول ان هذه المسألة مبنائية، يعني انه إذا قلنا ان الاوامر والنواهي متعلقة بالطبائع فلا بد من الذهاب إلى جواز اجتماع الامر والنهي، وإذا قلنا بانها متعلقة بالأفراد لا بد من امتناع اجتماع الامر والنهي. وطبعا حلّ المسألة على القول بالاجتماع يختلف عنه عن القول بالامتناع، فعلى الاجتماع نقدّم الاقوى ملاكا لانه من باب التزاحم، وعلى القول بالامتناع نرجح بمرجحات باب التعارض.

هذه الثمرة ذكرها النائيني (ره) وبلا شك هي ثمرة مهمة.

وبيانه ملخصا وبطريقة اخرى: هل المشخصات داخلة في متعلّق الطلب؟ إن الماهية والطبيعة إذا كانت هي متعلقة للطلب تكون المشخصات خارجة عن متعلق الطلب، وإن كان لا بد من وجودها، لان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد. وإن كان الفرد هو متعلق الطلب دخلت المشخصات في متعلق الطلب. إذن الكلام في المشخصات لذلك السيد الخوئي (ره) اعترض على النائيني من هذه الناحية.

وعليه: على القول بتعلق الطلب بالماهية لا يسري إلى الفرد لعدم كون المشخصات داخلة في المطلوب، فلا مانع حينئذ من اجتماع الامر والنهي، بل وكل حكمين.

واما على القول بتعلق الطلب بالأفراد، فان المشخصات داخلة، ويكون الطلب متعلقا بها، وبهذا يجتمع الامر والنهي في واحد حقيقة وهذا محال، فلا بد من الذهاب حينئذ إلى امتناع اجتماع الامر والنهي في واحد.

هذا كلام النائيني (ره) وتبناه الكثيرون من المتأخرين وسنقف عنده وسنذكر تعليق السيد الخوئي (ره) غدا ان شاء الله.


[1] هذه النظرية غير ناضجة عندي بعد لكن يشير إليها استنساخ الكتب.